لم انتبه لنفسي حتى تسللت خيوط الفجر الجديد،أعلن اليوم عن بدايته وأنا لم أنل قسطا كافيا من الراحة، سأنام قليلا قبل أن أخرج لأوصل الرسائل إلى حيث يجب أن تصل ولكن قبل ذلك سأتفقد آخر ماأرسلته لي، أمد يدي نحو الدرج الصغير بجانب سريري، حسنا هاهي ذي ،أفتحها أتمعنها أشعر بكرهي الشديد تجاهها أحاول تمزيقها ،لكن ما آن الأوان بعد للإعتراف بالأمر ليس بعد ليس بعد وأنا لا أزال أرى نورا في آخر النفق المظلم، ماكتبته ليس له صحة من الأمر الواقع لاشيء يمكنه تأكيد الخبر غير جثتك التي لم تصل يوما ربما ضلت طريقها ربما ضللت طريقك ربما رسائلك المفندة للخبر ضلت طريقها هي الأخرى أو ربما أنا من ضلت طريقها لعيش حياة خالية منك:
ديسمبر 1945عزيزتي إيميليا
تحية الوطن والقضية الزائفة وعيناك أما بعد:
إن كنت تقرئين أسطري هاته فذلك يعني بأنني إلتحقت بالركب،أنا ميت لامحالة، لقد ضحوا بنا من أجل قضية فرد لا وطن، ليتني إستمعت لكلامك ولم أتقدم بطلب للالتحاق بصفوف الجيش، كل شيء زائف هنا ماعداك،أنا الآن أنزف ندما على مافاتني وما سيفوتني عيشه، فنحن هنا لنفرض أفكار رجل مريض، ديكتاتوري بحت ألقى بنا في فوهة البركان وهو الآن يطلب منا أن نمنعه من الإنفجار، نحن الآن كعرائس الماريونيت، يتم التحكم بنا من خلال أفكار سامة لقنونا إياها، وطلبوا منا تطبيقها على أرض الواقع، أتعلمين أنا لم أعد إسحاق نفسه، وكأن الحرب حولتنا أعادت عجننا لنخرج على شاكلة أخرى، حين ندخلها لا مهرب من تأثرنا بها نحن نخرج منها مهشمين عاطفيا وجسديا ،لا أحد يقوى على مجاراة مزاجيتها وتقلباتها،أنا الآن خاو، أشعر بفراغ رهيب فجوة عميقة تؤلمني لا يمكن لأحد سدها سوى أشباحا تسكنني،تطاردني أينما حللت ،إنها لعنة من قتلتهم تتربص بي، ولن تتركني إلا وأنا جثة هامدة، أنا لم اعد أرى طيفك وعيناك الجميلتان ، أنا فقط أرى أعين غاضبة حمراء، تقطر كراهية وحقدا،أعين أناس أبرياء أخذت أرواحهم دون اكتراث لمشاعرهم إن هم تألموا أم لا، أنا الآن على قيد موت محتم، لم يعد الأمر كما كان في بدايته ، كنا نهاب الموت نختبئ منه كي لايحكم قبضته علينا ،أما اليوم صرنا ننام معه جنبا إلى جنب ،يرافقنا إلى كل مكان يحارب معنا، ثم مايلبث يمل منا ، يعطينا بظهره مغادرا ،تاركا إيانا نغرق في برك دماء الأعداء، وأي أعداء هم، مدنيين عزل أبرياء،نلحق به نتوسله كي يأخذنا معه، نمسكه من طرفه ولكن لاحياة لمن تنادي وكأنه يقول لنا: العذاب يليق بكم، أنا الآن اشعر بقرب عائلتي مني أكثر من أي وقت مضى، هم هنا يمدون لي أيديهم وفي كل مرة أحاول الإمساك بها تتلاشى، أنا ياعزيزتي منكسر ويحق لي أن اقتبس وأقول" *أنا لم أعد شجاعاً يا عزيزتي. أنا مكسور بالكامل، لقد كسروني .. هذا العالم نشيِّده فينهار، ثم نشيده ثانيةً فننهار نحن"" ليس لدي ما أمنحك إياه سوى ارتباكي ، فزعي وعدم اتزاني،أنا لم اعد وطنك،أنا حتى كمنفى لم اعد أصلح، فلتمضي قدما إيميليا، لقد قربت نهايتي قوات العدو تتقدم ومعظم من معي إرتقوا، والآن أنا اشعر بروحي شفافة،تنسل من بين يدي شيئا فشيئا، ادعي لي أن تكون نهايتي رحيمة غير مؤلمة. "إسحاق"
فزعت مثل كل مرة تقع عيناي على ماكتبته فيتمزق قلبي من بؤس الكلمات ،وشقائي الذي إتسعت رقعته حتى تكاد تشمل أملي في عودتك سالما،أعيد الرسالة إلى مكانها، نافية ماجاء فيها على لسانك لربما كتبتها ذات إكتئاب أصابك على حين غرة ، فيا عزيزي من يكتبون تحت وطأة الإكتئاب ،الحب،الخوف،والحزن لايآخذون فهم كالمجانين قلوبهم أقلامهم،أطرد وساويسي المرهقة التي دائما ما تتربص بي في هكذا وقت ، أستسلم لشيء يشبه النوم، ماهي إلا سويعة من الزمن، حتى قمت مفزوعة أتصبب عرقا، لقد رأيتك لأول مرة في منامي كنت باهتا،ملامحك مشتتة، صوتك مبحوح، ابتسامتك مجروحة تحاول إخباري بشيء لم أفهمه، مسحت العرق الممزوج بالعبرات ورحت أجهز نفسي كي أصل على الموعد،ثم مالبثت أن أنهيت تمشيط شعري، حتى سمعت طرقا على الباب، هممت مسرعة فتحته، وإذا برجل في عقده الثالث بجسم نحيل عينان غائرتان تلمعان،هندام محترم، يحمل بيده اليمنى مجموعة رسائل زينت بشرائط حمراء......يتبع
* هيمنغواي .
-
سارةقلب مشع روح شفافة