في عصر الأنترنت نشتكي أن الشباب (عموما) لم يعد يقرأ، البعض وأحسبني منهم يبذل جهده ليجعل الشباب يقرأ، وإن أفلحنا في ذلك نجد أن الشباب حائر ماذا يقرأ؟ يبحث عن الكتب الرائجة عبر النت فتنصحه المواقع العربية المولعة بترجمة غوغل لنفايات الغرب والنسخ واللصق على صفحاتها بكتب رشحها نخبة المثقفين وصفوة الناجحين في الحياة (ماديا طبعا) من أمثل: أوباما، وبيل غيتس، و مارك زوكربيرغ، ولأن الناس تحب تقليد المشاهير والأغنياء فهي تهرول بدافع الفضول والتطفل لا العلم والاطلاع لقراءة ما يقرأون من كتب يروج لها على أنها الأكثر مبيعا، ومن بينها كتاب العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري: كتاب من تأليف يوفال نوح هراري يتناول تاريخ نشوء البشرية من وجهة نظر أنثروبولوجيه تعتمد على مفاهيم علم النشوء والتطور البشري (طبعا على حد زعمه) فهو رجل يهودي الأصل ملحد، كتابه ساحر العبارة، وسهل الفهم والهضم، وسام الفكر، ويكاد لا يذكر من انتقده -على غرار كتب سيغموند فرويد وداروين وماركس- الكتاب يؤسس ويأصل للإلحاد ،وتوفر قناة الملحدين العرب نسخة (رقمية) عربية منه للتحميل، كما يتوفر مسموعا بالعربية على اليوتيوب، والعديد من اليوتوبرز المؤثرين يروجون له على أنه موضوع الساعة وأنه فتح عظيم، وهناك العديد من التعليقات الإيجابية من العوام في تفاعلها مع هذا الكتاب، ففي عصر التفاهة حتى الكتب لم تسلم، كيف نجعل الشباب يقرأ ويكون مثقفا ليأمن شر ما أريد به؟ أما عن نفسي فقد تعلمت ألا أبلع اللقمة حتى أشم تاريخ صلاحيتها وأتذوق طعمها بطرف لساني في حذر حتى لا أتسمم أو أحرق فمي بسخونتها، كما لا أدخل بطني أي طعام غريب أو أجهل مصدره حتى لا أصاب بعسر هضم، وأتعامل بذات المنطق مع الكتب، فإذا كان الطعام غذاء الجسد فإن القراءة غذاء العقل ويجب أن نكون حذرين فيما نقرأ، فكل جديد غريب فهو مريب حتى يثبت بالدليل صحته. كان علماؤنا الأوائل يحذروننا من الذي يروي غرائب الحديث، واليوم أحذر القارئ من الكتب الأكثر مبيعا ككتاب نظرية الفستق وكتاب السر ...والقائمة طويلة، فشكلها جميل وأسلوبها جذاب ومضمونها هراء، كما أعجب للآسيويين الذين من كثرة التزامهم بالعمل لا يجدون وقتا للنوم فينمون وقوفا في عربات المترو أثناء عودتهم من العمل كيف يجدون وقتا لقراءة الكتاب الأكثر مبيعا، ومتى اشتراه أصلا؟ كفى استحمارا للقارئ العربي الذي يكافح من أجل لقمة العيش ويدخر ليثقف نفسه ويتعلم ما لم يعلموه في المدرسة فتبيعونه الكتاب الأكثر مبيعا وسخفا وهراء وغلاء.