توظيف الدين والمعتقدات للمنفعة الشخصية
دراسة تحليلية لأمثلة من مرحلة الطفولة لتوظيف الدين والمعتقدات خارج مقاصدها للمنفعة الشخصية
نشر في 23 أبريل 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
الكثير من الناس يستخدم الدين والمعتقدات كوسيلة لنيل غايات معينة غير مقاصد الشريعة، حين يغلب على طابع هذه الغايات المصالح الشخصية. إذ يعتبر هذا استغلالا للدين واخراجه عن السياق العملي المنوط به. للأسف أكاد أجزم أن الكل مستعد لإمتطاء الدين بغية الوصول لهذه الرغبات حتى في أتفه الأشياء التي لا قيمة لها، مثلا مجرد إرضاء النفس والحصول على متعة معينة أو التهرب من مسؤوليات معينة يتعين على الفرد القيام بها. وبالطبع لا يعني هذا إشكالا في الدين بحد ذاته، بل هو خلل في التوظيف يساءل عنه الشخص الذي وظف الدين خارج سياقه.
دعونا في هذا الصدد نضرب مثالين من أيام المرحلة المدرسية، وكيف أن الدين يمكن أن يوظف في أتفه الأشياء وبطريقة قد تبدو منطقية وشرعية حينها. لكن إن نظرنا لها ببعض من الدقة والتحليل نجد أنها فقط مسوغات وأسباب شخصية وجدت لها طريقا أو مهربا دينيا يخدم مصلحة الشخص.
كان أحد مدرسي مادة التربية الإسلامية الذين درسوني في مرحلة ما من دراستي المدرسية يكثر من الحديث عن قصص الجن والشياطين وكيفية لبس الجن للبشر. حيث أنه كان يكثر من رواية بعض المعتقدات المتوارثة عبر الأجيال. مثلا أنه يجب التعوذ من القطة السوداء، وأن الجن قد يتشكل على شكل إنسان ولكن تبقى عليه بعض العلامات التي تكشف هويته كالحافر الذي يظل مكان رجليه. وقد كان يكثر من القصص التي كما إدعى حينها أنها حصلت لأناس يعرفهم أو أنه وصله خبرهم عن طريق بعض الثقات. وتتخذ تلك القصص والحكايات أشكالا عديدة، لكن ما أذكر منها أنه مرة تعرض أحد الجن لبشري في ليلة مظلمة وهادئة، فركب الجن مع البشري السيارة. ثم تنتقل أحداث القصة بطريقة مشوقة وحساسة إلى إختفاء البشري أو شيء من هذا القبيل. وهناك قصة أخرى لا أستطيع أن أمنع نفسي من ذكرها في هذا السياق. وهي قصة الشيخ الذي حضر إحدى العروض السحرية لأحد المشعوذين. وبينما كان الساحر يتعامل مع الجن لحمل بعض الأوزان الثقيلة فوقه كي بيهر المشاهدين، قام الشيخ بقراءة أحد سور القرآن الكريم فهرب الجن من فوره تاركا الوزن الثقيل يقع على المشعوذ مما أدى إلى موته بعد أن وقع الوزن الثقيل مباشرة على جمجة المشعوذ وقسمه إلى نصفين.
وأختم هذا المثال بحركة كان يقوم بها هذا المدرس. فقد كان يقوم بتشبيك أصابعه بطريقة معينة ثم يدعي أنه تعامل مع جن مسلم لكي يثبت أصابعه بشكل لا يستطيع أحد أن يفكهم عن بعض وبالإضافة إلى ذلك كانت تدعي الخدعة بعض الطقوسيات التي على الطلاب أن يلتزموا بها. ثم يتحدى المدرس الطلاب إلى أن يقوموا ويحاولوا أن يفكوا أصابعه عن بعضها، فلا يقوى على ذلك أي منهم حتى إن اجتمع طالبين كل منهم يشد من ناحية. والحقيقة أن الطلاب كانوا يصابون بالذهول والدهشة، ويقلبون أعينهم من هذه القوة الخارقة التي يستطيع الأستاذ تثبيت أصابعه بها عن طريقة التعامل مع الجن. ولكن لو أن الطلاب تأملوا قليلا لعلموا أن قوة قبضة الأستاذ وساعديه تفوق قوتهم بعدد من المرات لنضوجه وعمره الذي يفوقهم ببضع أجيال. ولو أن رجلا صاحب قبضة وساعد أقوى من الأستاذ لإستطاع فك تشبيكة الأستاذ السحرية.
إذا الأسئلة التي تطرح بعضها البعض في هذا المقام هي كالآتي:-
هل وظف الأستاذ الدين أو المعتقد الديني (عقيدة المسلمين بوجود الجن) لمصلحة شخصية؟ ما هي المصلحة الشخصية المرجوة من هذا التوظيف؟ ما هي الآثار والتبعات من هذا التوظيف؟
لنجاوب على هذه الأسئلة يجب أن ندرس شخصية الأستاذ الذي يطمح إلى أن يكون مدرسا فريدا من نوعه، فهو بهذه الأفعال يدخل إلى قلوب الطلاب بطرحه لهم بعض الأشياء الغريبة والعجيبة بطريقة لا تخلو من ضحك وتسلية. وأيضا يساعده هذا على أن يضبط الصف حيث يلتزم الطلاب بالهدوء كي يظل المدرس متحمسا لأن يسرد لهم بعض القصص والحكايات المسلية التي تكسر جمود الحصص الدراسية. وفي هذا فائدة للطلاب والمدرس فالمدرس يحصل بذلك على حصة تجري بسلاسة من غير إزعاج ومشاغبة. والطلاب يحظون ببعض المتعة كما ذكرنا. وقد يكون هناك دوافع أخرى تدفع المدرس للقيام بهذه الأفعال، مثلا حبه لسرد القصص، أو أنه يظن أنه بسرد هذه القصص قد يكون ذلك سببا في خوف الطلاب مما يدفعهم للتوبة والإكثار من المأثورات لدفع الجن عنهم. وأظن أننا نستطيع أن نسرد قائمة طويلة للأسباب التي قد تدفع المدرس لتوظيف هذه القصص والحكايات لمصلحته الشخصية. أما التبعات النتاجة إثر هذا التوظيف فهي كثيرة نتركها للقارئ كي يفكر فيها.
سوف أذكر مثالا آخرا لن أستفيض في تحليله. فقد كنا نحظى ببعض حصص الموسيقى في تلك المدرسة. وكانت حصصا مملة بعض الشيئ ولم تكن ممتعة إطلاقا. فكان بعض الطلاب يتحججون بحرمة الموسيقى كي يغادروا الحصة ويتجولوا في أنحاء المدرسة، بدلا من الجلوس الممل في انتظار الدور الطويل للعب آلة موسيقية غير ممتعة لوقت قصير جدا. فقد تحجج بعض الطلاب بحرمة الموسيقى لذلك غادروا الحصة وحصلوا على متعة أكبر في تجوالهم في أنحاء المدرسة والقيام ببعض المغامرات في تلك الأثناء التي سيتفاخرون بها أمام زملائهم الذين بقوا في الصف. والملاحظ أن كثيرا من الطلاب الذين كانوا يدلون بتلك الحجة كانوا يقومون بأعمال متفق على حرمتها وشدة عقابها أكثر من الموسيقى بمرات عديدة مما يبعد عنهم صفة التقوى والورع.
قد يجد أحدهم أن هذه الأمثلة تافهة قليلا أو كثيرا، لكن إيماني بقوة أثر التحليل النفسي للأحداث خصوصا تلك التي حصلت لنا في مرحلة الطفولة يجعلني أنظر للأمور من مناظير مختلفة قد تساعدنا على الوقوف على إستنتاجات جديدة. والله الموفق والهادي لكل خير.
-
أحمد رشيدطالب هندسة مهتم بالشأن العام والعلوم عموما.