عشية اليوم عرضني راجل كبير قرب إحدى المغازات الكبرى يبيع في قفف سعف مزيانين محلاهم ذكروني في عاداتنا القديمة المزيانة و موروثنا العريق إلّي كاد ينقرض تقريبا .. في لحظتها عجبتني القفف العربي .. لكن إلي شدني أكثر ملا مح ذاك الرجل المسن ولا أظنه تجاوز الخمسين من عمره لكن فعلت السنين العجاف فعلها المرير و رسمت على ملامحه خطوط حربه الطويلة مع الحياة القاسية فإستنزفت صحته و طاقته و قوته لكنها لم تسرق كرامته و إبتسامته العفوية المفعمة بالحب و التواضع و لم يخسر تلك الحرب الطويلة فقد مازال يقاوم الفقر و الحرمان و الحاجة .. يشتغل بالحلال يصبر و يشقى طوال اليوم في شتى الظروف ليوفر بعض الدنانير قوت أهله ... لا شك عندي أنه يستمد طاقة رهيبة و عزيمة لا تلين من نفس عزيزة تأبى الإنكسار و التذلل للناس وإستجداء عطفهم و منّهِم .. أعلم أنني اطنبت الغوص في دواخل ذلك الرجل " الزوالي " ومايمثله من طبقة إجتماعية آخذة في التوسع من المفقرين والمهمشين المنسيين ... كل ذلك لأنني أحترم وأقدر أبلغ التقدير تلك الفئة و كفاحهم اليومي من اجل لقمة حلال بعرق الجبين ... المهم دخلت مع ذلك الرجل في نقاش قصير عن حاله و حرفته، ورغم أني لست في حاجة لها حاليا ع الاقل لكن شريت من عندو وحده ولو كان معي ما يكفي من المال لما ترددت في شراء البقية أو حتى نعطيه حقهم ليس رأفة به بقدر ماهو حبا فيه و إعجاب بشخصه و شدا لآزره ..
-
جوهر دبيشـيطموع يعانق السحاب و نهم دائم إلى العلم و المعرفة