آخر شيء قلته لي: ستكونين في دار السلام.

أنا الآن في دار السلام رغم ماكان من الصعوبات التي اعترضت مجيئي إلى هذه الجزيرة البعيدة الهادئة المتماوجة مع الأمل، ومازلت هنا جئت بتوقيت خروجك منها بالضبط، ووصلت بتاريخ ضيق السماء على الأرواح التي اعتادت تلقي الخير من يديك، كما أنها تعملت منك الدروس لمواصلة طريقك الذي رسمته بخطوتك الأولى.

غربتك في باطن الأرض مزينة بدعاء عامة من منحتهم الأمل وأضئت طريقهم بمنهج الصبر لكن من وصيتهم بزرع الود في كل الطرقات قد خذلو البذور والتربة، بل لم يقف الأمر عند خذلانها بل آذوها برمي بقايا الجراح من النفوس الصامتة، هناك علامات عجيبة تتقنها الملامح حين تصوغ عباراتها القاتلة فتسطرها السهام الخفية في دفاتر المكر، كما أن هناك الكثير من الدلائل التي تسللت لتؤيد معاني تأخير توزيع الود في طرقات ملئها الإستيئاس حتى كادت تهلك.

نعم، أنا هنا الآن بين هذا الزمن المتخم بالكيد والرياء، وأنا هنا بين الأمكنة المعبأة ببراكين صامتة، وقد هربت قبلها من ذات البراكين التي انفجرت حممها في وجه صنعاء لتخلف ورائها الكثير من الأشلاء، ليس من فرق ففي صنعاء كان الخوف من الإحتراق بتلك النيران وهنا الخوف من إنفجارها، فالخوف حليف وفيّ حتى في غمرة الأمان.

دعني أصرخ الآن واسمعني جيدا!! دعني أبكي فقد أناي المتحورة في أجواء لوثها صدأ الكذب من شخصيات تدعي السمو والترفع، دعني أخبرك بأمر قد خفي عنك طوال حياتك، تلك الوجوه لم تكن سوى دمى، وقد رأيت الوجوه الحقيقة في وقت غفلة الزمن، أعدك أنني سأخبرك عن تهدم الأخلاق التي رسمت أمامك حيائها، وعن الخطب التي تسلب النفوس فتتوارى عن الأبعاد لتخلد في نفور التسامي إلى مخالب الشياطين لتمتزج بذات الأمراض التي حذر منها رسولنا العظيم.

صعب مداواة النفوس الضئيلة التي يسكنها الحقد ومايليه،صعب أن نتعلم من المرضى أبجديات القوة، والأصعب أن نستمر في الإبتسامة في وجوههم حتى لا تلفحنا نيران أعمالهم المستعرة، هناك هدأة واحدة، وهندسة عجيبة تتفنن في تشكيل صبري المتآكل؛ إنها روحي  فقط حين تخرج مني لمناجاة خالق الأكوان فأردد حسبي الله ونعم الوكيل؛ فتتردد في مسمعي تلك الآية:"إن الله يحب المتوكلين".