الغزال الشارد 2 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الغزال الشارد 2

الغزال الشارد 2

  نشر في 09 يونيو 2017 .

قطعَ وادٍ تلو وادِ ,و عبر من نهرٍ الى نهرِ، و مضى من العمر زمنٌ و هو لا يدري. زارته الفصولُ التي لم تكن تطول ،و وصل الى وادي الخيول ,رأى جواداً عربياً أجمل ما رأت عيناه له هيبةً و وقار, و الشمس من حسنه تغار , تخطو جنبه زوجةٌ تحار في وصفها الأشعار , و يتقافز بينهما زوجٌ من صغار , يشرح مرآهم الصدر ,و ينشر الفرح في النفس كما عطر الأزهار – حينها فقط , تمني لو أن له أسرة و لو رزق الصغار. أكرم الأصيل ضيافته . عجب من سلطانه و سطوة كلمته و مهابة جانبه و طيب معشره. تاقت نفسه إلى العودة .. إلى الرجوع الي وادي البنفسج, و عَذّب الشوق قلبه و أوجع. سأل الأصيل عن أقرب سبيل للعودة إلى الديار .قال : الأقرب هي الأخطر و الأبعد هي الأصعب . قال الغزال و في لهجته ثقة : بل الأقرب أرغب . قال الأصيل : خلفَ ذاك الجبلِ نهرٌ إياك أن تغوص فيه قدماك الا أكلك التمساحُ و غير لون الماءِ دماكَ , فإن قطعته ناجياً فتلك أرضُ الحمرِ المخططةِ ،إن استطعتَ أن لا تمضي بينهم ليلةً فإفعل , فهم قومٌ شديدو الخصام لا يتفقون علي مقامٍ أو مقال , و إياك ..إياك أن تكون بينهم فيصلاً أو حكما , و إياك أن تقاتل معهم في حربٍ ليس لك فيها ماءاً و لا كلأا . قال الغزال : أهذا كل شيء؟ قال الأصيل : و يأتيك جبلُ الضباعِ , كل من وصله إختفى و ضاع , و لكن الجانب الغربي من الجبل حجرهُ صفوانٌ أملس , و إن قدحته ببعضٍ منه نارهُ أولع , و ليس علي الضباع من النار ما هو أشدُ و أهلع , فإن نجوت فإنزلْ الجبلَ خفيفاً , و أرهفْ السمعَ , و رافقْ الأرنبَ، فهو لخطى الليثِ أسمع ,و إجري في متسعِ الهضبِ ،و تجنب السير في الظل و تحت الشجرِ , فبين غصونها يختبيء عدوك , و يخونك سمعكَ و بصرك. و حين ذاك ليس بينك و بين وادي البنفسج سوي النهر تجتازه.

طابَ الحديثُ و أنُس السحر , و استأذنهم بالغياب القمر , و غشى النوم أعينهم وإستقر. و أفاقت الكائنات على النور , و الثغرُ باسمٌ و الوجوه علاها السرور , و أراد أن يسأل الأصيل عن أسرار الغابة و الكائنات , و لكن خبراً أتى به الناظر – و هو حصانٌ يعلو الجبل يحرس الواد و الطريق يناظر- البشر الأشرار قاربوا على الديار , و في التوِ .. أخذ الأصيلُ القرارَ : علينا الرحيل و لا إنتظار. التفت الى الغزالِ الشارد ِو قال :عدْ الى وطنك الآن … و إمض الي طريقك بلا توان. عجبَ حين أمرَ الأصيلُ القومَ بالإختباءِ في كهفٍ مخفٍ في الجبل , و أمر اثنين من رفاقه بالذهابِ لمواجههِ البشر.

أراد أن يعرفَ مكانَ الكهفِ , و أن يشهدَ ما يصيرُ اليه حالُ الأصيلِ ,و قد علم أنه يريد أن يشّغلَ البشرَ عن مكانِ الكهف ليحمي القطيع .. و إن كان هو الفداءُ و الثمن. رافق الركب إلى كهفٍ في عمق الجبل ,و تلاشى كلُ صوتٍ , و لكن صوتَ الخوفِ و الترقبِ أعلى من أن تحتمله أذناه , فغادر الكهف يجري يسابق الريح الذي بدأ يقتلعُ صغارَ الشجر , و بدأ المطرُ بالنزولِ , و الرعدُ غاضبٌ و نذيرٌ بمصيبةٍ أكيدةِ الحصولِ . و فجأة توقف المطرُ , و سكنَ الكونُ سكوناً غريباً , و علا من بعيدٍ خيطُ دخانٍ ,أخذ يقترب منه في حذرٍ , و إشتم رائحةً ذكيةً ,و سمع أصواتٍ ضاحكة ً, و بالنصرِ منشيةٍ.

تلصصَ خُفيةً , و اذ بالأصيلِ جراحه تدمي , بالسلاسلِ مقيداً .. كسيرَ القلب ,منكسَ الرأسِ . أحسْ به الأصيلُ و رفاقه ،و نظرَ اليه غاضباً .. أيها الشاردُ : إن الفضولَ سهمٌ قاتلٌ .. أترى ذلك الشواءَ .. و الرائحةَ الذكيهَ التي تملأُ الفضاءَ .. ؟ انها لحمُ غزالٍ .. إبتعد عن قطيعه بضعَ خطواتٍ ,و ما الهلاكُ إلا من صغارِ الزلات, فإرحلْ إلى طريقِ النهرِ , و إياكَ أن تعودَ إلى الوادي , فالمطرُ توقفَ عن الهطولِ , و ستتركُ خطواتكَ أثراَ لن يزول …و حينها يتبعك البشرُ إلى كهفِ الخيول . إرحل قبل أن تمسي ذليلا ً أو مأكول. لم يعدْ يحسُ بقدميهِ كيف تركضان , و لم يعد يرى سوى أفقاً فسيحاً أزرقا … ليس يدري أفي خوفهِ … أم شوقهِ .. الي الوطن يغرق … !



  • 4

  • راوية وادي
    كاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.
   نشر في 09 يونيو 2017 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 7 سنة
اسلوبك في السرد جميل ..
0
راوية وادي
شكراً جزيلاً
Sima منذ 7 سنة
اسلوبك جميل في الكتابة.
0
راوية وادي
شكراً عزيزتي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا