منذ فجر التاريخ اهتم الانسان بتجويد عمله و تحسينه, و على اختلاف الثقافات و الديانات فقد احتل اتقان العمل و تحسين الأداء مكانة محورية فيها, حتى خصّته النصوص المقدسة بالإطراء فقد قال نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". و مع التطور العلمي و الحضاري لبني الانسان تطورت نظريات و مبادئ تنظم و تُعزّز تحسين العمل و اتقانه و جعله اكثر نفعا و التي عرفت بنظرية إدارة الجودة الشاملة. نشأت بذور هذه النظرية في الولايات المتحدة الامريكية منتصف القرن العشرين الا أن المناخ الأمريكي لم يكن ملائما لنضوجها وقتئذٍ, فنضجت حيث توفر لها المناخ الملائم-في اليابان- فقد عزّزتها القيم الاجتماعية و التربوية و الثقافية اليابانية المتمثلة في ارتفاع الكفاءة و الفاعلية في أداء العمل, احترام الزمن و اعتباره وسيلة تطويرية هادفة و التعامل معه وفق المصالح الجماعية المشتركة للعاملين و الادارة في ذات الوقت.

و من حيث المفهوم فان ادارة الجودة الشاملة تشمل جميع مجالات النشاط في المنظمة كما و تشمل كافة أبعاد السلعة أو الخدمة, و من نافلة القول الإشارة إلى أن تطبيق إدارة الجودة الشاملة يؤول بالمنظمة الى الإتقان بدل الاجترار، والى الجودة بدل الحد الأدنى ، كما و و ترتبط إدارة الجودة الشاملة بتميز الأداء و تقليص الهدر و الحد من نسبة الفشل بما لا يقل عن 50%.

و يكمن جوهر الجودة الشاملة في التوثيق: ”و هو نظام شامل لتأكيد أن الجودة مؤسسة في وثائق صادرة في شكل دليل الجودة ولوائح الإجراءات وتعليمات العمل” و يمثل التوثيق تاريخ المنظمة و مرآة أعمالها و يُعدّ برهاناً على أداء العمل و أداةً للرقابة و الاتصال و التقييم كما و ينظم توزيع السلطات و الصلاحيات, و تشمل عملية التوثيق كافة مستويات ادارة الجودة, بدءا بعملية التخطيط مرورًا بإعداد دليل الجودة و لوائح الاجراءات انتهاءً بالنماذج و السجلات.

و إن كان التوثيق جوهر الجودة الشاملة, فيبدو التوثيق في جوهره أخلاقياً, إذ تتمثل فيه معايير الأمانة و المصداقية و الرقابة الذاتية. و لو أن توماس أديسون لم يوثق محاولاته المتكررة لتحسين و تطوير فكرة الضوء المتوهج, لما استطاع مئات الطرق التي تقود إلى الفشل إذ قال:"أنا لم أفشل، بل وجدت 10,000 طريقة لا يمكن للمصباح العمل بها و يصدق الحكيم كونفوشيوس إذ يقول: «إن أضعف حبر يكتب به القلم لهو أقوى من أقوى ذاكرة إنسانية».

و حريٌ بكل عاقل أن يجعل من الجودة الشاملة منهج حياة-على المستوى الشخصي و العملي- و أن يجعل من ضميره دليل جودة و يوثق في صحيفته أعمالَه, لأنها-صحيفته- ما سيلقى به الله عز و جل.