في نهاية يومٍ وحينما بدأت أصوات الأطفال تتخافت والليل يُعلن قدومه والنهار ينبئنا برحيله ، بدأت الفكرة القديمة المنسية بطرق باب أفكاري - لمَ عليها أن تأتي الآن؟ لم أنتهي بعد من تحصين أفكاري! – فارضة نفسها على "بنات أفكاري" المليئين بالحب والحياة والدهشة، بعكسها هي التي تكبُر كلَّ فكرة في الكون وموجودة منذ الأزل ، وتسللت لرأسي حين غفلةٍ منِّي في الصِغر ،الفكرة التي تحوم حول كلِّ إنسان في أنحاء هذه المعمورة، ولا ترحل حتى تسلبه شيئًا عزيزًا ، وتصبح ذِكرى كئيبة وتزرع فيه شيئًا من الخوف والرهبة لتصبح شبحًا يطارده أينما حلَّ وولَّ.
ذِكرى الرحيل وفكرة الفقد والنسيان ،سنوات العمرِ تسابِقُ بعضها، وقسوة الأيام تتربص بفرحتنا وكأن ماتريدُه كلُّه يسكننا ، لارحمة هُنا ولا تجاوز أو غفران .
كُتبي كئيبة ، مذكرات السجن والحروب والملحمات الحزينة، عادات فرضتها على نفسي وعشتها كأنها الخيارات الوحيدة ! تصفحت عناوين كتبٍ بنكهات جديدة علَّها تُسكرني لبرهة فتنسيني ثقل الأيام ولوعة الماضي والذكريات القديمة .
لكن العتمة ليست في الخارج، إنما هنا بداخلي! أحنيت رأسي جانبًا وقرعته لأخذ دماغي وتفتيشه ونبش خباياه ورؤية البقع العمياء فيه ، أخذته من موطنه ضعيفًا عاريًا ، سمعت صوت بكاء ، الصوت يشبهني ... يصغرني ، ربما هذه طفلة!
نبشت أدراج الذكريات ووجدت أحلام طفولتي المؤودة والمنسية هي من تبكي !
كانت تنتظر المستقبل الذي وعدتها به! وأنا الآن هُنا، في المستقبل الموعود المنتظر!!
لكنني الان هشه واضعف أحمل جميع ماضيّ من انكسارات ومحاولات بائسة على ظهري وأسير ، لست أستطيع التخلي عنها، فإن تخلصت منها فمن أكون حينئذٍ؟