مجرمون مختبؤون - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مجرمون مختبؤون

سميرة بيطام

  نشر في 12 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

من خلال تفحصي و بحثي في قضايا المرأة و الانصات لطرحها المتعدد المضمون و المتشابه في الأسلوب و السبب ، أجد نفسي أغوص أكثر في سبب هذا التشابه و لماذا في مجتمعاتنا العربية تضيع الحقوق لأتفه الأسباب و تستمر الخروقات برغم وجود القوانين و التشريعات الناهية و المجرمة للأفعال المخالفة لردع القانون ، لا أعرف ان ما كان للبيئة دخل بل سبب مباشر في اختلال موازين الأصناف من الناس و صعود الخارجين عن القانون بصفتهم مبرؤون من أي شيء لأنه لا شيء أصلا ينسب لهم من أخطاء حينما يختبئون من الإقرار أو الاعتراف أو المواجهة .

في العائلة العربية قاطبة تحتكم الأخت لصدر أبيها في حالة شعور منها بالخوف أو الألم فيسمعها صبرا و تريثا لكنه قول ليس صادق بل مجرد مداهنة أمام الأخ المتسلط بغضبه و عنفه الغير معروف الأوقات ، في حين تجد الأم تسكت حينما يتكلم الأب و هذا أعتبره خطأ في حرمان الأعراف من تدخل الأم في بعض المواقف المشاعرية المتعلقة بالأنثى حينما تبكي ، فإسكات الأب لصوت الدموع ليس على نفس نسق الأم في حضنها ، أين أنت يا قانون الأسرة لتعلي من شأن الأم في المرافعة العائلية حينما يكون ثمة مشكل عائلي يتكرر في كل مرة سببه ادمان الابن على الكحول أو المخدرات ؟، لماذا نسق التحكم في الشأن العائلي يسند للذكر أكثر منه اشراك الأم في أنوثة وديعة صبورة محترمة ،ثم الأب معظم تدخلاته هي اللامبالاة بما أن الابن اختار الإدمان ..فاذا كانت تدخلاتك بدافع تهدئة العواصف بين الاخوة ، فمن يقدم الحلول في مثل هكذا حالات ؟.

في علاقة زوجية طالت سنوات بالألفة و الاحترام ، فجأة مرضت الزوجة بمرض السرطان عافانا الله و استئصل ثديها و ركنت في بيت أهلها للعلاج و الراحة ، في حين الزوج يرتب للطلاق باختلاق ذريعة مقنعة بعيدا عن الشكوك حول أن يكون السبب هو مرض السرطان و استئصال الثدي بدافع التطليق ، فلا يتصل كثيرا بزوجته ويباعد في ذلك عمدا كخطة تمهيدية للانفصال ، ضانا أن الزوجة لن تستشعر بداية الطعنة الغادرة من مجرم جبان لا يحب المواجهة بل يكتفي بدفع اللوم عنه لأن له الحق في التعدد ، يا سيدي عدد و من منعك من ذلك ، و لكن لطفا بصدر ينبض فيه قلب ترهل من اقتطاع الثدي جرحا عميقا لا يندمل و لن يندمل مهما تماثلت الزوجة للشفاء ، ثم احتكم للحنان قليلا في هذا الظرف بالذات و لا توجع قلب المسكينة التي يحترق العلاج الكيميائي لهيبا في جسمها ،أين قانون الأسرة ليصنف مادة في قسم طلاق في مثل هكذا حالات و يسن نصا يأمر فيه الزوج و ليس يطلب منه أن يعتني بزوجته المريضة معنويا قبل التكفل المادي ، كما ينص فقرة أخرى أن لا يتم الزواج بطريقة تعسفية الا باستئذان الزوجة المريضة صونا لجدارها المنهدم من أين يتحول الى رذاذ لا يراه أحد من اليأس ..مادام السبب هو مرض السرطان و هذا المرض بالذات لم تختلقه المرأة هو قضاء و قدر و ربما سببه الحقيقي القلق الزائد أو شيء آخر ، لن نغوص في طبيعة المرض و لكن من حق المرأة أن تطالب من المشرعين صون كرامتها من التلاشي بعد سنين حياة حميدة ، و ليس العيب في التعدد كما قلت و لكن للاحترام فواصل على شعوبنا العربية قاطبة بما أن ديانتها الإسلام أن تحتكم للنص القرآني مصداقا لقوله تعالى :" و عاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا "سورة النساء الآية 19.

ما أكثر الأصحاب و الأصدقاء و حين يفلس الصديق لفاقة مالية أو لبطالة في العمل أو حتى بسبب المرض يفر الجمع الغفير من الأصدقاء فلا يظهرون و لا يسمع لهم اتصال هاتفي فقط للسؤال عن الصحة، بالأمس رنين الهاتف لا يتوقف للسمر و الجلسات و الضحك و الأنس بالصداقة التي لم يكن المضيع فيها يدري أن الغد سيسقط الأقنعة قناعا تلو الآخر ، لن أحتكم لنص قانوني بقدر ما سأحتكم الى سلوك أخلاقي لأسأل :

أين هو الوفاء وقت الضيق ؟ أين هو السؤال وقت الحاجة و الفاقة ؟ ، أين هو حنية الوقوف جنبا لجنب حتى يستعيد المريض عافيته ؟؟..طبعا مجرمون مختبئون ، هم لم يرتكبوا جريمة بأركانها الثلاث المادية و المعنوية و رابطة السبب ليعاقب عليها القانون ، لكنهم ارتكبوا جريمة معنوية حينما تركوا صديقهم يصارع من أجل البقاء ، نعم أقول من أجل البقاء و ليس من أجل الغنى في المال أو الشفاء ، لأن من نقص ماله و ابتعد عنه أصدقائه و تخلى عنه الأهل وقت الحاجة اعتبره يموت ببطىء ، ارفعوا لثام الزيف و لا تصافحوا من الآن فصاعدا نفاقا و تلاعبا حينما يستعيد المريض عافيته أو يغنى الفقير من فاقته ، ارحموا عزيز قوم ذل ، فلعل الأيام تدير بوصلتها امام بيتك فتطرق غرورك فترديه أرضا بنفس ما حصل لصديقك الذي ابتعدت عنه ، ارحموا ترحموا ، رجاءا لا سخرية مع من تبدل معهم الحال ، فالله يبتلي و العبد يصبر و أنتم أيها الأصدقاء من تفقدون مصداقية صداقتكم فتتحولون من أشخاص عاديين الى مجرمين مختبئين لا يحبون المواجهة أو الظهور و قت الحاجة ..

و الأمثلة كثيرة ، أكتفي بهذا القدر ، ففي الوقت الذي احتكمت فيه للنص القرآني و للقانون ، كنت أتمنى أن يحتكم الناس لضمائرهم بدل البحث عما يقنعهم بضرورة التحلي بسلوك عصري متزن بعيدا عن وقع صخب العولمة الماجنة التي شردت العلاقات و سكرت الطموحات و أبطلت مفعول الفطرة بطريقة عجيبة يبقى فيها المتسائل عما يجري لا يجد له جواب سوى بتمتمة عبارة : مجرمون مختبئون .



   نشر في 12 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا