حوارٌ مع صديقي المسكين
نفسي تحدّثُني....
نشر في 05 أبريل 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
-يا صديقى إنى أرى فيك مسحة انكسار وندم تكسو تقاسيم وجهك وإن دققت النظر وجدت ظلاااااما يعم نهار قلبك فإن دققت أكثر رأيت بريق رجلٍ مؤمن ، يشق ظلااامَ وجهه نهارُ قلبه ... ؟!!
قال المسكين صديقي كفاني عذاباً كل لحظةٍ أن يكون ثاني اثنين من أنصافي أحد أشدُ مُنغصي و مُوبخي لحقير فعلي، فأصبحتُ مُبَعثراً بين شذوذ شيطاني و نصيحة مؤمني ،فتأتي أنت وتزيد تفتيتي لثلاثة أنصاف.
-صديقي المسكين ، ما أنا بنصفك الثالث وما أنت بذي ثلاثة أنصاف إنما أنت بذي عذابين ، لا ترتحل من واحدٍ إلا لتأخذ راحةً من عذاب إحداهما نحو عذاب الآخر.
قال المسكين:صديقي وكيف يكون نصفي المؤمن هو إحدى مُعذبي ؟!!
-صديقي المسكين دعني أولاً أخبرك عن مدى هوانِ ما أنت فيه ، وذُل ما أصبحت تكتسيه ، أتعلم يا مسكين أنك أشبه ما تكون من واحدٍ وهو فى أشد بقاع اللّٰه روحانية وإيمان وأجلّها تثبيت و تبيان ، فيُخالطه ضَعفه لحظة ، يتكأكأ الضعف على رأسه كالدجاجة تأكل غذائها، فيتَّكِأُ المسكين على ضَعفه ، فيسقُط سقوطاً مُدوياً إلى أشد بِقاع اللّٰه خطيئة وذنباً ، يا صديقي أتعلم من كان مِن عِلية القوم وأعظمهم شأنا ومنزلةً ما يكونُ عليه من الهوان والسخرية والمذلة إن لَبس لباساً بالياً مُمزقاً وسار به بين الناس ، وكذا أخر شحاذاً عَفِناً وهو من أحقر القوم ما يكون عليه من المَعرة والإستهزاء إن لبس رِداء المُلوكِ وأصحاب القصور ، يا صديقي إنما أنت راحلةٌ بين هذا وذاك ، بين هذا المؤمن و ذاك الحقير ، فما تزيدُ فى داخلك إلا مَعرةً و مسكنةً من نفسك تجاه نفسك.... يا صديقي إنما أنت تائهٌ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، أنت عيبٌ بين كلا الطائفتين ،فما أصبحتُ تكتسي رِداء المؤمنِ إلا لتُرقعه ببلوى شيطانك.
قال المسكين:صديقي ، ماذا دهاك ؟! أخُلقنا ضُعفاء أم نحن من خلقنا ضعفنا؟!! أتتهمني بالسقوط والرجوع ، فماذا من كانت دنيا أفعاله كلها سقوط؟! دائماً ما أسقط و عِندها أعود وأرجع .. ألسنا فى دار اختبار إيمان؟! ونحن فى مُحاولةٍ لنحفظ اللّٰه في قلوبنا ، وما دُمنا نعود و نرجع فمن حِفظ اللّٰه لنا بما حفِظنا اللّٰه في قلوبنا ، أيرُدني إليه وهو لا يُحبني ، وما دام يُحبّني فما زلتُ أُجاهد نفسي فيه وفي حُبّه ، فإن ساقني شيطاني ساق اللّٰه إلىّ مؤمني فيرُدني من غفلتي ،فهو لطيفٌ بضعفنا عَفوٌ لجُرمنا غفورٌ لذنبنا....رَحيمٌ بنا.
-والله ما قُلت إلا صوابا ، نعم لقد خُلقنا بضعفنا ولكنّا أيضاً خُلقنا بقوتنا وفطرتنا السليمة الطاهرة ، وما كان بنا من ضعفٍ فعادَلته وساواته قوةٌ إيمانية تُقوّمُنا ، يا صديقي إنما أخشى عليك كُلَ ما أخشاه أنكَ إن عُدت ورجعت إلى رجُلك المؤمن إنما تعود لكي تسقط وتنكّب إلى رجُلَك الشيطان ، فما أصبحت تعودُ إلا لتسقط ... واعتدت على هذا ، صديقي المسكين دَعنى أُخبرك إنما عودتك هذه لنفسك لا لرَبك ... إنما تأخذ هُدنة من ذنبك ، تستريحُ من وَهن نفسك فى ذَنبها بالعُجب بها فى بُعدها عن ذنبها ، عُجبٌ لا يُورّثُ إلا وهناً على وهن ، فأنت غااارقٌ فى بَحر غرورِك بكَرم رَبّك ، صديقى هَوّن على نفسك برَبك لا بنفسك ، إمتلك نفسك بالله لكى لا تمتلكك هىّ عن اللّٰه ،اتعلم أن إيمانك هذا إنما هو بُهت إيمان ، فلو كان صديقك مؤمناً ما استطاع أن يعتاد هزيمةً من شيطانك {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل : 99-100] ، أعلِمت كيف يكون مؤمنك مُعذبك لأنه ما كان مؤمناً إنما هو شيطان نفسك ، وتلك هى المصيبة العُظمى أن يكون شيطانك هو نفسك وأنت فى غفلةٍ عن حقيقة نفسك،صديقي ليست مُصيبتك فى شيطانك إنما مُصيبتك فى غفلتك عنه.
قال المسكين:واخيبتاااه بئس ما أصبحتُ فيه !! أغلبت علىّ شِقوتي؟ ، فما بِتُ أقترب إلا لأبتعد ، إنما هى يقظة لحظة وغفلة لحظات ولحظااات ، ولكن يا صديقى لو نظرتُ إلى حالي بعين الواقع وأسبابه لأُصبت بيأس المُحاولة فلا حتى أحاول مُحاولة يائسة،وتلك هى المُصيبة الكُبرى ، إنما أجّل النظرِ من يرى حالهُ الضَعيف أمام مُسبب الأسباب لا الأسباب نفسها فيرى أمام حقير ضَعفه عظيم قوة اللّٰه إذا إتكأ عليه ، ويجد سِعة رحمته أمام ضِيق ذَنبه ولو تكرر الذَنب ألاف المرات ، فلا يعتريه وهااءٌ نفسي بعد تكرار الذنب فإذْ هو يسترسلُ فى الذنب لمَا حدث له من زعزعةٍ نفسية لعدم حِفظ اللّٰه له ، فتتساقط قوى نفسه قوة إثر قوة حتى يقسو قلبه لقساوة الشيطان داخله ، يا صديقي إنْ أنا استيقظت لحظةً وغفلت لحظااات ، فرُبّ يقظة لحظة تكون عند اللّٰه خيرٌ من استيقاظ العُمر كُله، وربّ يقظة لحظة تقضى على غفلات العُمر كله.
-صديقى ، أيُعجبُك حالك هكذا !؟ والله حالك هذا لا يُرضي شيطانك ولا مؤمنك ،فشيطانك لا يحب فيك العودة ومؤمنك لا يحب فيك التمادى، أنت مسكنة نفسك ، أنت حبيس ذنبك ، ذنبك هذا الذى تُخبئه فى مظلمة من نفسك ، ذنبك هذا الذى تحاول أن تتناساه وقت توبتك ؛ لأنك تنوي الرجوع إليه ، وكأنك تدعوا إذا دعوت اللّٰه ليخلصك منه فى تسارع و وهن إرادة منك تتمنى ألا يستجيب ، أصدقت مع اللّٰه ليصدُقك اللّٰه ؟! ، أيختبئى هذا عن اللّٰه منك؟! يا صديقى إنى والله أخشى عليك خطورة العيش بين الطاعة والمعصية لا تدرك على أيهما ستكون خاتمتك ، فافعل الطاعة إخلاصاً لله لا تخلصاً من ذنبك ، يا مسكين إنى لأخشى عليك كل الخشية أن تكون بين قومٍ ألهتهم أمانى المغفرة وقالوا كنا نحسن الظن بالله والله لو كانوا يحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل.
قال المسكين: صديقى ، كيف أصلي بل وأحافظ عليها فى أوقاتها ، ولا أقع فى دائرة هداية اللّٰه لى ، فخَلَّصَنى من ذنبى ؟!
-صديقي ، لو بحثت فى قرآنك عن فعل الإستعانة "استعينوا" لوجدته ذُكر ثلاثاً على النحو التالى
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة : 45]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153]
{قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواَ} [الأعراف : 128]
لوجدت تقديم الإستعانة بالصبر على الصلاة فى ثلاثتهم ولاحظت فى الثانية أنّ اللّٰه مع الصابرين ، فيا صديقي صلّ بالصبر ولا تتصبّر بالصلاة ، فهل قاومت ما تحب لأجل الله؟! هل استحققت كرم اللّٰه فيك ؟! .. صديقي كن من أؤلئك {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69] ، حاشاه ربّى أن يخذُلك أبداً وأنت تُجاهد نفسك فيه ، لا ينفعُ النُباح بعد الهزيمة ،و كُن دائماً ذا عزيمة ، لا تكُن ذلك الشخص الذى يبنى سداً مسيرة آلاف السنين الضوئية بين ما يعلمه و ما يفعله : سداً سيأتى يوماً ويسدُ أمامه باب ربه -والذى بابه لا يُسد أبداً إلا لقانط- ، تعلم أنّه غفورٌ رحيم ولا تعمل لأجل رحمته ، أكنت من القليلِ الذين لم يشربوا من نَهرِ الدُنيا أو اهتزوا فاغترفوا غرفةً قدر يدِهم ؟! أم كُنت من الكثير الذين شَرِبوا مِنه ؟! أين أنت مِنهم !! أكنت مِن القليلِ الذين ظنّوا أنهم مُلاقوا ربّهم فأعدّوا لهذا اللقاء وجاهدوا أنفسَهم في اللّٰه فقاوموا ما يُحبّوا وتحمّلوا ما يكرهوا لأجل اللّٰه فهداهُم سُبُلَه فأستحقوا أن يكونَ اللّٰه معهم لأنّ اللّٰه مع الصابرين ؟!! ، أصليتَ بالصبرِ على ما تُحِبُّه وتهواه نفسك فى سَخطِ اللّٰه ؟! أم تصَبّرت على وَهْنِها المشئوم بالصلاة فتزدادُ وهنْاً على وهْن، يا صديقي قم وعافر ذنبك وصارع نفسك الضعيفة وعضّ على أنامِلك أقصى صبرك عليها، ولا ترجو من الدنيا إلا ما يُغنيك عنها، وانظر إلي كلامِ الله وما صنع في قلبِك وما صنعت به الدنيا، ولا تسير فيها على وعدٍ جازم، ولا تأمنُ لها على غيرِ حقيقةٍ واحدة ما حييت تربّي بها ضميرك أنّ الزُهدَ فيها هو كلُّ ما فيها.
-
عبدالرحمـٰن علوشهايل