المرجعية الوسطية ودورها في التقارب مابين الأديان
نشر في 14 ماي 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
إن من التصورات الخاطئة عند الإنسان عندما يتداولون مفهوم الإعتدال والوسطية ويقتصروا معناه على التطبيقات العملية عند الإسلام فقط أو في نشرهم السلام والدعوة الى التعايش السلمي ما بين الأطياف والمذاهب الإسلامية فقط وفقط ،وهذا طبعا وإن كان فيه شيء من تطبيقات الوسطية إلا إنها تطبيقات ناقصة أي غير شاملة لمعنى الوسطية العام والذي هو في حقيقة الأمر يشمل هذا العنوان حتى التعايش والتقارب مابين الأديان الأخرى، وتعني أيضاً الأعتراف بالحرية للآخرين ،ولاسيما الحرية الدينية وهو ما شرعه الإسلام وأكد عليه الخالق (عزوجل) في قوله تعالى:
{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد إستمسك بالعروة الوثقى لا إنفصام لها والله سميع عليم} وكذلك في قوله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ،فأذا كان الله خالقنا يخاطب الذين آمنوا بأن لاخوف عليهم ولاهم يحزنون فكيف ياترى نحن المخلوقين ونترك كل ذلك وراء ظهورنا ونكفر ونقصي الآخرين ،فالإسلام الحنيف خاتم الأديان والرسالات السماوية منذ فجر دعوته تميز بإحترام حقوق الإنسان والتوسط والأعتدال والسماحة واليسر، لتكون جميع الأحكام سهلة التطبيق والممارسة بين مختلف طبقات الأمة والمجتمع..
لذلك فإن تطبيق الإعتدال والوسطية في الحوار والتقارب مابين الأديان لا يتقيدان بالظروف أو الحالات التي يتطور من خلالها المجتمع والأمة، ولا بالنظريات الفلسفية المطروحة وفقاً لحاجات المجتمع والامة ، لأنهما يمثلان روح سامية تشرف على العقل والنفس البشرية وتوجههما في الإتجاه الصحيح دون أن تبعدهما عن العمل لما فيه رقي الفرد والجماعة، فكل من يتخذ الإعتدال والوسطية منهجاً وسلوكاً فإنما يعمل في الحقيقة لخدمة النوع الإنساني أو الآدمي من خلال إحقاق وإشاعة الحق والعدل والمساواة وبناء المجتمع على أسس التمدن والرقي والمواطنة بعيداً عن شوائب الغلو والحقد والتطرف..
وقد أشار الى هذا القول سماحة السيد المرجع المحقق الصرخي الحسني (حفظه الله) في بيانه (شيخ الأزهر ومبادرة الإصلاح وايقاف سفك الدماء ) حيث قال سماحته :
في النقطة الرابعة :
إن كل وسيط ومصلح عليه أن يضع في بالِه اَنَّ سلامةَ المجتمع والدين وأمْنِهِ واستقراره خاصة في العراق يماثل الجسد وما يصيبه من أمراضٍ وآفاتٍ خبيثةٍ ، فان علاجَهُ وصحّتَهُ وسلامَتَه تعتمد وتتوقف على تشخيص الداء وأسبابه ثم تشخيص العلاج فلا يعقل أن يكون المسبِّبُ للمرض والآفة والفساد معالجا وعلاجا وداخلا في العلاج ،فلابد من التشخيص الموضوعي الواقعي الصادق الشجاع وإلا فلا إصلاح ولا صلاح في الجسد و العقل والقلب والنَفْسِ والروح ولا في المجتمع والأوطان ،وأنني أجد من المناسب أيضا أن أذكر لكم مما ذكرته في مقام آخر عن الحوار بين الأديان أو بين المذاهب وشروط نجاحه، حيث قلت:
منذ سنوات طوال نسمع بالحوار بين الأديان والحوار بين المذاهب وتُصرَف الأموال وتنعقِد المؤتَمَرات واللقاءات (والحوارات مجازا) ووقّعوا ميثاق شرف وميثاق شرف ومواثيق شرف لكن مع شديد الأسف لم نجد الشرف ولا مواثيق الشرف ، فلم نجنِ أيَّ ثمرةٍ طيبةٍ عن ذلك بل وجدنا النتائج العكسية ، فقد سادَت وانتشَرَت قوى التَكفير الديني وقوى التكفير الطائفي في المجتمع وانخفض وانمحى صوت الاعتدال ، وهذا:
أ ـ يكشف عن الأسس الفاسدة غير الموضوعية التي تعتمدُها المؤتمرات واللقاءات ومواثيق الشرف.
ب ـ ويكشف عن اَن المُتحاورين لا يتصفون بالصدق والإخلاص ، ولا يملكون العلم والفكر والروح والمنهج الحواري التقاربي الإصلاحي ، ولا يتّصِفون ولا يملِكون الأسلوب والسلوك والسيرة العملية والأخلاق الرسالية الإصلاحية .
جـ ـ ويكشف عن تبعية المؤتمرات والحوارات والمتحاورين لاِرادات سياسية تبغي المكاسب السياسية الإعلامية والمصالح الفئوية الضيقة دون النظر الى مصلحة المجتمع وتعددية المذاهب والأديان.
د ـ فمثل هذه المؤتمرات واللقاءات والمجاملات محكومة بالفشل قطعا وتكون نتائجها عكسيةً عادةً.
فمن هنا لابد أن يكون للمصلح وللوسيط بين المذاهب والأديان يمتلك المنظومة الفكرية المتكاملة ومشروع إصلاحي شامل يعتمد على الأسس والمقاييس الصحيحة الواضحة و التي شرعها الإسلام وفتح جميع أبوابه لباقي الأديان الأخرى ،فلا نكون حجر عثرة أمام كل هذه الحوارات والتقاربات الحقيقية الإصلاحية التي تنهض بالأمة وبالمجتمع نحو الرقي والتكامل الأخلاقي وتحافظ على السلم والسلام وحقن الدماء وحفظ الأرواح وهذه الرسالة لم يحملها بمحملها الصحيح إلا الأستاذ المحقق المرجع الصرخي الحسني لأنه فعلا تحمل كل أنواع المعاناة والالام والأذى والقتل والتشريط والتطريد من أجل هذا المشروع الإصلاحي والأخلاقي الوسطي .
بقلم /حبيب الكاتب