قد يتداول الكثيرون منا ألفاظ غير محددة المعالم أو واضحة الدلالة ، ومن ذلك ما قد يطلق على البعض في مناحي مختلفة ومجالات شتى - وبخاصة المجال الديني - مثل لفظ طلبة العلم أو العلماء ، وفي الحقيقة لا يوجد معيار علمي واضح أو مواصفات محددة تمكننا من التيقن من دقة وسلامة إطلاق ذلك المصطلح علي هذا الشخص أو ذاك .
بمعني أدق فإنه لا توجد حدود فاصلة بين انتقال ذلك الشخص من صفة طالب علم إلى صفة عالم .
ولمزيد من التوضيح حول هذا المفهوم دعوني أطرح عليكم التساؤلات التالية:
هل يتحول الإنسان من طالب علم إلي عالم بعد قضائه عدد معين من السنوات في دراسة تخصصية في أحد المجالات .. خمسة عشر أو عشرون عاماً مثلاً ؟!!
أم هل يتحول الإنسان من طالب علم إلي عالم عند نيله لدرجة علمية معينة في ذلك التخصص .. مثل ماجستير أو دكتوراة أو أستاذية ؟!!
أم هل يتحول الإنسان من طالب علم إلي عالم عند صدور عدد معين من المؤلفات له في ذلك المجال .. خمسة أو عشرة مؤلفات علي سبيل المثال ؟!!
أم .....؟!!
أم ......؟!!
والحقيقة أن مثل هذه التساؤلات التي لم يلتفت إليها الكثيرون تفتح الباب أمام العديد من المناقشات والمداولات ، حيث أن تصحيح هذا المفهوم سوف يؤدي إلي فلترة المناخ العام في اي تخصص كان من أشباه العلماء الذين قد يتخيل العديد من عامة الناس أنهم في مصاف العلماء ، وأنه يأخذ منهم دون مناقشة ، وأنهم يتابعون في ما يقولون.
وأنا هنا لا أقلل من طلبة العلم فإن لهم قدراً ومنزلة ، وطلب العلم من أعظم الأمور لا مخالفة في ذلك ، وإنما قصدت هنا من يظن نفسه أنه قد أصبح من العلماء ، وهو ما زال في الحقيقة يخطو خطواته الأولى في طلب العلم .
وكما قلت سابقاً أن عدم وجود معيار واضح ومحدد يؤدي إلي الكثير من الإشكاليات .
وسوف أحاول هنا أن أضع معياراً يمكن الإستناد إليه في التصنيف كعالم .
المعيار الفاصل بين طالب العلم والعالم
هذا المعيار الذي يمكن الاستناد إليه ، والتصنيف من خلاله هو معيار يقوم في أساسه على تقدير القيمة العلمية لما يقدم من هذا الشخص ، والذي يمكن إيجازه وبلورته في مصطلح " القدرة على التجديد" .
نعم القدرة على إحداث فارق في ذلك المجال أو التخصص ، فمن كانت كل أقواله أو كتاباته تتضمن قال العالم .... (يذكر إسم أحد العلماء السابقين) ، أو كتب العلامة ... ، أو ورد في أحد المؤلفات للعالم ... (يستمر في ذكر السابقين سواء كانوا قدامى أو معاصرين ) ، دون محاولات استنباط للجديد ، أو نقد للقديم ، أو تجديد للمفاهيم القائمة ، أو إقرار مفاهيم جديدة ، هذا الصنف لا يمكن تصنيفه بأي حال من الأحوال على أنه من العلماء ، حتى ولو حفظ جميع مؤلفات من سبقوه.
فمن وجهة نظري أن الإنسان لا يبلغ مرتبة العلماء ببلوغ سن معين ، ولا يبلغها بالبحث والدراسة لعدد معين من السنوات ، ولا يبلغها بالحصول على درجة علمية ، ولا بإصدار عدد معين من المؤلفات .
فكل ذلك يمكن أن يحدث ويظل هذا الشخص حبيس منظومة التقليد ، والإقتباس ، والإجتزاء ، دون أن تكون له بصمة واضحة حقيقية .
ومن خلال هذا المعيار والمقياس يمكن أن ندرك فداحة الوضع القائم.
واستناداً إلي ذلك فلن نجد لدينا خلال العقود الاخيرة من يمكن وضعه على قائمة العلماء سوى عدد محدود لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة على أفضل تقدير .
وهذا في الحقيقة أحد أهم أسباب تدهور الأمة خلال العقود الأخيرة .
ولن يتسنى لنا أن ننهض من جديد إلا إذا تنبه الجميع إلي ذلك ، وتضافرت الجهود نحو إعداد جيل من العلماء الحقيقيون القادرين على تجديد المفاهيم والخروج من بوتقة التقليد والتكرار إلي رحابة التجديد والابتكار.
-
D. Ahmed Hassanienخبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .