ظلال الحرب تحوم بالجوار
هيام فؤاد ضمرة..
هكذا وبكل بساطة استطاعت القوات الأمريكية اصطياد قاسم السليماني والخلاص منه نهائيا، ومن ثم تنبيه إيران بالخطر القادم إن هي تهورت بحجم الرد، أما لماذا الآن ولماذا بهذا التوقيت بالذات؟.. هنا بيت القصيد.
فالمشهد برمته يبدو للمراقب المحلل وكأنه أمام مسرحية رسمت تفاصيها بعناية فائقة بحيث تؤدي إلى ما أدت إليه، وبحيث تجر المنطقة إلى الكارثة التي ينتظرانها على شغف أمريكا واسرائيل شريكا الخطط الجهنمية لتحقيق ما تصبوا إليه إسرائيل بالذات لتحقيق حدودها الأخيرة من الفرات إلى النيل، والاستعدادات العسكرية فيها تجري على قدم وساق من القيام بكل التجهيوات الممكنة في حال نشبت الحرب، خاصة أنها تعتبر أهم قاعدة عسكرية لأمريكا نفسها تجعلها قريبة جداً من الأهداف.
فأمريكا التي تركت رجالات إيران يعيثون في المنطقة ويرتكبون الفظائع اللا إنسانية تارة بأهل السنة وأخرى بمن سموا بالدواعش فيما هي تجلس على مستقرها العالي تتفرج على المشهد من أعلى دون أن تحرك ساكناً، لم يثرها الفظائع التي ارتكبها المسلماني وقيادات فيالق إيران الأخرى في العراق وسوريا، واقتصر فعلها بجملة من الإدانات والتنبيهات والوعيد في أقصاها كردود على هذه الأفعال، فأمريكا تعرف أنها تقف أمام قوة عسكرية قوامها البشري ثلاثة ملايين مقاتل مدرب تدريبا عسكرياً جيداً، وتعرف لأي درجة إيران طورت صوريخها، أما القوام العسكري الآلي المتقدم جداً فهي تعرف أيضا أن ليس هناك على وجه البسيطة جهة تتدعي أنها تكافئها بها قوة.
في وجود امكانية في مواجهة بين طرفي هذه المعادلة يضع الشرق الأوسط برمنه على كفي عفريت الحرب التي ستطورها أمريكا بخططها الجهنمية المعروفة إلى حرب عالمية تجر إليها القاصي والداني تحت مسمى المصالح الذاتية وتحديد المواقف.
من المؤكد أن إيران ستضبط أعصابها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا حسب توقعاتي، ولن تتهور تماماً كما طلبت منها أمريكا، رغم أنها ستبقى تنتظر اللحظة المواتية مهما بعدت، أو أن الواقع الحالي يبعدها عن مرمى الانتقام، أمريكا حذرت إيران من تداعيات الانتقام لمقتل المسلماني لأن السعودية عبرت عن خشيتها أن تلجأ إيران لضرب البني التحتية النفطية للسعودية لهدف ضرب أسواق النفط العالمية بالتالي، لأنها ترى أن إيران تعرضت لهزة قاسية مع مقتل السليماني وهناك خشية حقيقية من عواقب الرد كأن تخرج الأمور عن السيطرة، وأنها تخشى مع بيان حجم وقوة صواريخها ودقتها في إصابة الهدف، كمثل تلك التي تلقتها حين تم استهداف معملين نفطيين لأرامكو في السعودية في أيلول الماضي، يجعلها في خوف أمام تلقي إنذار الإنتقام من جماعة الحوثي في اليمن، ورفع علم الانتقام الأحمر.. فهل وضعت أمريكا حقاً مصالحها في الخليج في دفة الميزان حين اتخذت قرارها وضربت ضربتها الانتقامية للهجوم الشعبي العراقي على السفارة الأمريكية في بغداد؟
فأمريكا تعرف جيداً أن ما وصل إليه الحال من أثر الحصار الاقتصادي بعد انسحاب أمريكا من الصفقة النووية عام 2015م على دولة إيران هو كاف لأن يجعلها هشة من الداخل وهي السياسة التي تنتهجها أمريكا مع كل دولة تبغي تدميرها تدميراً كاملاً،
وتنامي شعور الغالبية العظمى من الشعب الإيراني أنهم كمثل طائر فقد جناحيه محشور في الزاوية الضيقة على انتظار الضربة القاضية،
وتعلم أمريكا أيضاً مدى تردي النزعة القومية عند الشعب الايراني بعد الأحداث الدموية خلال أعمال قمع المظاهرات في إيران وقتل العديد من المتظاهرين يقدر بالمئات وقطع خدمة الانترنت تحت عذر وضعها الحرج أمنياً،
وانهيار الوضع الاقتصادي في البلاد الذي تعول عليه أمريكا بالعادة للسيطرة على الحكومات ورضوخها لإرادتها حين ستقف عاجزة عن تلبية حاجات شعبها ونفاذ صبر الناس،
وسيطرتها أي أمريكا على أسواق النفط والمال والتجارة العالمية، وسيطرتها على الغذاء العالمي الذي تهدف من ورائه السيطرة على الشعوب نفسها، وتخوف الشعب الإيراني من حرب كونية لا تذر حيا ولا عمارا ولا تبقي من جوع،
وبالمقابل يتبدى مدى ما تقوم به حكومة إيران من جهد لتحول دون انهيار الموارد المالية في الداخل الإيراني.. كل هذه العقبات تشكل ضغطا هائلا على حكومة إيران ومؤشر داخلي غير مستقر، إضافه لما تلقاه إيران من حكومة أمريكا وتساندها فيه دولة الاحتلال الصهيونية لمصلحة أمنها وثبوت استقرارها بالمنطقة، فتجعلها أي إيران أكثر حرصاً في اتخاذ قرار المواجهة مع أمريكا في الوقت الراهن وفي ظل كل هذه الظروف.
المثير في الأمر قرار مجلس النواب العراقي في إلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين واشنطن والعراق، وقراره في إنهاء الوجود الأمريكي العسكري، أو أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية، ومنعها من استخدام الأجواء العراقية، وبالمقابل استهتار قادة المليشيات بهذه القرارات التي يرونها مجرد ألعاب نارية تتفشى بالفضاء المفتوح لا تعني لهم شيئا، ولا تعني لأمريكا نفسها شيئاً.
فأمريكا منتشرة بقواعدها العسكرية بكل دول الخليج والعراق، وبإمكانها تحريك حرب شعواء مع إيران بكل يسر وسهولة.
لكن الأمر لن يجري على النحو الذي نتصوره ببراءة ما نعتقد، فأمريكا ومعها دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين يأملون تحويلها إلى حرب كونية ضاربة تبيد أعداداً هائلة من العرب والإيرانيين وتضعف ما يتبقى إلى أوهن قدر ممكن، فلا تقوم للعرب قائمة على مدى مئات السنين، تكون فيها دولة اليهود امتدت على مساحة نصف الوطن العربي تقريباً حتى الجزيرة العربية.. فلأي حال نحن ذاهبون في أبعاد الأحداث التي ترسمها أمريكا للمنطقة وتطبقها مع حلفائها فيما العرب غارقون في أوهام السلامة والصداقة الواهمة.
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
التعليقات
حاولت الهرب من أخبار العالم البئيس... لكن قليله الذي يصل يطعنني في كل مرة... القوى تتحارب من أجل النفوذ و الضحايا شعوب لا حول لها و لا قوة. لنا الله.
مقالك جميل وتحليلك رائع ...لكن هناك حلقة مفقودة ...الا ترين أن لإيران مصلحة في التخلص من سليماني ...فهو يكتنز في جعبته الكثير من الأسرار والملفات التي تدين إيران..ناهيك عن مصلحة امريكا في قتله فهو أيضا يحمل في جعبته الكثير من الأسرار ضد أمريكا ابتداء من تكوين داعش وخطط امريكا في الشرق الأوسط...في تقديري لن تحصل مواجهة بين أمريكا وإيران ...فامريكا لن تقتل الدجاجة التي تبيض لها ذهبا ..دون الخوض في تفاصيل نحن في غنى عنها..
لطالما راقتني مقالاتك اخت هيام ....دام الابداع حليفك وهذا ليس غريبا عليك ....