صكوك الغفران الضائعة(1) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

صكوك الغفران الضائعة(1)

قصة قصيرة الجزء الأول

  نشر في 15 يوليوز 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

"كيفن" هاتفك لم يهدأ منذ الأمس يا بني.

نعم يا أمي الجميع يريد تهنئتي بالنجاح الباهر الذي حققه كتابي، فقد تغلبت على رواية "غيوم ميسو" من حيث عدد المبيعات، وقد وضعت اسمك أول اسم في صفحة الإهداء "إلى أمي الجميلة صوفيا".

"صوفيا": حقاً! لشدة الأعمال المنزلية لم يسن لي الوقت بقراءته، حسناً هات لي نسخة يا بني لأرى ما نشرت.

"كيفن": خذي يا أمي الكتاب يشمل قصة نجاحي، حيث شرحت بشكل مفصل ما مررتُ به في حياتي والعوامل التي ساعدتني للوصول إلى أشهر إعلامي في "النمسا".

أخذت "صوفيا" الكتاب وبدأت بقراءته، ثم لاحظت ما تحتويه الأوراق من حلم ضائع وقف طويلاً على أعتاب المرار، كما رأت ذكريات غير منصفة، واستنشقت من الكلمات عبق ماضي سكنه روائح السراب لفترات طويلة، ثم ارتدت نظارتها الطبية لتركز أكثر بالقراءة.

من الجدير بالذكر أن "كيفن" عانى من بعض الاكتئاب أثناء الكتابة وهذا الشيء بالرغم من قسوته إلا أنه ساعده بشكل كبير في إيصال كلماته إلى قلوب القراء.

. انتهت "صوفيا" من قراءة الكتاب عند حلول المساء، وبعد لحظات قليلة عاد "كيفن" إلى المنزل

"كيفن": كيف حالك يا أمي.

"صوفيا": انتهيت للتو من قراءة الكتاب، ما هذا الإبداع يا بني، سأعد لك كعكة التفاح لكي نحتفل.

"كيفن": لا ليس الآن أرجوكِ يجب أن أخلد إلى النوم باكراً لكي استيقظ باكراً، سيارتي تعطلت وغداً لدي مقابلة مع رئيس الاتحاد ومن المتوقع نسبة المشاهدات لهذه المقابلة ما يزيد عن المليونين .

عبر "كيفن" في اليوم التالي شارع "كرنتنر" في الساعة الواحدة ظهراً، وأثناء عبوره سقطت منه ورقة من الأوراق المعدة لمقابلته مع الرئيس، من سوء الحظ لم ينتبه لها ومن حسن الحظ كان خلفه فتاة تدعى "ريتا" وقد رأت تلك الورقة وهي تسقط منه، التقطتها من الأرض ثم نادت عليه بصوت مرتفع قائلة: توقف.... يا سيدي انتظر.

سمع "كيفن" صوت هتافها ثم اقترب منها ليرى ما تريد منه، في هذه اللحظة تلاقت أعينهما، حدقت "ريتا" إلى عينيه قليلاً حيث أن الشمس سكبت دفئها عليهما مما أدى إلى انعكاس لون النعناع في عينيه إلى كل مكان، وكأن الشغف قد استعار وجهها لبعض الوقت، كما شعرت أن من أمامها إنسان هلامي أو ربما خيالها مصنوعاً من العاج.

تعجب "كيفن" من صمتها، أليست هي التي كانت تنادي عليه بصوت مرتفع منذ ثواني قليلة!، وجه إليها ابتسامه باردة وذهب مسرعاً ليصعد الحافلة.

حركت "ريتا" أهداب عينيها بشكل سريع وكأنها صحوت من ثمالة ما، ثم نظرت إلى الورقة وإذ بها تقرأ العنوان الموجود بين الأقواس "أهم الأسئلة الموجه للرئيس"، استنتجت من ذلك أن صاحب هذه الورقة إعلامي ولقلة مشاهدتها للأخبار لم تتعرف عليه، ذهبت إليه مسرعة ولكن لم تستطع اللحاق به، ثم صعدت بالحافلة التي تحركت خلف حافلته مباشرة، وعندما صادفتهُ في موقف محطة الحافلات نادتهُ مرة أخرى بصوت مرتفع أكثر قائلة: يا سيدي انتظر... انتظر للحظة.

سمعها "كيفين" مرة أخرى، التفت إليها بشكل سريع ثم أمسك يدها بقوة وأسندها على الحائط ثم قال لها: هذا ما كان ينقصني فتاة لعوب مثلك أن تكون سبباً لتأخري، اسمعي يا صغيرة أنا لستُ لطيف مع الفتيات، هيا ارحلي ولا تتبعيني.

صُدمت "ريتا" من ردة فعله ثم قالت له بصوت يتخلله العصبية: ماذا تهذي كيف تجرؤ، أنا لا أتبعك ولكن ثم صمتت وقالت في ذاتها لا تستحق حتى المساعدة تباً لك، ثم أفلتت يدها منه بكل قوة خاتمة هذا المشهد بقولها: اذهب إلى الجحيم.

ذهب "كيفن" إلى عمله مسرعاً ليتأكد أن كل شيء على ما يرام قبل مجيء الرئيس إلى الفضائية، وخلال مراجعته للأوراق لاحظ بفقدان أهم ورقة لهذه المقابلة، بحث عنها في كل مكان ولم يجدها إلا أن تذكر كلام تلك الفتاة وأسلوبه الفظ معها، واستنتج بتفكيره أن الورقة سقطت منه أثناء ذاك الجدال.

بعد دقائق قليلة جاء إليه مسؤول الصوتيات وقال له: جاءت فتاة إلى هنا وقد أوصتنا أن نعطيك هذه الورقة في أقرب وقت ممكن.

شعر "كيفن" بقلة تهذيبه معها، أسرع بالذهاب إلى خارج الفضائية ليراها، لعله يعتذر منها قبل أن ترحل، ثم رآها على وشك أن تصعد الحافلة، أوقفها وقال لها: أرجوكِ يا سيدتي انتظري.

نظرت إليه ولكنها لم تعيره الاهتمام، ثم قال لها: أرجوكِ اعذريني، لم أقصد أن اسيء إليكِ، كنت حينها متوتر جداً وفي مزاج غير سليم، اقبلي عزيمتي هذه الليلة على العشاء اعتذار وشكر مني، حيثُ أنكِ أنقذتني من إحراج محتم، قبلت "ريتا" الدعوة بعد ما تكلم معها بكمية لطف هائلة.

شعر "كيفن" خلال تناوله العشاء مع "ريتا" بشعور لم يستطع وصفه، شيء يشبه السعادة كما شعر بشغف غريب، ربما السماء أعارته هذا الشعور لبعض الوقت، أما بالنسبة لريتا كان إعجابها بلون النعناع في عينيه كفيل بأن يجعل لهجتها الأدبية مشوشة المجاز، كما لم تنطق في هذا العشاء إلا مفردات عبثية.

"مر عامين"

خلال هذه الأشهر الطويلة اقترب "كيفن" من "ريتا" كثيراً، بل أنهم أحبا بعضهم لدرجة لا متناهية، كان "كيفن" لا يشعر بوجوده إلا معها وكأن روحه تُسقى كل ثانية، وكأن "ريتا" تعويض من السماء لما سرقته منه الحياة، أما بالنسبة لريتا فقد استسلمت لمشاعرها بشكل كامل.

حجز "كيفن" موعد زفافه من "ريتا" في نفس التاريخ الذي تناول فيه العشاء معها لأول مرة، حيثُ أن عامين من الحب كانت كفيلة لأخذهم هذا القرار.

قبل موعد الزفاف بيوم اتصل منسق حفلات الزفاف بريتا وأخبرها أن "كيفن" ألغى جميع الحجوزات المتعلقة بالزفاف.

اتصلت "ريتا" بكيفن على الفور:

"ريتا": "كيفن" حبيبي لمَ ألغيت حفلة الزفاف! هل تريد الزواج دون حفلة؟ أم أنه حصل مكروه ما.

"كيفن": لا أريد الزواج منكِ ألا يكفي هذا.

"ريتا": هذا ليس وقت المزاح يا "كيفن".

"كيفن": أنا جاد.

"ريتا": كيف ذلك وماذا عن الحب الذي بيننا.

"كيفن": أظن أني فقدتُ الذاكرة، وبمجرد إنهاء هذه المكالمة سأنسى رقمك.

أغلق "كيفن" الهاتف.

لم تصدق "ريتا" ما سمعت وشعرت كأن خلفها أنقاض وأمامها سراب، ثم قالت في ذاتها: أظن أني لن انجو من هذا، وكأن روحها نهكت في ثواني قليلة، لم يتسع قلبها لهذا الألم.

خرجت "ريتا" من منزلها بعد هذه المكالمة ومشت بالشوارع بشكل عشوائي، وقد شعرت بأن الأرض تأن معها، حتى الودق المتساقط بشكل كثيف لم يستطع إيقاف خطواتها العذبة، دخل الحزن جسدها بشكل أثيث، كأنها تخوض حرباً لا تعلم عنها شيئا.

بعد مرور أشهر قليلة من هذا اليوم نشر "كيفن" روايته الثانية وكانت بعنوان "طقوس الكتمان".

السر الذي يساعد "كيفن" في إبداعه بالكتابة هو الدخول باكتئاب حاد ولا شيء يشعره بذلك إلا رحيل حبيبته ريتا عنه، لأن مشاعره اتجاهها كانت أصدق من المعابد الدينية، ( لهذا السبب تركها).

نجحت الرواية بشكل كبير جداً واستطاع أن ينافس بها الكاتب الفرنسي "غيوم ميسو" للمرة الثانية.

بعد صدور الرواية بمدة قصيرة اشتاق "كيفن" لأثير أنفاس "ريتا"، ولم يستطع أن يتحمل بعدها كل هذا الوقت.

حاول أن يعيدها ولكن بائت جميع محاولاته بالفشل، لأن جميع تبريراته بالرحيل كانت واهية بالنسبة لريتا، لم يستطع إقناعها بالعودة.

خافت "ريتا" أن تهديه عيناها ويجازيها بالعمى لأن كل قراراتها نحوه تدفعها نحو القاع، ومع هذا لن تستطع كرهه يوماً، هي تحبه في جميع الأوقات لأنه تجاوز العمق داخلها.

بعد مرور عام كامل من المحاولات الفاشلة يأس "كيفن" وقد لجأ إلى النبيذ لينسى حبيبته، وفي طريق عودته إلى البيت تعرض لحادث سير قوي.

جاء الشتاء...

من عادات "ريتا" في أول يوم من فصل الشتاء من كل عام أن تتمشى في شوارع "فيينا" المغطية بالضباب.

أثناء عبورها الإشارة حصل ما لم يكن بالحسبان، رأت "كيفين" يعبر الإشارة ولكنها فوجئت بسبب ارتدائه النظارة الشمسية في النهار، ثم لاحظت بوجود عصاة يحملها في يده تدله على الطريق.

استنتجت من ذلك إصابتهُ بالعمى.

ركضت إليه مسرعة ثم احتضنتهُ من الخلف وبدأت دموعها تنسكب على معطفه، ثم أصبح لصوت بكائها شهيق.

لم تسمع "ريتا " في هذه اللحظة أي صدى لصوت عقلها، كما أنها لم تبالي لإعاقة حركة السير، دخلت بحيرة مفرطة، ربما متاهات الحياة جعلتها تمتلك الازدواجية في المشاعر.

شعر "كيفن" بريتا قبل أن تصل إليه وذلك بسبب سماع عذوبة خطواتها، ثم شعر بلمسات يديها وكأن بهم مرفأ، ثم قال في نفسه: هل ضاعت صكوك الغفران أم أن هذا القدر مصنوع من الفولاذ

بقلم سهام السايح



  • 10

   نشر في 15 يوليوز 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 5 سنة
قصة جميلة جدا سهام ، دام المداد .
2
سهام السايح
شكرا لك عزيزتي فقد انتهيت للتو من الجزء الثاني
Salsabil Djaou
سأقرؤه بالتأكيد صديقتي
ارجو ان لا تكوني بحاجة الى الاكتئاب حتى يخط لنا قلمك اجمل الكتابات .
1
سهام السايح
لا اطمئن لست بحاجه إليه.... شكرا لك
ward ward منذ 5 سنة
كالعادة درجة العمق بالكتابة عالية جدا... وكيفن قد دخل قلبي من كلماتك تمنيت ان اراه على الحقيقة
2
سهام السايح
هههه ولكن كيفن شخصية وهمية للأسف
Menna Mohamed منذ 5 سنة
الله ❤❤مبدعة سلمت اناملك حبيبتي ❤ احسنتي بالفعل الاكتئاب يولد الابداع اصدق دليل علي ذلك بيتهوفن اعظم موسيقي راحل كان مصاب بالاكتئاب القطبي و هذا لان الاكتئاب يؤدي الي العزلة و التي يولد معها الابداع كما ان علميآ مرض الاكتئاب يؤدي لوجود نشاط هائل في الفصل الايسر من المخ لان الاكتئاب اساسه تولد الافكار العديدة غلي المخ بشكل مستمر و بالتالي هذه الافكار تولد الابداع موفقة حبيبتي قصة اكثر من رائعة اتمني ان اري كتابتك الجميلة دائمآ
2
سهام السايح
تسلمي حبيبتي هاد زوئك وانتي كتاباتك اجمل
Menna Mohamed
تسلمي حبيبتي هذا ذوقك و لطفك انتي كتابتك الاجمل و الاحلي طبعآ موفقة ❤ ❤
Dallash منذ 5 سنة
الابداع يولد من رحم المعاناة والاكتئاب جزء منها ..ابدعت اختي دام مدادك
2
سهام السايح
شكرا جزيلا
Dallash
العفو اختي الفاضلة
هل حقيقة نحتاج الى حالة اكتئاب حتى نبدع ، لا اعتقد ذلك ولكن ربما انها تكون فعالة عند البعض ، اما بالنسبة لي فإن اردت التوفيق فيجب ان اتوجه الى الله فبه انجح واوفق وخاصة إن كان العمل خالص لوجه ويكون يحبه .https://www.youtube.com/watch?v=PsMvhbCYCXI
1
سهام السايح
كلامك سليم ولكن الناس تختلف بين بعضهم فبعض الكتاب يحتاجون الى الحزن لستطيعو التعمق بالكتابة
محمود بشارة
كلامك صحيح .

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا