ثمة فجوة تزداد رقعتها بداخلي كلما كتمت شيئا أرادت نفسي البوح به، فلا يمنحني ذاك الكتمان سوى مزيداً من التراكمات والعجز.. وليست هناك أية وسيلة تمنع حدوث ذلك، إذ أنه أشبه بالمسارات المعقدة التي تضعها لنا الحكومات في جميع إداراتها، بدءاً من إستخراج شهادة الميلاد وحتى إستخراج شهادة الوفاة، حتى نفقد آدميتنا في خضمها ومع ذلك نكمل المسير كما خُطط لنا، لأنهم يدركون مدى تشبثنا بالحياة مهما بدت لنا وضاعتها وعدم جدواها.
أنها أعظم الأفخاخ التي صنعها الإنسان ولازال يتفنن في صنعها ربما كي يحد قليلا من جدل الإرادة الحرة! و أحمق من يظن أن دور الإنسان سيتلاشى أمام الروبوتات التي يصنعها فتخونه عبقريته وتمحيه، ثم إن حدث هذا فسيكون تحت أنظارنا وبإدراك تام بالهُراء الذي سيصيبنا! مثل أن تتجاهل وجعا في نفسك فيزداد وقعه ويزداد معه حدة الألم وأنت لازلت تنظر بعيدا كأنك بذلك تخدعه فلا يوخزك ثانية، لكنه يكبر وينتشر سواده حتى يملأ رئتيك فلا تستطع الشعور ولا الالتفات سوى لذلك الثقب الأسود الذي يكبر بداخلك آخذاً معه كل أحلامك وشغفك وحتى حسك الساخر الذي لطالما آزرك عند ذروة المأساة.
والمفاجأة أن هذا بسببك أنت وحدك، لا بسبب أصدقاؤك اللذين تخلوا عنك و تركوك وحيداً وسط الطريق، فكتمت غصتك ورحت تتخبط بين الظلام ضائعا.. ليس بسبب الذين منحتيهم أمان فعقروه دون أن ينتبهوا لتشقق قلبك ظنا منهم أنه موحل بشفقة، ليس بسبب دفعك لحبا يعرف الرفاق قبلك أنها مسألة وقت قبل أن ينضب!
سأل صديق مندهشا بعد أن قصصت عليه حكاية ما "كيف أقنعتي نفسك أنكِ المتسبب الرئيسي وراء ذلك؟" قلت ببساطة "لأنني أعرف ذلك، ولست نادمة على شيء لأنني تعلمت الكثير" هذا يبدو رائعا.. أن تعترف بالخطأ الذي اقترفته في حق ذاتك ثم لن تلبث ذاتك أن تكافئك بالتصالح والتجاوز عما بدر منك، ثم ذلك الشعور الذي تحس فيه كأنك بُعثت من جديد، هذا يحدث.. نعم، لكن في المقابل يأخذ منك الكثير.
يبدأ بنقاءك الفطري الذي سيخرب تماما حتى يصبح كقطعة صلصال عفنة تشكلها ذاتك كلما اصطدمت بموقف مشابه لخطيئتك الأولى، حسك الفكاهي سيصاب بخرس عندما تلتفت كل الأنظار نحوك فذاتك معرضة لأن تصير دعابة رثة، وجهك.. هوية وجودك الذي تود لو أن تُخفيه فلا يعرفك أحدهم خشية من وجوه قديمة قد تُعيد نبش ماضيك المدجن بالضعف، ثم لسانك.. صدى كينونتك الذي ما عدت قادرا على تحريكه، فثمة شعور بالزيف يلاحقك كلما حاولت.. ثمة ذات لا تود أن تخوض مهازل الحياة مرة أخرى، فلقد وهبتك اتفاقية سلام ما كنت تحلم بها، والآن لا تريد منك سوى أن تنفذ جزئك من الاتفاقية وتسلَّم بأن كان هناك نصف حياة عشتها كما يجب، لكنها خانتك لأنك لم تكن تعترف بالحزن وقت الخيبات، ولا لفهمك لمعادلة الود والتغافل وقت تهميش الذات، ولا قلبك الذي اُستنزف عبثا مقابل فتات من حب سقيم، ولا حتى ابتسامتك التي كانت تناضل في المكان الخطأ.. ففي النهاية هي مجرد مشاعر مهمشة قد عفى عنها الزمن ونُسيت داخل سراديب لمقبرة فرعونية مُحكَّمة الطلاسم، و هذا ليس سيئاً على الإطلاق.!
"Painting By "henrik uldalen
ولاء عطا الله
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.