من العصيب أن تتحول القضايا الكبرى إلى مجرد نكت عابرة ومحطات للسخرية، هذه إحدى علامات النضج في الوطن العربي، فقدان الحماس وافتقاد الغيرة على الحق، إنها إحدى علامات العجز أيضا ، كلنا ندري بيقين أن امتعاضنا أو رضانا لن يؤخرا من الأمر ولن يقدما منه شيئا ..
أتحسر على أيام الحماسة والعنفوان، يوم كنا نظن أن توقيعا موحدا في منتدى ما سيغير موازين القضية ، يوم كنا نشهد الليالي البيضاء في متابعة تطورات حدث ما يهم البلاد والعباد وكأنه قضية شخصية مصيرية يستحيل تفويتها، ونفتح الصفحات تلو الصفحات لنتابع ونرصد ونحلل، ونصنع الملخصات و التصاميم والبروموهات بحثا عن مجد ولو من ورق ..
وقتها كنت أرمق ضحكة أخي الساخرة بغضب وهو يغالي في الاستهزاء بـ"جهادنا المقدس"، وهو هو نفسه الذي كان ذات عنفوان يتابع بقدر ما أحداثا غابرة بذات الحماس والترقب قبل أن يباغته النضج قبل أوانه..
كتبنا ذات حرب في تواقيعنا : نريق أوقاتنا من أجلكم ونسفك ساعات من أعمارنا على مذابح نصرتكم .. الآن أنا من تضحك بقهقهة عالية حينما أتذكره، فقد تيقنت أن ساعات أعمارنا قد ذهبت هباءا، ومن كنا نزعم أننا ننصرهم قد قضوا هباءًا أيضا ..
لقد كان وهما جميلا أفقنا منه بسرعة، وما كان لنا أن نفيق، فالحياة لأجل قضية هو مرادف مفصل للسعادة ، السعادة في هذا السياق لها ضريبتها أيضا، وهو الوعي، هذا المتطفل الدّعي الذي فتح عيوننا على البشاعة بعينها حينما غزانا ذات نضج ..
من الصعب أن تحيا من أجل قضية في هذا العصر المثخن بالفردية ، والاستعراض ، العجز ، والحصار، كل المنافذ مغلقة والأوضاع المتشابكة تلغي كل حل على المدى القريب.. لقد جئنا الى هذا العالم لننتظر ..لننتظر بزوغ ثغرة في تعقيدات الاوضاع نأخذ منها طرف خيط ونبدأ بنسج البدائل ..جئنا لهذا العالم فقط لنسخر ..لنستبدل جدية الموت ووخز الألم بنكتة سمجة ودعابة مملة تتبعها قهقهة عالية تختمها: "شر البلية ما يضحك" عنوان توقيعنا الجديد والأبدي ..
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
أسعد كثيراً حينما أجد لكِ مقالاً جديد فأقرأه بتأني محاولةً ألا أصل إلى تلك النقطة ، "النقطة القاصلة "..
دمتي رائعة.