مثلث لصوص آثار اليمن؟! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مثلث لصوص آثار اليمن؟!

فكري آل هير

  نشر في 09 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

تأتي هذه المقالة كجزء اضافي مكمل للمقالة السابقة حول القصة المأساوية لآثار وتاريخ اليمن.. ولندخل في الموضوع بدون مقدمات مجدداً..

يمكن القول بأن لصوص آثار اليمن في القرن العشرين ينحصرون في ثلاث فئات: "كيان مشروع الإمامة والحكم السلالي (الكيان الهاشمي)، ثم نظام آل سعود الوهابي، والصهيونية العالمية"... هذا هو مثلث اللصوص، لصوص آثار اليمن..

على أي أساس يقوم هذا التحديد بالضبط؟!- إليكم القصة..

احدى بدايات القصة:

في أعقاب صدور "وعد بلفور – 1917" كان عبدالعزيز آل سعود قد نجح فعلاً في تحقيق انتصاراته العسكرية المدعومة من بريطانيا، في توسيع اراضي الدولة السعودية الثالثة، وفي اليمن كان الامام يحي حميد الدين يجري مفاوضاته مع الأتراك ومع بريطانيا التي كانت تسيطر على الأجزاء الجنوبية من اليمن، حتى دخل الإمام يحيى حميد الدين مدينة صنعاء عام 1336هـ- 1918م، وأعلن نفسه حاكمًا مستقلاً على اليمن.

واجه الإمام يحيى بالإضافة الى المشكلات الداخلية، مشكلات الحدود مع جيرانه، والمشاكل التي نجمت عن احتلال بريطانيا لجنوب اليمن، وآثار الحرب العالمية الأولى وغيرها من القضايا الأساسية، وأهمها حادثة ضرب ميناء الحديدة اليمني بمدفعية الأسطول البريطاني في البحر الأحمر، ثم احتلاله من قبل القوات البريطانية، بمساعدة الإدريسي حاكم تهامة عسير على ساحل البحر الأحمر، وهذا الأخير قام بالتنازل عن عسير ونجران لآل سعود.

ومن حيث لم تفلح المفاوضات بين الامام وبريطانيا والسعودية، شن الإمام هجمات جديدة على المحميات المجاورة، ولجأ بعض شيوخها إلى عدن، فردت الطائرات البريطانية على هذا الهجوم بقيام غارات جوية على المدن اليمنية عام 1347هـ، 1928م. ومع هذا جرت محاولة لتسوية الموضوع بين اليمن وبريطانيا، وتوصل المفاوضون إلى صيغة معاهدة عام 1350هـ، 1931م، وقعتها السعودية/ بريطانيا بعد ثلاثة أعوام، أي عام1353هـ، 1934م، وتبودلت وثائق التصديق على المعاهدة بين الطرفين، التي عرفت بـ "اتفاقية الطائف" سنة 1934.

في هذه الغضون وبشكل غير معلن توجه ضابط المخابرات الانجليزي "السير جون فيليبي" الى منطقة الجزيرة العربية في مهمة استطلاعية واستخباراتية مزدوجة ومركبة الأهداف، وكان يتجول في أرجاء الجزيرة العربية من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها، بتنسيق كامل مع عبدالعزيز آل سعود، واثر عقد اتفاقية الطائف عام 1934م بعدة سنوات وبالتحديد في بدايات 1937م، كان "فيليبي" موجوداً في نجران لمهمة خاصة ارتبطت بلقائه هناك رئيس الجماعة اليهودية، وهو ذلك اللقاء الذي شكل بداية مهام الرجل الفعلية التي استمرت حتى عقد الخمسينيات من القرن الماضي، فيا ترى ما كانت تلك المهمة وما هي أهدافها؟

مخطوطات قمران ونجران:

كانت الجماعة اليهودية في نجران برئاسة "الحاخام يوسف مقرن الياهو"، وهذا الرجل كانت بحوزته الألاف من الوثائق والقطع الأثرية القديمة جداً، والتي توارثها اليهود جيلاً بعد جيل طوال قرون عديدة، وكانت الحملة العسكرية السعودية/ البريطانية الى نجران تخفي وراء استارها بعثة التاج البريطاني السرية في وقتها والتي لم يتم اشهارها إلا لاحقاً بسنوات.

تألفت البعثة البريطانية من عدد من ضباط الاستخبارات البريطانية والمستشرقين الانجليز وبضعة من رجال الدين اليهود، وهي البعثة التي كانت تدعي بأنها بعثة آثار بلجيكية تتألف من ( فيليب ليبينز – كونزاك ريكمان – جاك ريكمان ) ورابعهم (هاري سنت جون فيليبي) – رئيس البعثة ومهندس العرش السعودي – الذي أصبح يعرف لاحقاً بـ "الشيخ عبدالله فيليبي" كما أحب أن يسميه ويناديه بذلك الملك عبدالعزيز، وكان هدف هذه البعثة هو الوصول الى تلك الوثائق وغيرها في نجران ومحيطها من نجد شرقاً الى الحجاز غرباً، وقد استغرقت الرحلة أربعة أشهر، اذ انطلقت البعثة جواً من بلجيكا في 24 اكتوبر 1951، واستمرت الى بدايات العام 1952، وخلال هذه الفترة قامت البعثة بعملية تمشيط واسعة النطاق ومركزة من الرياض الى نجران ومن ثم الى جدة، مروراً بكل قرية وكل بئر وكل حجر ومدر بهذا المحيط، وقد ألف "فيليب ليبينز" عضو فريق البعثة كتاباً حول هذه الرحلة بعنوان "رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية"... يمكن لمن أراد مراجعته، علماً بأن الكتاب أشرف عليه عبدالعزيز آل سعود نفسه، وبل ولا زالت حكومة المملكة تتكفل بطباعته دوماً، أخرها كانت بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة.

كان من ضمن أهداف البعثة القيام بتصوير ورسم خرائط وتحديد احداثيات دقيقة للآلاف من المواقع الأثرية القديمة، وجمعها وارسالها مع جميع المخطوطات التي نهبت من خزائن اليهود والتي قدرت بأربعين الف مخطوطة الى جهات غير معلومة حينها في بريطانيا وعدد من دول أوروبا، في حين جرى الاعلان من قبل الحكومة السعودية بعد فترة عن تعرض تلك الوثائق للحريق بشكل غير مقصود وبالتالي فلم يعد لها وجود، ولم تبدي أي أسف على ذلك.

حدث بعد تلك الفترة وبالتحديد في ربيع العام 1947 أن اكتشفت المجموعة الأولى من مخطوطات البحر الميت في أحد كهوف "قمران"، اهم واخطر اكتشاف تاريخي في القرن العشرين، والحدث الذي أثار ضجة كبيرة في أوساط السياسة الدولية، لاسيما الدول الاستعمارية، مما دفع هذه الأخيرة الى الاسراع في الاعلان عن قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية في 14 مايو 1948م. ثم اندلاع الحرب العربية الاسرائيلية.. التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية.

لم تتضح حقيقة أهداف بعثة "فيليبي"، إلا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وفي نطاق أكاديمي ضيق، عندما وشت مخطوطات قمران بمصدرها الحقيقي وأخبرت بأنها جاءت في الأصل من "نجران" اليمنية التي صارت تحت سيطرة المملكة السعودية. ورغم التكتم الشديد على تفاصيل هذه الوشاية، إلا أنها قدمت تلميحات كافية لخلق تيار من المؤرخين المناهضين للتاريخ التوراتي.. تبنوا النظرية القائلة بأن "اليمن هي مسرح أحداث ووقائع التوراة، وليست فلسطين"- والتي أشهرها المؤرخ اللبناني "كمال الصليبي".

بداية أخرى:

بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على انطلاقة ثورة اليمن في سبتمبر من العام 1962، وبالتحديد في تاريخ 12 ديسمبر 1962، ألقت قوات ثورة اليمن القبض على حاخام اليهود نفسه، صاحب نجران.

ونظراً لأهمية هذا الرجل اليهودي فقد أمر المشير عبدالله السلال بأن تذاع اعترافاته بصوته في الاذاعة اليمنية في عصر اليوم الثاني، وبغض النظر عن فحوى تلك الاعترافات التي يذكر البعض بأنها كانت تخص كتاب يهودي قديم يثبت حقيقة الأصول اليهودية للأسرة السعودية وهي الرواية الأكثر رواجاً، فيما يؤكد البعض الآخر بأن الأمر كان يتعلق بما هو أكثر من ذلك، وان كان مؤيدي الرأي الأول يؤكدون أن الملك عبدالعزيز كان هو المعني بهذا الكتاب لأنه يفضح أصوله العرقية اليهودية، فكان هذا هو دافعه لاستقدام "جون فليبي" للقيام بهذه المهمة التي مولها التاج البريطاني بسخاء وأحاطها بسرية وأهمية مطلقة.

لقد كانت اعترافات ذاك اليهودي القائمة على التشهير بيهودية الأسرة السعودية والتي أذاعتها اذاعة الثورة من صنعاء ليسمعها القاصي والداني حينذاك، بمثابة تضحية بما لا يصلح التضحية به، تقرب بها الملك المؤسس الى أسياده البيض، لتخفي ورائها حقائق غابت عن ادراك الخاصة آنذاك وحتى اليوم فضلاً عن العامة، وهي حقائق كافية لمعرفة حقيقة ما يقوم عليه تاريخ البشرية برمتها، ذلك التاريخ الذي زيفته وحرفته القصة التوراتية الملفقة عن الوهم السامي والحامي.. الخ، وهي الحقيقة التي بمعرفتها يتغير كل شيء فيما يتعلق بالأرض والجغرافيا والتاريخ والإنسان.. الأمر الذي يفسر دعم القوى الاستعمارية للملك عبدالعزيز بكل شيء فقط لتصبح منطقة نجران وعسير أو ما يسمى بـ المخلاف السليماني تحت سيطرته.. أنظر لحكمة التسمية المتوارثة عند اليمنيين لهذه المنطقة، ثم اخبرني قصة أخرى عما جرى بين سليمان والملكة بلقيس ان صحت لهما وبينهما بالأساس قصة..

تحدث الرئيس عبدالله السلال عن هذا الرجل اليهودي.. حينما افتتح مكتب الجزيرة العربية في صنعاء في 26 ديسمبر 1962، وقال: "اننا سنقدم هذا اليهودي الشرير الذي يقود مجموعة من المرتزقة والجواسيس بين السعودية والأردن واسرائيل ليسمع العالم كل شيء من فمه عن اعمال السعودية ضد اليمن وضد فلسطين".

ولكن بقدرة الأيدي القذرة التي كانت تعمل في الخفاء ومنها أنور السادات الذي أوكل بشؤون اليمن، وبعد عشرة أيام من اذاعة بيان "يوسف مقرن الياهو" واعتقاله في اليمن، سافر الرئيس السلال الى القاهرة للعلاج، وأثناء غيابه حل "حسن العمري" مكانه وهو كما هو معروف من العملاء "الأصلاء" للسعودية، وما هي الا أيام ثلاثة من تولي العمري نيابة السلال، حتى تم نقل اليهودي عبر الحدود اليمنية السعودية الى نجران، وهناك تسلمه الأمير "خالد السديري"، ولما كانت الحرب بين اليمن والسعودية مستمرة، فقد تم نقل الرجل مرة أخرى الى جدة ومكث فيها فترة، قبل أن يعود الى موطنه نجران ثانية، ليسافر عبر الأردن الى فلسطين المحتلة ثم عاد منها، وظل يتنقل بحرية تامة وبهمة الشباب رغم كونه قد تجاوز الثمانين من العمر، حتى توفي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

والأهم، أن ما حدث بعد ذلك هو أن المشير السلال سافر الى القاهرة للقاء عبدالناصر، حيث حرص هناك على القاء كلمة بشأن العلاقة بين اليمن والسعودية بناء على المعطيات التي توافرت له آنذاك بما فيها اعتقال ذلك اليهودي، وهي التصريحات التي اذاعتها "راديو صوت العرب" التي كانت تصل موجتها الى معظم الدول العربية.

تحدث السلال عن حق اليمن في نجران وعسير، وأدان القرار السعودي القاضي بمنع الحجاج اليمنيين من الوصول الى مكة بعد الثورة، والذي ارتبط بمجزرة (تنومة) التي ارتكبتها السعودية بحق (1400) من الحجاج اليمنيين قتلتهم جميعاً، وبالإضافة الى ذلك، تحدث الرئيس السلال عن "جريمة سرقة أكثر من أربعين ألف قطعة أثرية ومخطوطة ونهبها بمساعدة اليهود في نجران خلال الفترة "1950 – 1952"، كان من شأنها أن تكشف عن جزء مهم من حقائق التاريخ المغيبة عمداً في إطار مؤامرة قديمة ومستمرة لطمس الحقيقة – التي تبدأ وتنتهي في اليمن!

هكذا سار الأمر..!!

أما اليوم..:

فقد وصلت هذه القصة الى ذروتها مع جرائم العدوان السعودي التي طالت الآثار اليمنية، والصفقات التي عقدها كيان المشروع السلالي الهاشمي، مع قطبي المثلث نفسه "مثلث اللصوص"- لاسيما صفقة ترحيل مجموعة من اليهود اليمنيين الى اسرائيل حاملين معهم، كم آخر من الآثار اليمنية، ومنها على سبيل المثال: أقدم نسخ للتوراة في العالم...!!

وما خفي كان أعظم..!!


  • 1

   نشر في 09 ماي 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا