الحروف تموت حين تقال - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحروف تموت حين تقال

قصة قصيرة

  نشر في 01 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

                    الحروف تموت حين تقال


لم تدرك ذلك في حينه .. ولكنها ادركته او بدأت تدركه فيما بعد .. لم تكن تجرؤ او تستطيع

البوح له بمشاعرها ..ولم تفكر حتي ولو ليوم واحد او لدقيقة واحده ان تنظر في ذلك الضوء

الخافت الذي يتسلل في هدوء وحياء العذراء في خدرها من بين عينيه السوداويين ..كانت

دائما ما ترخي جفناها للارض كلما رأته أو قابلته بالصدفه وكأنما تستدل ستائر النسيان علي

وجهها حتي لاتعود لتراه مرة اخري ! كانت تتحاشي النظر اليه كلما اصدمت عيناها بعينيه

هذا الاصطدام اللذيذ الذي طالما تفتت له قلبها الغض المفعم بالغرااام المتأجج بداخلة فتسيل

قطرات الحب الحمراء من قلبها لتلطخ قلبه بتلك الدماء الساخنه التي تتراقص الروح لها

وتسيل منها كراقصه محترفه ترقص علي ايقاع قلبه الأخضر اليانع .. وبالرغم من انه في

اواخر الأربعينيااات الا أنه كان يبدو امامها كطفل صغير لم يتعلم بعد لغة الكلام .. واتخذ

كلاهما لغة الصمت كقاموس يترجم كل مايجول ويصول ويصهل في قلب كل منهما كلما رأي

احدهما الآخر ... لم يعد يذكر شيئا من ماضيه.. لقد ماتت زوجته ثم تركته ابنته الوحيده

وسافرت الي الخارج مع زوجها ..لم يعلم عن أخبارها شيئا منذ فترة .. لقد اخذتها دوامة

الحياة فدهست ذاكرتها تحت قطار الزمن فلم تعد تذكرة الا في المناسباااات !!! عاش حياتة

وحيدا ..لكنه لم يعبأ يوما بهذا ..فقد كان يعطي كل وقته لعمله ويسخر كل جهده له .. كانت

الوحده هي الملاذ الأخير والملجأ الذي يحتمي به من نظرااات الناس والجيرااان .. انهم

يرونه اعزب ,, جذاب النظرات تقطر رجولة من نوع خاااص من لفتاته او حتي همساته..

ولمره اخري التقيا .. صحيح انه لم يكن بشكل االقاء الاول بينهما ولكنه كان كغير القاءات

السابقه كانت ليله ممطره عاصفة عصف فيها البرق بكل ما بقي في قلبيهما من المشاعر

التي كانت دائما وابدا تعلن ثورتها الصارخه ثم فجأه !؟ تخمد نارها وتنطفئ عن تصل اوحتي

تكاد عند اطراف الشفاة ؟! مالذي كان يحدث ؟ مالدافع ؟ مالسبب ؟! اهي التقاليد ؟ ام

الاعراف المجتمعيه ؟ ام غير هذا وذاك ؟ ام انه شئ اخر لايدريان هما نفسيهما مايكون هذا

الشئ ؟ العين نتطق والقلب يصرخ بل يستغيث لكن لا مجيب ؟ تطبق الشفاه عليه بقفل من

حديد صدئ من الصعب فتحه ؟ وتقهره تلك الكلمات ..تجلد ه بصياط الصمت .. الخوف ..

القلق .. ؟!! ربما ؟ واصدما كلا الجسدين ببعضهما عن دون قصد منهما ......فعصف صوت البرق في تلك اليله اللمطره بقلبيهما عاصفه مدويه كصوته المرعد القوي .. اهتز قلبيهما ونبضيهما بصوت رعد خاطف كالبرق في لمعانه .. قاهر قوي كصوت الرعد في عنفوانه ...

نظرت اليه وكأنها تسترحمه او ترجوه الايفعل .. الا يقترب اكثر .. وكأنها في الوقت ذاته تطلب منه بل تتوسل اليه ان يفترب اكثر فأكثر !!!!! كانت تخشاه او تخشي عليه !! ولكن عينه افصحت لها وبقوه عن مكنون قلبه الذي ناء بحمله واردف اعجازا ... لكنه وفجأه ابتعد وكأنه خشي ان يلمسها .. وكأن بها مس من الجنون قد يصيبه بأذي .. او صعقه كهربائيه

سنطلق حالا من فوهة عينها لتسدّد سهامها الناريه وتصوبّها نحوه فيرتد صريعا في الحال ! وابتعد ثم ابتعدت هي ايضا وكأن كلاهما يخشي الاخر .. وفي ذات الوقت يرجوه ان يبقي ..ان يطيل في قربه . ان لايبتعد .. وتحدثت العيون بأكثر من اللازم .. وابتعدت الأجساد بأقل من القليل .. ثم انتفض كلاهما معترضا ليعلن ابتعاده فجأه .. كانت اتية لزيارة عمتها المريضه والتي اعتادت زيارتها مساء كل يوم جمعه .. ثم صادفته1ظ عند مدخل البنايه .. ولكنها وبعد استفاقت من غفوتها بين مجاهل عينيه .. وبعد ان تاهت في ضياء سوادهما !!! وقد دثرها سواد عينيه بين طياته في عبائته الدافئه التي اثارت قشعريرة برد الشتاء وامتصته من جسدها ليحل محله دفء لذيذ ..واستنشقت وعن قرب للمرة الاولي عطره الذي كان دائم مايتعطر به والذي غمرها بزهور الحب اليانعه وحدائق الشوق المحملة بأريج الشوق والهوي العطر.. وبعد ان شرب هو من عسل عينيها الصافيتين وبنظرتين كانتا كسهام من رام محترف لم تخطئ هدفها نحو قلبها ابدا ... وفي اقل من دقائق معدودة شهدت علي هذا الاصطدام المروع المدوي بانفجار قنبلة من الحب بصوت صامت ابكم يصرخ من الشوق ؟!!!كالكلمات الكسيحه علي شفتي اخرس يستغيث وما من احد يفهمه ..انطلقت وبسرعه الصاروخ نحو ( الاسانسير) هاربة من نفسها لتختبئ داخل المصعد من هول تلك عاصفة الشوق الهوجاء .. ومن امطار الهوي الغزيرة في تلك الليلة الممطره ! ... وتركته خلفها تلهث نفسه الملتاعه ويدق قلبه ليعلن ناقوس الخطر .. لقد احبها .. لكنه ظل يقاوم هواه لاخر مدي .. وكذلك فعلت هي .. وانتهت تلك الدقائق الحاسمه في عمر الزمن .. وبدت كأنها عمر مديد .. طويييييييل .. قريب وبعيد !. قذفت بنفسها داخل شقة عمتها ودونما تفكير القت عليها التحيه وسالتها عن احوالها لكن الأخرى تعجبت من حالها وسالتها عن وبهدوء وبتوجس : مالك ياليلي شكلك تعبانه او خايفه فيه حاجه ! لكنها وبتردد لم تخفيه سرعتها في الاجابه وباصرار طفلة عنيده اجابتها : ماممم مفيش .. أأأأنا كويسه ..كويسه جدا ؟! وانتهت الزياره وغادرت شقة عمتها التي لم تقنع بإجابتها ولكنها استسلمت لكلامها كاستسلام طفل لأوامر والديه دونما رغبة منه في ذلك ... عادت لشقتها والأفكار تضرب برأسها الصغير...انها تعيش مع ابنها الوحيد وبعد طلاقها كان ولدها هو الملجأ والملاذ الأخير لديها .. ولولا وجودها مع ابنها الذي اصبح عمره يقارب السادسه عشره لكانت مضغة في افواة الجميع ؟ اذ كيف كان سيتسني لها ان تعيش بمفردها !! وهي المطلقه الوحيده . هذا ما دار بخلدها .. او ماكان يفكر به الجميع لكنها لم تعبأ بذلك ولم تلقي له بالا .. بل القت في عرض البحر كل كلام سمعته او كلام قالته تلك او ذاك .. يكفيها ولدها من بين كل هؤلاء .. والان وبعد ان اصبح رجلا ..او هو علي وشك لم يعد شيء ما يهم .. فبعد ان تخلصت من شبح ذاك الكابوس الذي جثم علي صدرها لعدة سنوات واطبق علي أنفاسها حتي كادت ان تختنق الي ان تم طلاقها وتحققت امنيتها في الخلاص من ذاك الرجل او بالاصح ذاك الشبح اللعين الذي مزقها داخلها..وزرع النفور من كل رجل بداخلها ! .. بل من .....؟؟؟!! من ماذا ؟ الزواج ؟ الرجل ؟ بل كل الرجااال ..؟ نعم كل الرجااال .. انهم اغبياء .. رقعاء .. بل وحوش هائجه مائجه .. تضع الأقنعة الزائفه علي وجوهها .. ولكن وبعد ان يتم المراد ويصبح القيد امرا واقعا تسقط كل الاقنعه وتتلاشي كريشه في مهب ريح عاتيه .. لا تري ولاتدرك الا شيء واحد هو ان تقتلع كل ماهو امامها .. وقد وجدت هي نفسها وسط عاصفة من الثلووج يقطّع ثلجها وبردها الأوصال ويمزق الأحشاء بسكينه المثلّجه اللّعينه التي تترك خلفها كومه هائله من الثلج ..لاتذوووب ولاتزعزع من مكانها كالجبل العتييد او الطود الاشم في عناده وقسوته بل في غبائه ... انهم لايرون الا مايريدون ..ويغضون النظر إلاّ عن مايشتهون .. وماهو غير ذلك ليس مهم .. ولكن مهلا ..لاحت امامها فجأه صورته .. شعرت بأنفاسه حولها في الغرفه وبسرعه قامت الي مرآتها وكأنها تسألها ؟ هل هو أيضا كذلك ؟ هل هو منهم ؟ هل ...وهل ... وهل ... وتصارعت الاسئله في مباراه حاده مع الأجوبه داخل حلبه رأسها كادت ان تسقط مغشيا عليها ... ولكن رنت في اذنها نبرات صوته الحنون الهادئ الرخيم ولمست روحها الملتاعه وهدّأت من روعها برنين تلك النبرات المتردده علي قلبها قبل اذنها كأصابع البيانو التي تعزف ارق وابدع معزوفة موسيقيه .. وتساقطت الدموع من عينها فكأنما المعزوفة يتردد صداها داخل غرفة قلبها المليئة بالشجووون والتوتر والقلق وامتزج هذا بذاك حتي نزلت امطار دموعها الغزيره فبلّلت قلبها ووسادتها وراحت بعدها في سبااات عمييق ...وعلي الجانب الآخر كان هو .. لم يزوره النوم في تلك اليله ... وظلت الأفكار تتماوج في عقله ... انه لايريد بل لم يكن يريد ذلك في حياته .. صحيح انه لم يكن سعيدا مع زوجته .. لكنه اعتبر ذلك شعورا طبيعيا نتيجه روتين الحياة القاسي .. الممل .. وظل مخلصا لها حتي وفاتها .. لم يعبأ يوم ما بشئ اخر غير عمله .. وصداقته مه بعض اقاربه وجيرانه وزملاء العمل .. لقد كان ولا يزال في نظرهم دائما وابدا الرجل الوقور.. المتزن .. المتدين .. الذي لايرضي ابدا بشئ او تصرف او حتي شعورا خارج عن حدود ال

الأخلاقيات والعرف والدين .. انهم دائما ماكانوا يعتدّون برأيه ويضعونه في المقدّمه .. بل في كل صغيرة وكبيره .. والأكثر من ذلك أنّهم كانوا يستمعون لبعض الندوات الدينيه والأخلاقيه التي كان ينظمها يوم الجمعه من كل أسبوع .. وكان هو الإمام الذي يؤمّهم في صلاة الجمعه .. بل ويخطب فيهم ...

 يعظهم ...ينصحهم .. يعلمهم ..يهديهم ويرشدهم !.. وارتعشت يدااه وهو ممسكا بمسند الكرسي الهزاز الذي راح يتأرجح للأمام تاره وللخلف تاره كمؤشر اللغم الذي يعد الدقائق قبل الانفجار .. ضغط بيده علي مسند الكرسي وكأنّما يلوذ به او يحتمي به !!!.. يرجوه ان يقيّده او يكبّله فوق هذا الكرسي للأبد .. حتي يموت او يلقي حتفه! شعر فجأة انه لايريد ان يري العالم الخارجي ..

 يريد ان يبتعد عن الأنظار... يتواري ..يختفي.. او يذوب كما تذوب قطعه الثلج في الماء ! او يذهب للبعييد .. لصحراء جرداء لازرع فيها ولاماء! .. انه يري وكأنما العيون كلّها تلاحقه .. والأصابع تشير اليه بقبضه من حديد بالإتّهاام .. بالإزدراء .. كيف وهو (الشيخ سائد) كما كانوا دائما ينادونه ..كيف تسلّلت هذه الاحاسيس الي داخله دونما ان يشعر ؟! كيف تلصّصت بنعومه وخفّة ريشه نعام من وسادة حريريه الملمس الي قلبه دون ان يدري او يراها او يشعر بتسللّها ؟!..

 كيف نشرت تلك الأحاسيس عطرها حول قلبه وافعمته برائحتها النفّاذه والاخّاذة ؟؟؟حتي لم تعد انفه تشتم سوا ذاك العطر الاخّاذ الذي يدغدغ احاسيسه كلما مرت صورتها علي باله .. او طرق صوتها بدقاّت مرهفة السمع علي أبواب اذنه ؟!.. ان من حقه ان يتزوج مرة اخري بإمرأة تناسبه كما كانوا دائما ماينصحونه .. اما ان يحب!.. يشتاق !..يعشق !.. انه مالم يكن يخطر له علي بال ! انه ومن المفترض ان يتقدم للزواج من المرأة المناسبه .. المتدينه .. انه الزواج .. 

كأي زواج .. في صورته الباهته .. التي تخلوا من الألوان .. والتي يبدو عليها الشحوووب كوجه المريض الذي يلازمه مرضه طواال عمره .! لم يشعر يوما ما انه بحاجة الي ذلك .. ولم يكن يعرف عن الزواج اكثر من ذلك ..او يقبل بغير ذالك .. لكنه لم يشعر برغبة او إحتياج يوما ما لذلك .. بل اكتفي بحياته الملئية بصخب العمل وضجيجه ,. 

وبوحدته التي تضج بالفراغ والسكوون والهدوء !..والذي كان يملؤه بالتحضير للندواات الدينيه والتي كان يكثر فيها من نصائحه للناس .. انه كان يهديهم لسواء السبيل .. ولم يكن يريد غير ذلك من دنياه .. فكيف يضل هو؟!! انه كان يجد نفسه بينهم ...وسط محبينه ومريدييه... والذين يرتدعون عن ذنب ما إذا أمرهم .. ويبتعدون عن شر ما إذا نهرهم .. انه القدوه .. المثل الأعلى .. انه اللاّفته التي ترشد من ضل الطريق وضاع منه العنوان ..

انه اليد التي تربت بحنان علي كتف كل محتاج او به مس من ضيق فيطييب خاطره وتسكن روحه بعد أن تنير كلماته الروحانيه وعظاته النورانيه القلب والنفس ..فيضئ شعاع عمره ..ولا تلبث شموع الأمل التي إنطفأت ان تنير له الطريق من جديد ...! فكيف ؟؟كيف ؟؟ كيف ثم كيف ؟؟؟؟ ارتطمت قبضة يدة بحافة الكرسي فشعر بأوتار أصابعه تتكسر كالبلور وتتساقط شظاياها لتجري في دمائه وتمزق عروقه بأطرافها الحاده ! ثم هب واقفا فجأة من مكانه وعلامات الجد باديه علي وجهه كقائد يقود معركه حربيه وهو علي وشك الهجوم وهو يقول لنفسه وبحزم وإصرار : لازم ابعد .. لازم لازم .. انا غلطت .. 

ثم تنهد طويله وكأنه يزفر آخر ماتبقي من أنفاسه وبنبره ضعف لاتخلو من الحنان الممزوج بالحب كإمتزاج ضوء الشمس الخافت بالهواء البارد في يوم شديد البروده وهو يقول لنفسه مبررا :انها مجرد نزوه لامحاله .. خطأ بسيط .. أو زلة قدم خفيفه ! قد يتعثر الانسان بقشرة موز وهو يسير في طريقه فجأة لكنه سرعان مايتدراك الأمر .. نعم هو كذلك ليس اكثر .. وشعر وكأنه ارتاح لهذا القرار وسكنت عواصف نفسه قليلا واستكانت روحه الملتاعه ولكنها كانت كالهدوء الذي يسبق العاصفه ؟! وأمضي ليلته محاولا البحث عن النوم الذي تواري واختفي بعيدا عنه وهرب منه في غياهب جب عميق ليس له قرار .. 

 قضت هي الأخرى ليلها الطويل في اخذ ورد وميل وصد ..ومابين إقبال وإدبار,, سالت منها الدموع كالأنهار .. فكانت تستفيق مابين ساعة واخري مرّت في ليلتها هذه وكأنما تكسر مقالع الحجارة الكلسيه مع الأشغال الشاقّة المؤبّده داخل سجن روحها المقيده بأغلال الشك والحيره وعذاب قلبها المسكين الذي من عذاباته ومن الخوف يستكين.

.! كيف ومتي احبته ؟ وهي التي كانت تنفر من مجرد الفكره فرار السليم من الأجرب !!! وزادت حيرتها ودهشتها بين ما هو غريب الي ماهو اغرب ! انها لم تكن تستلطفه او حتي تتأمله ولو لمجرد دقائق ! كان يمر امامها دائما كالبرق الخاطف عندما كانت تلمحه او تراه وهي آتية لزيارة عمتها ..

 فلا تكاد تنظر اليه لإلقاء سلام عابر من بيت أطراف شفتيها فيرد بمثله وينطلق مسرعا الي حيث هو ذاهب .. لم يلتفت نظرها يوما ما الي قامته الممشوقه والتي كانت تمر أمامها كمحض خياال.. لما لم تطرق أذنها يوما نبرات صوته الحنون الرخيم وهو يرد عليها التحية من بين شفتيه بهدووووء يشمله عطف خفي ويغلّفه لحن شجي !!! اتراها كانت يوم إذن صمّاء لاتسمع ! لما لم تلحظ نظراته المتسلّله خلفها والتي كانت تتواري منخفضة للأسفل في حياء العذراء التي تنظر من خلف حجاب ! اتراها كانت عمياء لاتبصر ! لما لم تشتم أنفها نسائم عطره الهفهافه ! والتّي كانت تضج بالرّجولة وتعج بالنضج والفروسيه ..

 كيف كانت تمر أمامها تلك النسمات كالوميض الذي لايلبث أن يظهر حتي يختفي دون ان يترك له أثر او يخلف وراءه مايدل علي انه كان موجود في لحظة ما !!؟ أتراها يوم إذ كانت لاتشم ! كيف لم تدرك حين ذاك ترجمة الكلمات الصامته علي شفتية عندما كانت تتلاقي كلتا عيناهما بالمصادفه !!

 كيف لم تفهم همهمة الحروف الخرساء التي تنسكب من بريق عينيه لترتشفها شفاهه وتبتلعها في صمت وفي غصّة تكاد أن تزهق أنفاسه !!!أتراها كانت يومئذ أميّة لاتعرف القراءة والكتابه !!! ؟؟ تري مالذي دهاها ؟؟!! وماهذا الشعور الذي اعتراها فجأة صباح مساء !؟ وجعلها تشعر وكأنما هي سيدة النساء !!! وأنّي لروحها أن تكون حبلي بكل هذه المشاعر علي حين غرّة !! لابد انه نوع من المزاح او الهراااء!!!

 وهي الّتي كانت تتربع علي عرش حريتها بعد طلاقها الذي بذلت من أجله الغالي والرخيص..واليوم يذهب كل ذلك هباااء !!! اليوم تسحق تحت أقدام اشواقها كل مبادئها التي عاشت تدافع عنها كل هذه السنوات ! اليوم يمر كل مامضي أمام ناظريها كسراب لا وجود له وكأنه قتل أو مات ! تري أين ذهب كرهها للرجال

!! تري أين ذهب خوفها ؟؟ وكيف هرب منها حرصها ؟؟ ! حاولت في يأس يقطع بخطواته

المتردده طريق الرجاء المتعرج ذو الإنحناءات المتداخله ! الصامته ذاك الصمت الرهيب

المصاب بخرس ناطق !!!؟؟؟يصرخ بكل الكلمات ويفوح منه عطر كل الحروف النفاّذ !!!؟؟ حاولت ان تقبض علي كل التفاصييل .. ان تقتنص كل الذكريات وتأتي بها حيه بداخلها ... فإن لم تستطع اليه سبيلا .. وان خافت من نفسها او منه في يوم ما ... فلتسبح علي الأقل في غياهب ذكرياتها الورديه التي تنبض بداخلها والتي مازالت تكبر ..ولتستنشق نسيم الهوي الذي ينمو كجنين في بطن أمه ... حاولت أن تلتهم كل الكلمات وتبتلعها لتغوص بأعماقها ... كلمات لم يقلها .. ولم تسمعها منه !.. وحروف لم تكتب ولكنه سطرها بدمه علي قلبها !!؟ انه الصدق

والشفافيه في زمن مصااب بالدوار ! كان لابد لها ان تطبق بذاكرتها علي كل الجمال الذي طالما إفتقدته وعاشت تلهث وراءه دون جدوي .. وفجأه اذ بها تراه متجسدا أمامها في شخصه ...لكن لا .. بل الف لا .. لابد من من نهايه ..لابد ان تضع حدا لكل امواج تلك الصراعات التي تموج بداخل بحر روحها العميق ..ثم يقذف بها فجأة علي شاطئ الحياة فوق سطح الأرض فتصتدم بصخرة الواقع ..إنه لم يخبرها عن مكنون صدره ..ولم يصارحها ..لم يحدثها حتي حديث عابر او يتحجج بأي شئ كان هو ليسعي لحديثها .. لكنه قال كل شئ ! ولم يفتح فمه ..

 انها كانت تشعر دائما أنها ليست بحاجه لكلماته .. فهي تراها تنزلق بسهولة ويسر كشلال متدفق من عينيه ثم يهبط في محيط شفتيه ليصل الي اغوار نفسها السحيقه ويستقر بقاع روحها فتهدأ كل أمواج نفسها وتسكن ..! رأت كل العوالم من داخل بؤبؤ عينيه وفي اعماق سوادهما البهيم رأت انوار الكون تسطع فتضئ جنبات العالم ! لكنها ومع ذلك قررت أن تنساه ! أو بالأحري تتناساه ... فهي لايمكنها أن تعيد تلك التجربة المريره .. ومن المستبعد او هو من غير المنطقي ان تتزوج مرة أخري .. ان كل هذة السنوات الماضية من عمرها والتي تسللت من بين اصابع الزمن وتسربت من دون وعي منها ..لم تستطع ان تهدم ذلك الجدار الرهيب الذي يرتفع كالطود الأشم بينها وبين مايسمي بالزواج .. زواج ..زواااج .. 

يال هول الفاجعه .. لا لا .. هذا لايمكن ..شهقت وهي تردد الكلمه بنأنفاس متهدجه ..متقطعّه ..كأنّها جرعات متتاليه من سم زعاف يقتلع روحها ببطئ وبخفّه .. وإستفاقت من غيبوبة إختطفتها في اغوار بحر سواده ليل بهيم حالك تاهت في ظلماته كأن لم تعد تدل الطّريق .. حتي وجدت ابنها واقفا امامها والذعر يبدوا عليه وبملامح مدهوشه وهو ينظر إليها وبإنزعاج وبصوت يقطر بالتوتر وهو يقول لها : مالك ياماما ... انتي كنتي بتحلمي .. صوتك صحّاني من النوم ...

فنظرت اليه بدهشه وبفزع نظرت نظرت ناحية الشباك فإذا بها تري شعاع الشمس متسللا في خفية لغرفتها بدون ان تشعر ! كانت تظن ان الوقت مازلا ليلا .. او علي الاقل فجرا ! فإذا ببزوغ الشمس ينبؤها وهو يدق طبوله أن الشمس اشرقت وأن يوما جديدا من عمرها قد بدأ .. قامت متثاقلة نحو ابنها واقتربت منه في حنان وهي تربت بهدوء علي ظهره وقد اكتشفت ان ميعاد المدرسه قد اقترب ونبرة لاتخلو من الشجن الشجي : مافيش حاجه ياحبيبي ..انا يظهر كنت بحلم حلم مزعج شويه .. يلا روح البس هدومك ..وانا حاجهّزلك الفطار .. يلا قبل مايفوتك طابور الصباح كالعاده ..وقبلته بحب .. ثم تابعته بنظرات حانية ممزوجة بالشفقه وهو يخرج من حجرتها بخطوات متثاقله نحو الباب ..

. وتنهدت بزفرة طويييله حاسمه كآخر صوت تصدرة الرياح العاتية في لجّها قبيل ان تهدأ وتستكين ... وقد قررت بداخلها ان لاتفكر فيه مرة أخري ..ولم يكن هو بأحسن منها بحال ..فبعد أن اتخذ نفس القرار عاد الي حياته العادية والتي إعتاد أن يحياها .. أو هكذا خيل إليه ... ولطالما قفزت صورتها في مخيلته وهو يرتب أوراقة المبعثره إستعدادا لندوة دينية سيلقيها غدا أو بعد غد ..لكنه كان سرعان مايطفئ بريق الوان الصورة ليجعلها او يحاول جعلها صورة باهته لاحياة فيها ولا روح ..لكن الصورة تأبي وتصر علي أن تستعيد بريقها وتظهر براقة أمام ذاكرتة من جديد .. 

ولطالما رنت أصداء صوتها الحنون الذي كان بالكاد قد سمعه لمرتين علي الاكثر وهي ترد علية تحية السلام او تحية المساء وهي في احدي زيارتها التي تكررت لعمتها ... ويصر اللحن العذب علي ان يدق ناقوس الذكري بداخلة فينخر صوتها كالسوس في روحه حتي يثقب كل جنباتها فلا تعد تقوي علي ان تصمد وتتماسك امام عذوبته ورقته بل وامام شجنه ولوعته .. فيعود ليعزف لحن حنينه الشجي الصامت من جدييد ! وتسقط من يده كل الأوراق لتلقي بنفسها علي الارض بجوار مكتبه ويسقط معها صموده .. وتسقط معها سنوات عمره الذي مضي فيغرق في أهااته المكتومة والمكبوته ..والتي تبدأ في أنين متهدج لتعلن عن سنوات عمر جديد من لوعة الفراق وحرارة الإشتياق ... ياله من غبي ..الم يعد يقوي علي ان ينساها .. لكنه سيحاول بل سيظل يحاول ..حتما سينسي .. يعتدل في جلسته علي الكرسي وكأنه ملك أصدر امرا في شؤؤن رعيته ..ثم بحزم وبقوة يتظاهر بها ينحني ويمد يده للأرض ليلتقط الاوراق المتناثرة كأشلاء روحه التي يحاول جمع شتاتها مع الاوراق ..في محاولة شبه يائسه يستعيد بها توازنه وسيرته الأولي ..! وفي أحد الايام عرض عليه أحد الاصدقاء من الجيران ومن الحريصين علي حضور ندواته الدينيه وخطبه في الجامع ..بل فاجأه بصعقة كالطلقة الناريه

عندما طلب منه وقد كان من الجيران حيث كان يراها وهي تأتي لزيارة عمتها .. وفي اهتمام طلب منه ان يخبرها بأن هناك سلسلة من الندوات النسائيه التي تعدّها الجمعيه الحزبيه والخيريه والتي تضم أعضاء كثيرة وبحيث أن (الشيخ سائد) هو رئيسها والمسؤوول عن تنظيم الندوات الأجتماعيه والتي دائما مايعطيها الصبغة الدينية بها لتأخذ الطابع الروحاني الملتزم ..إذن فلابد ان يقوم بدعوة السيده(نوال ) الي حضور تلك الندوات التي تنظّمها الجمعية

من أجل توعية المرأة ودعم مشاركتها في المجتمع ..وتعريفها بكل أمورها الدينيه والأجتماعيه .. وبخاصة أنه يسكن في الشقة المجاورة لعمتها مباشره في الطابق الثالث ..وفي تنهيدة زفرها بنبرة لاتخلو من الاأعتراض وشئ من التأفّف والضيق وهو يقول : ارجو انك تدعيها لحضور الندوات الي حتبدأ بعد خمس ايام من دلوقتي لعل ربنا يهديها لسواء السبيل ,,وتعدل من تفكيرها شويه .. وياريت لو تغير مظهرها لأنه أحيانا يبدوا غير محتشم ..وبنبرة تحمل من التهكم أكثر ممّا تحمل من النصيحه وبإبتسامة ساخره: هيّ صحيح أحسن وأرحم من غيرها في مظهرها لكن برضه النتيجه واحده .. وإحنا علينا إسداء النصيحه والتوجيه والإرشاد لكن بدون تجريح وفي جو من الأخوة والإلتزام زي ما إنت عارف (ياشيخ سائد ) إنت طبعا عارف كل دا ومش محتاج حد يوصّيك ..دا إنت أبو الأخلاق والإلتزام كلّه ,, 

وأنا متأكّد إنك أكيد كنت ناوي تفاتحها علشان تحضر الندوات دي ! إنت طبعا فاهم إن دورنا في الأمور اللي زي دي لازم يتم في إطار جماعي وبشكل وأسلوب غير مباشر زي الندوات الي من النوع دا علشان يكون بعيد أي تجريح .. وزي مابيقولوا النصيحه علي الملأ فضيحه ..بهت (سائد ) وهو يتأملّه بنظراته وقد علي وجهه الصفره ولاح شحوب أطل بضوء خافت صبغ سواد عينيه .. وكأنما يبحث عن كلمااته التي تاهت منه فلم يجدها ..علّه يجد بعض حروفها علي شفتي صديقه ..

 وكأن كل كلمات العالم كانت قد اختفت من كل القواميس في تلك اللحظه!!؟؟؟ أو محيت ودفنت في باطن الأرض !أو سقطت في أعماق محيط واسع وإتلعتها الأمواج العاتيه في لجّها حتي لم يعد لها أثر .. لم يعد يدري مايقول .. حارت جميع الكلمات علي شفتيه .. بل كبّلها خوفه ..وقيّدها حذره .. وأشعلت حرارتها عاطفته الجياشه التي يحاول جاهدا إخمادها وإسكاها فلا تلبث إلا أن تعود لتشتعل جذوتها من جديد !.. لقد ظن أنه إقترب أو أوشك علي ان يسكت تلك العاطفه وهذا الوله .. ان يدفن هذا الشوق في قبر النسيان حيث لاعوده .. ولكن هاهو صديقه يصر وبدون وعي علي ان يوقظ تلك الاحاسيس التي تحاول أن تغفوا او تنام بداخله ..انعقد لسانه وجحظت عيناه وعلت الدهشه ملامحه دونما كلمة واحده واصبح الصمت سيد الموقف ووسط عاصفة من الذهول والتي قابلتها رياح من الدهشه قال له صديقه (عادل) : إيه ؟!! مالك يا(شيخ سائد) دا كنت فاكرك حاترحب بالفكره .. وانت ديما كنت بترحّب بالأفكار الي زي دي .. وبنبرة فيها تشكّك قال له وهو يتفحصه وبتوجس قائلا : في حاجه أنا ماعرفهاش ... إنت مخبي حاجه ؟! ..في مشكله تمنع ؟!..

إبتلع (سائد) ريقة الذي جف من هول المفاجأه .. وفي محاولة معتلّه متهالكه كمريض خارت قواه وهو يحاول أن يجد مايقوله باحثا عن الكلمات التي ضاعت وبتلعثم وإرتباك : لأ أبدا ... حايكون في إيه .. ولاحاجه ... أأأنا بس محرج لأني مكلّمتهاش قبل كده ..يدوبك سلام عادي مرّه أو مرتين ..وكانت بترد بسرعه وهي خارجه من (الأسانسير ) أو نازله طالعه السلّم أحيانا .. إنت عارف المواقف الي من النوع دا محرجه الي حد ما يعني... وماضمنش رد فعلها .. جايز تحرجني .. او ترفض اويمكن ماتحبش تحضر النوع دا من الندوات ..

زفر صديقه (عادل ) زفره مطمئنه وبهدوء وكأنه إسترد أنفاسه بعد مسافة جري طويله أو قفزة هائله وبإبتسامة هادئه : ياشيخ ..بس كده .. دا إفتكرت في حاجه تانيه .. ثم قال له بثقه وبيقين : ما انا عارفك .. حاتتكسف طبعا .. وقال متسائلا وكأنه يلوم نفسه : إزّاي نسيت ؟ دا إنت بتتكسف من خيالك ..وخصوصا مع الحريم ... ثم إستطرد قائلا وبإهتمام : بس الي شجعني أنك جار لعمّتها من مده طويله ... وفي عشم برضه ... وأكيد إنت راجل ليك أسلوبك في الإقناع والتوجيه .. ثم ربت علي كتفه قائلا وكأنه يشجّعه وبثقه : دا إحنا بنتعلّم منّك ياشيخنا .. إنت أدّها وأدوود ياراجل ... ومين عارف ؟... مش يمكن ربنا يهديها وتغير تفكيرها وتعدل من حياتها .. وتبقا كده إنت كسبت فيها ثواب كبيير .. وجزاءك عند ربنا ... وبلهجه إعتراضيه قال : ثم أنا كنت سمعت من عمتها في مره إنّها من يوم ما إتطلّقت وهي رافضة الجواز ومضربه عنّه ... هو كل واحده اتطلقت تقوم تعيش لوحدها من غير راجل ..

هو إحنا في امريكا ولا إيه ؟ وبنبرة أمل : وأهه ,, يمكن نشوفلها عريس يليق لها من وسطها برضه ويكون إبن حلال ... ثم إنصرف في هدوء وحل مكانه صمت مطبق ...تاركا (سائد) يقف خلفه وقد تسمّر مكانه بلاحراك وكأنما شلل أصاب جميع أعضائه ... تاهه في لج أفكاره التي اغرقته في بئر عميقه لاقرار لها ... بعد أن غاص في ضباب هواجسه الكثيف ...وأخذ يتساءل محدّثا نفسه غير مصدّق وبتوجّس وقلق : هل سأتكلّم معها ؟! .. هل سأحادثها وأفتح معها حوار للمرّة الأولي في حياته .. إنه لم يتوقّع ذلك يوما ما ! لم يتخيّله ..كان دائما ماكتفي بهذا الحوار الصامت الناطق بينهما ؟؟؟! والذي يصرخ بكل المعاني دونما أي كلمه .. لم يشعر يوما أنه في حاجه للكلمات .. بل إنه لم يفكّر بإستخدامها ..

 كان يعلم أن كل كلماته تصلها طازجه في التو واالحظه ..كلمات ليست بحاجه إلي تنقيح أو تعديل أو تغيير أو حتي إستعداد .. كلمات خرساء لكنها بليغه ... كلمات كسيحه لكنها تسابق الريح وتقفز خلف كل الحواجز لتحطّمها؟؟! ..كلمات صامته لكنها فصيحه ومتكلّمه ؟؟!!!! لقد كان علي وشك ان ينسي .. أو هكذا كان يمني نفسه .. وأطبق علي يده بغيظ (تبّا لك ياصديقي ) الآن جئت لتذكرني .. الآن جئت لتضعني في هذا الامتحان القاسي والذي لايرحم .. بالله عليك كيف أستجمع شجاعتي أمامها .. دون تضعف قواي .. كيف أحاورها وهي تنظر في عيناي .. 

كيف أخاطبها وأجاوبها إذا سألتني في الندوه ؟؟؟!كيف وقلبي يطرب لصوتها قبل أذناي ؟!! ... كان يعلم ان هناك أستعدادت تجري علي قدم وساق لإقامه ذالك النوع من الندوات .. لكنه لم يكن أبدا يتصورها به .. كل من هن فيه هن نوع آخر من النساء غيرها ... إنها مخلوق مختلف .. طائر غيرب من نوعه يحلق في سماء غير سمائه .. سماء تعج بالضجيج .. وتموج بأجنحة النسور الجارحه .. إنه يخشي أن يخدش جناحها وسط هذا الجمع الغفير في تلك السماء المعتمه التي تزدحم بمخالب هؤلاء النسوة .

.. يخشي علي جناحها المهيض ان يكسر او يتوقف عن الطير في تلك السماء .. إنها لحن ناعم هادئ يعزف بمفرده وسط ضجيج صاخب يغطي بسحابته الكثيفة علي نسائم صوتها الخجول الذي يتواري خلف هذا الضجييج ...ظل طووول الخمسة أيام المتبقيه وكأنه يستعد لحرب ضرووس ؟!! لم يرها منذ مده ! وأخذ يتسائل هل انقطعت عن زيارة عمّها أم ماذا ؟؟؟ ! وفي كل يوم كان يمر عليه تزداد حيرته وتضعف شجاعته ... لكن مامن مفر .. لابد ان تسير الأمور طبيعيه .. لابد أن لايلفت الأنظار أو يثير التساؤلات أو الدهشه .. وحان الوقت ..

 وإقتربت ساعة الصفر من موعدها ..ولم يتبقي سوي يوم واحد علي اول ندوة في سلسلة تلك الندوات ..والتي سيحضرها الرجال مع النساء ..فكل منهم يريد أن يدلي بدلوه ويقول في حق المرأة مايشاء ..ويعترض علي مالا يعجبه كيفماشاء .. وعليه هو أن يصحح المفاهيم والأخطاء ...ويجاوب علي كل الأشياء ..دونما أي إستياء...وأخير حانت اللحظة الموعوده وكأنهما علي ميعاد .. لقد أتت لزيارة عمتها بعد أن إتّصلت بها لتعلن عن دهشتها لإنقطاعها المفاجئ عن الزياره .. وبعد أن عدم هو الوسيله كان قد فكر ان يخبر عمتها بموضوع الندوه لتطلب هي منها الحضور .وليجنب نفسه ويلات هذا البركان المتأجّج بداخل قلبه ..

وليتجنب ذاك الزلزال الذي قد يهز كيانه وهو يخاطبها .. لكنها الأقدار تسير كما تشاء ..وفي أي إتجاه تريد .. دون أن تسأل أو حتي تستأذن ... وتقابلا كلاهما أخيرا عند مدخل البنايه .. صدفه أعجب من العجب .. وعندما رأها أستجمع قواه وركّز تفكيره فيما سيقوله اومن المفترض انه سيوجهها له ..ابتلع ريقا غص في حلقة كالشوكة اليابسه ثم القا عليها التحيه واقترب بضع خطوات منها لكن علي حذر وكأنما هو يقترب من لغم يخشي ان ينفجر في وجهه وبنبرة خافته تحمل من التوتر اكثر مماتحمله من الهدوء خاطبها وهو ينظر لاسفل تارة ثم يلمح عينها تارة اخري وبشئ من التلعثم والارتباك قال: احنا عاملين سلسلة جديده من الندوات التي بتنظمها الجمعيه عندنا وفيها موضوعات كثيرة تهم المرأه في كل حياتها من جميع الجوانب ..

. وبإبتسامة امتزج فيها الشجن بالرجاء واختلط فيها اليأس بالامل وابعث منها دخان احتراق قلبة في رماد حبه المكتوم والمكلوم ..وتطايرت منها شظايا روحه في سماء عشق تنذر بميعاد مطر من الاشواق غير معلوم ؟؟؟...وهو يقول لها : اتمني انك تحضريها علشان تستفيدي وكمان تفيدي غيرك ...

فنظرت له بنظراات ملؤها الدهشه قد تفاجئت!!!... لم تكن تتوقع ان يكلمها او حتي يفتح فمه بأي كلام غير بضع تمتمة من عابر السلام ...والذي كان يلقيه عليها بحروف شبه خرساء كسيحه فوق شقتيه ثم لايلبث ان ينظر اليها قائلا كل شئ ممكن ان يقال او حتي لايقال ولكن بدون أن يقااال !!؟؟؟ وشعرت ان جبلا من الصمت انهار امامها وانهارت معه كل مقاومتها ومحاولاتها لنسيانه ونسيت او تناست ماكانت قد انتوته واصرت عليه ! وتبخر كل اصرارها وذاب في الهواء كبخار الماء حتي اصبح سرابا لاوجود له .. ولابدايه له او نهايه ..ومن قال انها قد نسيت او حتي فكرّت في ذلك !!!! .. وفي لحظه عابرة صارمة حازمة ومضيها يلمع كضوء البرق ويصرخ بصوت الرعد تساءلت بينها وبين نفسها (لما لا ؟).. و ابتسمت وقد لمعت في ذهنا لمعة سعادة القت بضوء وردي علي وجنتيها والفكرة تتقد اتقاد شمس الظهيرة في ذهنها وهي تقول لنفسها وتمنيها( علّها تكون مقدمة لكلام سيطوول بيننا .. او لعله يريد ان يفتح باب لرسول الشوق بينهما من خلال هذه الندوات ..لكنه هذه المرة رسولا متكلم نااطق ... بل انه متحدث لبق .لايمل الحديث .. فهو ولاشك سيعتاد وجودها وستزول الرهبة بينهما ويذوب حاجز الصمت البركاني الجبلي الذي بينهما ..يااااه ..واخير سينطق ..لابد ان ينطق .. ثم استفاقت علي صوته وهو يناديها بدهشه وبتساؤل : (استاذه نوال ) ( استاذه نواال ) . انتي رحتي فين ؟؟.. انا بكلّمك ..

فأنتبهت ثم اعتدلت في وقفتها التي كانت او كادت تتهالك وتذوب أثناء شرودها الحالم وقالت بنبرة تملؤها السعاده التي فاضت من كأس روحها : بكل سرور دي حتّي تبقا فرصه ممتازه ليا ازود بيها معلوماتي وثقافتي في كل امور حياتي .. وكمان حتنفعني في شغلي كعلاقات عامه ..انت ان مجال العلاقات العامه بيحب يلقي الاضواء علي كل شئ يعمل علاقات مع كل الشخصيات في المجتمع ...

فجاوبها بسرعة لاتخلو من اللهفه : فعلا .. وعلي فكرة في رجال ايضا حيحضروا الندوات

لأنهم جزء من المجتمع وبيكمّلوا النص الآخر مع المرأه ...ولازم يكونوا مشاركين ويبدوا برأيهم فيما يتعلق بكل امور المرأه .. وخصوصا المرأة العربيه الشرقيه الملتزمه بأخلاقياتها وب دينها...

فإبتسمت له إبتسامة اخري تأكيدا علي رضاها ولتضع بصمتها علي الموافقه حدّدت الوقت والساعه التي ستحضر فيها مع بدايه أوّل يوم من سلسلة الندوات ... وانصرفت تاركة إيّاه خلفها يتابع خطواتها دون ان تراه بنظرات تملؤها الحيره بالعطش اليائس ويرويها الرجاء بالأمل والتمني البائس... وتوالت بينهما اللقاءاات وتكرّرت الندوات ...واصبحت تواظب علي حضور الندوة تلو الأخري دون إنقطاع .. وفي كل مرة كانت تمنّي نفسها بأنه سيحدثها حديثا منفردا وكانت تنتظره بعد كل مره تنتهي بها الندوه متعلّله بأي سبب يدعوها للبقاء راجيه هذا اللقاء الذي طال انتظاره وحين يأتي لابد انه لقاء سيطييل البقاء ؟.. وانتظرت ثم طال الانتظار ؟ ولم تدري الي متي ؟ أو اين يأخذها هذا الانتظار ؟!... فأصبحت تنتظر اي قطرررات من غيث الكلمات التي بدأت او خيل إليها انها ستنهال أمطاارا من فمه .. لتغرق وتروي صحراء الانتظار التي عز بعا غيث الكلمات واقتصرت فيها الجمل علي النصائح والإرشادات .. صحيح أنّه قد زاالت بينهما رهبه الحديث ..ورأته قد إعتاد علي الإجابة علي أسئلتها التي كانت تفتعلها لمجرد الأفتعال في الندوة لتسمع هذا الصوت الذي طالما تاقت نفسها لحرارة الدفء في شعاعه الذي يملأ اوصالها بالسكينه يذيب برد الإنتظاااااار ؟ فكان يجيب علي أسئلتها بكل بساطة ويسر وكأنما إعتاد علي الحوار والحديث معها وأمامها بدون حرج .. في البدايه كانت فرحتها عظيمه ... فها قد حدث المراد او علي الأقل البادرة الأولي وأول الغيث قطره .. ولكن وبمرور الوقت بدأ يتسلّل إلي نفسها شعور قاتل مميت ببطئ السم القاتل ومرير بمرارة الصبّار اللاّذع ... فلاهي تجد منه ماكانت ترجوه من حديث بينهما طال إنتظاره ..ولاهي تجد أو حتي تتلمّس الحرارة التي كانت متوقّدة حين ذااك في صمته النّطق .. والتي كان لهيبها يشع من عينيه حتي تكاد شظاياه المتطايره تفتّت قلبها وتصهرة في بوتقة المشاعر النّاريّه التي تسربّت من بين يديها كالماء في راحة اليد !!! تري اين ذهب حديثه الصّامت ؟!!!..


 هل ذاب وسط الكلمات والخطب الرنّانه ؟؟؟ هل تحوّلت حرارته إلي كومة من الثلوج المتراكمه التي جمدّتها اصوات الحضور في الندواات وتستؤلاتهم ؟!!!! هل أسدلت الكلمات والأصوات ستائرها السميكه علي دفء المشاعر وعذوبة الأحاسيس التي كانت حتي حجبتها وتحولت بمرور الوقت الي هضبة من الثلوج ؟!!!هل إندثرت نيران الهوي وخمدت لهيبها المستعر الذي كان وتحول الي رياح من الكلمات البارده التي تخرج من بين شفتيه ويرن صداها المزعج والموجع بأنيين شجي حزين ..تتكسّر ضلوعه التي ترتطم في كل مرّه ومع كل ندوه وكل أمل وتسطدم في جدار الصوت الجهوري والعباراات الطنّانه والرنّانه !!!! التي بنيت حائط بااارد لم تعد تقوي علي إختراااقه ...وضاع الدفء واصبح تاائه شاردا بين ثنايا الحروووف لايجد من يأوييه او يعطف عليه ... وبين منطوق لم يقصد ومقصود لم ينطق ضاعت خارت قوي المحبّه ...وخفّت جذوة الهوي حتي كادت أن تنطفئ!...الذي كادت او هي بالفعل خنقته كل الكلماات ...واطبقت علي أنفاسه ما أعتادت ان تسمعه منه في الندواات من عبارات وتعبيراات ...يرد بها علي الأسئلة والإستفسارات ...شعرت انها تختنق او هي علي وشك ...وأن هواء الكون بأكملة لن يرد لها أنفاسها التي إحتبست في صدرها !!!وغابت في أغوار روحها بلاقرار .. ولكنها ومع كل ذلك كانت تلمح بصيصا من بريق او بقايا حريق يشع من عينيه في كل مره تحضر فيها للندوه .. مازالت نيران الهوي مستعره .. أو بعضا منها .. أو حتي بقايااا من رماد محترق تندثر تحته نيران خافته تنتظر من يشعلها ويعيد لها ضوؤها الحارق والذي يحرق هذا البرود المارق الذي يستفزها بنزواته وشهواته الماجنة المتلهفة لبرد الكلمات وجفاء العبارااات ... مازال الأمل يصرخ بداخلها صراخ مولوود يعلن عن وجوده علي ارض قلبها ليعيد لها عالمها الناطق بكل المعاني الصامته !!! .....إن الأصوات لاتلتهب من حرارة الكلمات ... بل تطفئ وقودها العبارات ,,وتخنق الأصوات أنفاس الّهفات ,,,حتي تقضي علي مامضي وكل ماهو آآآآت ...لكنها مازالت مثابرة علي حضور الندوات بالرغم من كل العذابات التي شعرت وكل الطعنات التي وجهتها لها قساوة الجمل وبرودة الكلماات .. وحتي لو غرقت في بحر إنتظارها لتستعييد كل مامضي وفاااات ... لقد رأته بحرا يموج بأمواج متلاطمة من الأفكار التي تنطق بكل اللهجات ... وعندما رأته بحرا ثقبت سفينتها !.. فلتغرق بداخله ,وكل ماهو آت لابد أنّه آآآت ... آآآآه ليته مانطق ..وياليتها لم تسمع هذ1ا الصوت الذي حان والذي طالما صرخ بصمت بداخل قلبها دون ان تسمعه الآذان!!؟؟... ولكن بريق عينيه الذي خبا ضوؤه لابد أن سيعووود من جديد ...ولابد لحواجز الصمت التي تكسرت بينهما وتهتك معها جسد الهوي المشتاق ان تعود لسيرتها الأولي بعد جبيرة من خليط من حنان ولهفة وإشتياااق ساكت توّاق ...فلتصلح هي ما أفسده الكلام وليس علي العاشق من ملام ....وبعد أن خارت قواها وحارت أفكارها أمام السيف الي أشهره في وجهها الكلام ,,ليقتل به حرّ الهوي بلامبالاة أوادني إهتمام ..مازاالت قوي الهوي المتهالك والذي يرقص فوقها صوت الكلمات بفجاجة علي بقايا من هوي حطمته لكمات الحروف والكلمات لكن شيئا ما يبقي

ولازالت تحتفظ ببعض الشئ رغم اللكمااات والضرباااات ...

فلتخيط هي بيدها ثوب الهوي الذي فتقته الجمل ومزقته كل العباراااات ...ولتداوي بيدها كل الجروح وتخفي كل الندبااااات .....

بقلم / منال خليل 



  • بلا عنوان
    الحريه هي وطني وابحث عن الحقيقه ثم ارسم بالكلمات قصاصات ادبيه هي قصص وروايات تحكي وتشي بكل مابداخلنا من حكايات ورغبات ونزعات وأسرار
   نشر في 01 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا