نشر في 16 أكتوبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
...لم يعجب كلام المدير ذلك المختار ,استشاط غضبا, لكنه لم يصرح بذلك وكظم غيظه,فقد فهم ما يرمي له المدير,وبالرغم انه يعلم تماما أن كلام المدير صحيحا إلا انه أخذته العزة بالإثم, الكبر والخيلاء التي يتصف بهما أعمت عينيه عن كل شئ في غير مصلحته,وبدا الشيطان يوسوس له بان هذا الرجل سوف ينتزع منه سلطته..
"أمر غريب أننا عندما نسكن مكانا جديدا نؤجل اكتشافه لوقت لاحق ونظل على جهلنا له"
إلا أن المدير كسر هذا القول وبدا يتجول في القرية يتعرف على كل ما فيها من أماكن ومزارع وبشر..كان فرحا ببساطة آهل تلك القرية, فهو أصلا من قرية مجاورة ..
لم ينم المختار تلك الليلة وهو يفكر كيف سيكسر شوكة المدير كما توسوس له نفسه,ويقول في نفسه:
"هؤلاء الفلاحين سيطر عليهم المدير من خلال الألفاظ الرنانة, فهو يعرف كيف يتلاعب بالكلمات والعبارات, وقد يكون لا يعرف أي شئ ابعد من ذلك".اناني هذا المختار الأهوج,فهو يقتات كما البكتيريا على جوع الفلاحين البسطاء, ويرى في هذا الغريب انه سينافسه!!
"الكثير من الناس – كما المختار – مسجونون داخل عوالمهم الأنانية الصغيرة, يضعون خططا لا تتضمن رفاقهم البشر,ويؤمنون ان كوكب الأرض مجرد بقعة يجب استغلالها,فيتبعون غرائزهم ورغباتهم ,ولا يهتمون البتة بغيرهم"
ولكن المنغصات لا بد منها , والماسي لا بد أن تحدث, ولكننا نلقي اللوم على الآخرين, فلنتخيل كيف ستكون حياتنا مختلفة لو لم توجد هذه المنغصات متمثلة بالمختار وزبانيته؟!فلا احد يحب الإنسان السعيد, لان سعادته تجرح الأنا عند الآخرين!
في صباح اليوم التالي ,لبس المختار عباءته وشماغه وعقاله وتوجه مسرعا إلى المدرسة,كان يهرول مسرعا كمن يخاف أن تتلقفه الطير..!!
دخل إلى ساحة المدرسة ينادي بهمجية أين المدير؟
لم يشأ المدير أن ينزل إلى مستواه, فهو درس نفسيته مسبقا, ولم يرد أن يصطدم معه,كان يعلم أن لسانه سليط ليس عن إدراك بل عن صفاقة!!
بكل تواضع قال المدير: حياك الله يا مختار,كنت آمل من كبير البلد أن يشرفنا بزيارة ,وها أنت شرفتنا !!
تلعثم المختار من دماثة أخلاق الرجل ,فقال :السلام عليكم يا عبد الرزاق, وكأنه يشير إلى انه أعلى قيمة ومستوى منه!!
تبسم المدير,حياك الله يا كبير البلد..يا مختاااااااااااااااااار, قالها وشدد عليها حتى يفهمه انه مخطئ بأسلوبه وطريقة حديثه!! ثم استدرك , لا يجوز أن نتحدث في الساحة أمام التلاميذ, أرجوك تفضل إلى الإدارة لنقوم بواجبك..
وبالرغم من بلادة المختار إلا انه فهم ما رمى إليه المدير,تلجم دون أي كلمة ومشى معه نحو الإدارة..
قال المدير في نفسه :"إني أشفق على الأحمق الذي يظن أن حدود عقله لا يتعداها حدود عقل غيره,أشفق على الجاهل الأرعن الذي يعتقد انه يساوم ويسوي حساباته وهو لا يفقه شيئا"
المختار: أود منك يا أستاذ أن ..
أعلم يا مختار انك جئت لتذكرني بالأمانة الملقاة على عاتقي,وتوصيني بأولاد القرية, قاطعه المدير..
تلجم المختار ثم قال: فعلا هذا ما جئت من اجله,ولكن هناك سبب آخر!!
قاطعه المدير مرة أخرى, واعلم أيضا انك ستطالب بترميم مبنى المدرسة, لقد وضعت هذا في الحسبان..
المختار: لماذا لا تدعني أكمل كلامي؟
المدير, كل أهل القرية يمتدحونك, ويقولون أن قلبك على تلاميذ المدرسة , لهذا قرأت أفكارك..نعم المختار أنت..
استطاع المدير أن يروضه كما تروض الخيل, ثم قال: هل لي بسؤالك يا مختار؟
المختار : تفضل يا حضرة المدير..
المدير: "كم مرة رأيت الأفق دون الانتباه لجماله؟كم مرة نظرت إلى السماء دون الانتباه لعمقها؟كم مرة سمعت الأصوات من حولك دون أن تدرك أنها جزء من حياتك؟ لا أريد منك جوابا الآن, لكن يجب أن تعرف "أن لكل شئ في الحياة علامة, العالم كله صنع بلغة يستطيع الإنسان فهمها, لكنه نسيها, وبدا يبحث عن أمور أخرى"
جحظ المختار عينيه, فهل يا ترى فهم ما يرمي إليه المدير؟
-
Dallashوَإِنِّي أَتَجَاهَلُ وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ غَضِيضُ الْبَصَرِ وَلَسْتُ أَعْمَى وَإِنِّيْ حَلِيمٌ وَلَسْتُ بِحَالِمٍ حَصِيفُ الْكَلِمِ وَلَسْتُ أَسْمَى مَاهِر بَاكِير
التعليقات
في انتظار الجزء القادم أخي. تحياتي
ليس الجميع.. فقط قساة القلوب من يستنكرون السعادة لغيرهم...
هذا المدير الجديد... بارك الله له... وجعل من أمثاله كثيرين... وأعانه على أمثال "المختار" هذا..
لا تطول علينا ماهر... متشوقين لنعرف الكثير عن الصغير...
ابدعت اخي . بالتوفيق ,, ومازلنا بانتظار بقية الاجزاء ...