الحسْرة المفقودة (تلقائياً)! ...
رسالة إلى الصديق الذي تاه في واقعية الخيال....!
نشر في 16 أكتوبر 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
أعلم أنك تستيقظ في الصباح لتمتد يداك (تلقائياً) إلى الهاتف المحمول لتلقي نظرة على التوقيت وسواء كان هذا الاستيقاظ في موعده أم تَأخر .. ففي كل الأحوال سوف تدرك أنه يجب عليك النهوض لتبدأ يومك،، ولكنك (تلقائياً) تُصر أن تسرق بضع لحظات لتتفقد صندوق الرسائل أو وسائل التواصل الإجتماعية.. تُمني نفسكَ بأن تجد إحدى رسائل الصباح السحرية! .. تحمل لك تحية تتمناها .. أو خبر جميل انتظرته طويلاً .... وهذه النوعية من الرسائل التي تنتظرها أنت كل صباح...سوف تكتشف أنها لم تأتي بعد.. وربما تعلم جيدآ مسبقاً انه لم يحن وقتها بعد.. أو ربما لن تأتي في هذا اليوم تحديداً .. ولكنك لا تريد أن تدرك ذلك بعد.. ! نعم فأنت تبحث (تلقائياً) عن سبب للتذمّر..
و عندها لن ترى سوى تلك الرسائل المزعجة و المتوقعة معاً.. منها تحايا باهتة الألوان.. ومنها تأكيد يزعجك (تلقائياً) للإرتباطات القادمة و بعض الطلبات و التوصيات المتعلقة بالعمل و المعارف.. و بعض من المزاح الثقيل الذي تضُجّ به مجموعات التواصل .. فأنت ياعزيزي تعتقد أنها في غير وقتها الملائم و تنظر لها بكل تضجر رغم أنك تقرأها يومياً وبإمكانك أن لا تفعل ...و لا تستطيع أن تخبر أصحابها.. كم هم يفسدون دوماً هذا الصباح الذي من المفترض أن يكون جميلاً .. ولكن ياعزيزي ماذنبهم إن لم تَصلُك رسائل الصباح السحرية بعد.. !
وان كنت محظوظاً وحظيت بها .. حتماً سوف تُبطِل مفعولها بسحر أقوى و ستقرر (تلقائياً) أن تُكمل الجولة في منصات ( الفيسبوك و غيره ) بحثاً عن الأخبار الطازجة المليئة بالدماء..و الكوارث الطبيعية والمُفتعلة.. وستبحث عن تلك الأرقام المتزايدة في الأسعار و حالات المرض سواء كانت في أرض الوطن أم خارجه .. نعم فأنت حريص على عدم فقدان هذا الحس الإحصائي..و التأكد من النشر على صفحتك الخاصة... كم أنت حريص على حسرة الصباح ! .. أنت تتعلل بأخذ الحيطة و الحذر و خيال الواقعية ،، و تتناسى أن معظم هذه الأخبار قد لاتملك أمامها فعلاً شيء لتفعله .. ومنها مايعنيك ومالا يعنيك .. ومنها ماقامت من أجلها مبادرات نبيلة ولكن أنت تبادر فقط بالقلق و الحزن ... و التهويل (تلقائياً) !!
عزيزي..أنت دوماً عندما تخرج من المنزل تصر أن تحمل معك الميكروسكوب لتضع به (تلقائياً) كل من استطعت إليهم سبيلا.. طريقة ارتدائهم للملابس و ألوانها غير المتناسقة ..كيف يضحكون بصوت عالي (مستفز)،، كيف تطاوعهم أنفسهم أساساً لكي يضحكوا في هذه الأجواء...الكل يتفلسف...و جميعهم عديمي الذوق ..!
حتى زملاء العمل .. منهم المتطفل و المتملق..و الذي يُبغِضك و الذي ينافقك .. و المغرور الذي لا يعيرك الاهتمام..! فلنفترض ان هذا صحيح... فأنت بالطبع.. لستَ مصدوماً و ليس ذلك بالإكتشاف الجديد بالنسبة إليك ...
أصبحت أخشى عليك من أن تصبح مثلَ تلك الفصائل البشرية المُفترسة فكرياً و لفظياً.. و لا تواجه إلا من الخلف (غدراً أو غِيبةً) ..فهي ترى الجميع مُتهمين و مُدانين حتي تثبت برائتهم ! ...ولو ثبتت،، حينها سوف أفترضُ انك لن تكون سعيداً (كما هو الحال) ! ...
و في منتصف اليوم ..(تلقائياً) تجد انك تستمع إلى قائمتك المفضلة من الأغاني..إنها فقرة إلاستماع ذات الطقوس الخاصة مشروب ساخن و شرود مُبتذل .. أعرف جيداً أنك تعتقد أن لك ذوقاً لا يُضاهى.. فأنت تعشق أغاني العُظماء.. ولكن انت لا تعطي قيمة لفكرة أن أغلب تلك الأعمال التي تختارها بدقة ..حملت دوماً في طياتها كثيرآ من لوعة الشوق ..و الآهات و الهجر و الغدر... و البكاء على الأطلال..و بررت لك أن الحزن قد يكون نبيلاً و احياناً لذيذاً.. وقد تصوّرُ الحزن وفاءاً.. وأحياناً داءاً مستعصياً ..و أنّ الذكرى السيئة دون غيرها.. دوماً تظل هي النديم...نعم أتفق معك ان تلك الكلمات أحياناً قد تحتوى كثيراً من البلاغة و الوصف البديع و الأداء الصادق و عبقرية الصوت و الألحان...وأيضاً قليل من الحكمة و كثير من اللاحكمة...و أعلم أيضاً أنك تتعقد أنك قد لا تتأثر بتلك الألحان الحزينة فهي مجرد فن راقي بالنسبة إليك ... ولكنها ياعزيزي كلماتٌ تتوغل بداخلك و ستطفو على محياك دون أن تشعر إن أكثرت الإستماع لها..
لطالما كانت ليالي الأنس مع الرفاق محط تساؤل و تَحيُّر بالنسبة لي..فأنت (تلقائياً) لا تفرّط فيها ابداً..ما هو سر هذا الإلتزام العجيب بتلك اللقاءات على القهاوي و النوادي و أزقة الطرقات يومياً...رغماً عن الظروف الشخصية و المناخية التي قد تحدث.. رغماً عن مشقة الطريق ..ورداءة الخدمات المتوفرة حتى و إن كانت كوب قهوة ..ماالذي يجعل شخص محدود الدخل و الوقت..و يُصارع من أجل تطوير مساره المهني و العقلي و النفسي لأن يتورط يومياً في هذه النشاطات ذات المحتوى المحدود أيضاً و المُتكرر...أليس بالإمكان أن تُصبح تلك اللقاءات على فترات متباعدة أو تأخذ طابعا متنوعاً ليشمل رياضة مثلاً أو ندوات و اجتماعات فكرية ثقافية ...
المحيّر أنك تتعجب عندما تُصاب بالأرق ليلاً...و خصوصاً بعدما عرضتَ مجدداً كل الأحداث اليومية السابقة بالحركة البطيئة.. كما يفعل خبراء التحكيم في البرامج الرياضية بعد انتهاء المباريات..وعندما تنتهي تلك الفقرة... ستأتي فقرة الختام و ستختلي بنفسك .. و(تلقائياً) ستعطيها نصيبها أيضاً من اللوم و التفكير و العتاب ...
ماذا دهاك ؟! أنت الآن تُذكرني بالشاعر (الحُطيئة) .. و هو الذي اُشتهر بأشعار الهجاء القاسية..التي لم يسلم منها أحد.. حتى زوجته و والده وحتى والدته! ...وعندما أتى عليه أحد الأيام... لم يجد أحداً ليهجوه ... فقال و بكل (تلقائية) :
أَبَتْ شَفَتَايَ الْيَوْمَ إلا تَكَلُّمًا * * * بِسُوءٍ فَمَا أَدْرِي لِمَنْ أَنَا قَائِلُهُ ؟
أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ * * * فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ
محمد السر...
-
Mohamed Elsir Eltayebكاتب هاوي ... مهتم بالمجالات الأدبية و الفلسفيةو الفنية و الإجتماعية ...