تمتمات في زلزلة ثانية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تمتمات في زلزلة ثانية

سميرة بيطام

  نشر في 15 ديسمبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

قبل أن أبدأ اسمحيلي أيتها المحترمة في السن أن اقترب من تجاعيدك الراقيات ، لدي فضول ليس اليوم فقط بل من زمان و أنا أكبر مع عجوز هي بنفس نظراتك الحزينة و الثاقبة في نفس الوقت ، فقد سمعت تمتمات تصدر بالقرب من سريري و أنا نائمة أرى حلما جميلا أشبعني حنينا لتك العجوز التي ربتني يوما ما ، دعيني من فضلك أدنو من اصرارك على أن لا تكبري سريعا ، فالوقت لم يرحمك في كبرك ولم يرحمك و أنت تكبرين فوق الصغر بأعوام ، لست هنا لأي فضول ، أنا فقط أسترق منك لحظات خلتها تعود مع طفولتي ، لن أركز على رغبتي في ذكرى ماضية بقدر ما أريد فك شفرات تمتماتك الهادئات ، هي بمجموع الضمير ساحرات و بمفرد الإحساس موجعات ، لا تخافي من ابداعي فهو بريء جدا من نظراتك السالبات ، لا تقلقي من عفويتي فهي قريبة جدا من نبضاتك المتسعات لنظرتي بقسمات وجهك المضيء ، لن يحلو لي مجلس معك الا و أنا أفسر تمتماتك عن أوجاع نالت من قلبك جزءا أكبر على ابنك الذي هجرك و تركك في دار المسنين تعانين ويلات الوحدة و الألم ، صعب جدا أن أنقل تمتماتك لابنك الوحيد في فرحته و نعيمه مع زوجته و أولاده ، احكيلي ما عمر التجاعيد في وجهك الصابر ، فضفضي لي عن عمق المأساة في صمتك ، أعرف أنك لن تتكلمي في ابنك كلاما قاسيا أو معاتبا ، فلد خرج من بطنك بعد وهن على وهن ، و عمر في قريتك الصغيرة عاما بعد عام ، أنت من دونك الطيور ساكتة تنتظر أن تتكلمي لتغرد بالقرب من بيت المسنين الموحش ، تلك الفراشات لا تريد الرحيل حتى تحدثي ضجيجا بدمعة واحدة على أرضك ، تلك السنونوات مترقبات لنهوضك حتى يواسيك سرابها في لوحة فنية لعافيتك من وجعك ، أنا الأخرى لا أريد أن أترجم تمتماتك حتى تبتسمي لي ، أحترم صمتك القدير فأنت محترمة في السن و كفى ، أنحنى قربا منك لأقبل يدك و أمسح بها على جبيني فهي ساعة من سكينة لقلبي ، سأضع معطفي جانبا من كرسيك لأشعر بأريحية في مجلسي معك ، و لن أجلس على كرسي بل أرضا آخذة بيديك الهرمات ، هكذا كان بالأمس طبعي في الترجي لاسترضاء من ربتني لآخذ قسطا من دعوات الخير ، فمشوار الحياة يحتاج لزاد و لا زاد بغير الدعاء له وجاء .

تمتماتك تقول لي في ثقة أنك غاضبة و لكن في صبر ، تمتماتك تقول لي أنك غير راضية عن سلوك ابنك الوحيد و لكنك مسامحة لأنه كبر في رحمك دون عناء منه فالزاد للعيش يصله في يسر ، تمتماتك تقول لي أنك تجاوزت تخليه عنك في كبرك بنوع من المعرفة الأكيدة أن نفس السلوك سيطاله مع ولده حينما يكبر ، لذلك أنت تبكين الآن و أنا أترجم بعضا من تفوهاتك الخاطفة ، يصعب على المرء شرح الأحاسيس الموجعة و لكن يجب قولها و لو في تمتمات لأن القلب يتوجع و الروح تتألم ، و العقل يستذكر محطات نقلك من بيتك الكبير و المؤثث الى بيت المسنين بغير عتق و لا أثاث ، كل من فيه أمثالك غرت بهم الدنيا ولم يكونوا في اعتقاد لهذا الغدر بحاصل يوما ما ، أفهم عنك الآن سبب حبسك لدموعك الثقيلات ، تريد النزول من مقلتيك و ترفض الاستسلام للقدر ، مني أنا أقولها لك حرريها من عذاب اليأس ، أتركيها تنقل صرختك للعالم لا لأن تفضح ابنك و تهوره و لكن لتزعجه في نومه ندما و حسرة ، المك يصله على أميال ، اتركي دموعك تنزل حتى لو كان الفاعل ابنك ، لأني في دفاعي عن سنك و عن تجاعيدك لا أتساهل بقلمي مع من صفع خدا محسنا أثقلته التجاعيد حتى سلبه جمالا ، أنا لا أتسامح بسهولة مع عاص لوالدته حتى لو كان مغلوبا على أمره ، حرري دموعك و احبسي تمتماتك فلم يعد لي بد في ترجمة أخرى لتمتماتك الموهنات ، سأحمل معطفي الى مكتبي حيث أضع آخر فنيات الترجمة لتمتماتك و على صفيح الابداع تنضج الأفكار الثائرات المدافعات عن جمالك أنت من لم أجد كنية أنسبها لك ، أنت أيتها الهامة في ربوع الصبر سلبت عقلي و فكري و حرفي و لم تتركي لي الا تنهيدات تخرج من صلب الذكرى لنفس الحكاية و لكن على شكل آخر لأني كنت حافظة لتجاعيد جدتي من الظلم على قدر واسع من الحيطة و الحذر و الدفاع .

لا تقلقي فمن خلقك لن يضيعك و اهل الاحسان كثر يمسحون حرارة دموعك في اقتدار ..استقري في هدوئك ..اهدئي كثيرا ، فكما تدين تدان أنت يا من أتقنت فن الوجع  .


  • 4

   نشر في 15 ديسمبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

Dallash منذ 3 سنة
أبدعت دكتورة ..ولا غرابة
1
د.سميرة بيطام
شكرا موصولا لك
§§§§ منذ 3 سنة
لذلك أنت تبكين الآن و أنا أترجم بعضا من تفوهاتك الخاطفة ، يصعب على المرء شرح الأحاسيس الموجعة و لكن يجب قولها و لو في تمتمات لأن القلب يتوجع و الروح تتألم ، و العقل يستذكر محطات نقلك من بيتك الكبير و المؤثث الى بيت المسنين بغير عتق و لا أثاث

أنين صامت لكثير من الامهات و الاباء الذين انتهى بهم المطاف إلى دور مسنين لا حضن ولد و لا دفئ بنت...
تحياتي لك على طريقة طرحك للموضوع في تمتمات
4
د.سميرة بيطام
طرحي للمواضيع في تمتمات لأن المظلومين في احتسابهم لا يتكلمون بل يحاورون أنفسهم بهذا السؤال : يا رب متى الفرج
تحياتي لك سيد أحمد على مرورك الطيب
جزاك الله عني كل خير
§§§§
الشكر موصول لك أستاذة سميرة

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا