رؤيا النصر
هيام فؤاد ضمرة
زارتني رؤيا تتراقصُ اهتزازاً، كخيطٍ يتدلى في مَهَبِ ريحٍ عاتية، تذرُو غضبَها الداوي هناك، في صدُورِ المُعذبينَ خلفَ قُضْبَانِ الحِصَار، والثورةُ تعْصِفُ في دماءِ الأحرارِ والأغيار، على رئةِ الغمامِ المارِ من ناحية الغرب، يُمْطِرُ غيظاً تقطَّعت أغصانُهُ مِن علق، ونحن أمةٌ تأبى الانصياعَ للغدر، إذا ما أحكمَتْ قبضاتُ أصابعُ أبطالها على الحجَرِ الدُّريّ انفلق.
رأيتني مثلما يرى الغافي بين عوَالِـقِ الأحلامِ، المتجزئةِ على مساحاتِ الصمود، أننا نرفعُ بيارقَ حَربٍ تخبرُ العالم أجمع أننا على وشكٍ قريب سوف نعود، وأننا سنكسِرُ عن جلودِنا وقلوبِنا صخرَ الجُمُود.
وها أنا أراني في هذهِ اللحظةِ أخْتَرِقُ ضوءَ الرَبَابِ في باطنِ السماء، وقلبيَ على اللهفة يتدحرجُ أمَامي بين أرجُلِ المتعبينَ ببطونِهم الخاوية، يُناديني أنْ هلمي، لنلحقَ قطارَ الرحيلِ في سِفر المجاز، وأفكاري تُصادِمُ جُدرانَ عَقلي، وتطرقُ أبوابَ الجُوَارِ، تبحث عنْ مأوى، يُلملِمُ شظايا الخوفِ، عنْ جوانبِ طريقٍ، ابتلعَ أسرارَ الغائبينَ عن الديار، وعن مرصد الحوار.
وقنديلي المُضاءُ لا يَخشى أشباحَ الظلامِ، وقد انتفضتْ دِماءَهُم بغزارة الشلال تغسلُ أرجلَ المُناضِلين فوق أرض الأجداد ، قلوبُهم قدَّتْ من صخرٍ وصُوَان، والفتيلُ يَقترِفُ الضياءَ وَسطَ جَلبةِ عتمةٍ عاتية، ليذيب غبش الهوان من جيب النسيان وبقية باقية من حومة الأحزان.
ها هم في غزة الأحرار يواجهون الأعداء وجهاً لوجه، لا شيء خلفَهُم ولا اضمحالِ ضياء أمامَهُم تمنعهم، فقط هم وحربُ النهايات الفاصِلات، إما مصيرها النصرُ والتحريرُ، وإما الفناءُ على مصطبة الأشاوس الأنقياء، إما قاتِلٌ مُتهَم أو مَقتولٌ بانتماء، فالمُنتصِرُون وحدَهُم سيرثون الوطن إذا ما تحاشاهم الغياب، لتحترق الأيدي الملوثة التي عاثت فساداً، أبداً لن تنقشَها حناءُ المنتصرين.
لننتشِلَ صُوَرَ الأحلامِ من العالمِ السريّ المُوشى بالخيالاتِ أو بالبُطولات، فقد رأيتني أتصَفحُ كتابَ ذاتي بملحمةِ انتِحالي، أمُدُّ يَدي اقتطفُ قطعةً منَ الغيمِ التحِفُها في بَردِ حِياضِي، لإلا تقرصَني أصابعَ الصقيعِ الخارِجةِ من كفِ الحُقب، تحيلُ الريحَ إلى مرسالٍ يحمِلُ البُشرى ليومِ الأرَب، ودماءُ الفلسطينيين مسكٌ يفوحُ بوجوهِ كلِّ العرب، لا عتب، لا شغب، لا نرجسية تأسر قلوب العائدين.. فقط فانوس وفأس ومحراث يهيئ الوطن لمنْ للوطنِ قلبُهُ التجأ.
لم يعد هناكَ من مَسَافةٍ طويلةٍ كما يَعتقدُ البعض، لم يُعد هناكَ مِنْ علاماتٍ دالةٍ ولن يَنطلِق النورُ مِنْ قِمَم جبالِ نيسابور، فأرض كنعان ستلدُ كَنعان وستسجدُ له كلِّ الأقمار مُسَخراتٌ وستبارِكُ الشمسُ فوقَ رؤوسِ الأحداثِ الجاريات، فيا عُذوبة الماء الزلال حين تنسكِبُ يَنابيعًهُ عن جِبالِ الجليل في كأسِ الوُجُود، خبرِّي العالم أنْ ها هنا عَقدنا عَزم جذوة الحديد والنار ومنحنا للريحِ حُرية البَوْح التي أصابتها بالإشتعال، فاشعلوا كل ما يُمكِنكم في طريقكم، أضيئوا الأنوارَ في بيتِ القصيدِ فلأبجديةِ التحرير الشَّامِخِ تَهاوَتْ مِنْ كلِّ جانبٍ الأسوار .
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية