قال أحدهم لن ينزل الغيث، و قال آخر لن نأكل الفواكه صيفا، و دمع الحزين اليائس ضاعت الأرض وهلك الناس. و إذا بالقطرات تطرق الأبواب و ترسم البشرى و تهدم الأحكام السامة، في مشهد إلاهي تتجسد في طياته الرحمات و يزكم أريجه الأيام والليالي ناشرا الطمأنينة و السلام .
ففي موسم الغبار ترحل الصحراء حاملة معها الزوابع و حجاب الشمس لتزور القصور والقلاع والحصون، وتلج الزوايا المصانة القابعة في الدهاليز و كأنها تذكرنا بإستحالة التخفي من رسائل المولى عز و جل و لو في البروج المحصنة. ثم بعدها تحط الرياح رحالها لتعصف و تهب حاملة بشرى الموسم وهي تتلاعب بالشجر و الحجر، مسافرة بالغيوم و الندى و الضباب . و إذا سكنت النفوس وارتسمت السعادة و السكينة فذلك لأن مرسل السحاب قد إستجاب لإستسقاء الصالحين الركع و تسبيح الدواب الرتع والصغار الرضع، فيجوب الماء المنهمر الشوارع و الطرقات والجبال، و يتخلل بين الزروع واعدا بالثمار و الزكاة يوم الحصاد . و تكتمل القصة بوصول خبز الشعير للمائدة و إدراج فاكهة التحلية في السهرة و إخضرار السهول في الرحلة الأبدية للنعم التي لا تحصى.
فالحقيقة الماثلة على صدر صفحات التاريخ في عز الأزمة أو الرخاء أن الأمر كله بين الكاف و النون سواء أتقيت أم كفرت، لن يزيد أو ينقص قيد أنملة من ملك الله، و لن يؤخر أو يستعجل قرارا أو قدرا، فالصحف جفت و الأقلام رفعت و الأمور حسمت و لا ملجأ من الله إلا إليه. فالغيث لغة رحمة و عطاء و موطن إستجابة الدعاء و تحقيق الآمال و تطهير النفوس، تدرك معانيها الجوارح الطاهرة الحامدة الشاكرة الذاكرة لآلاء لا تعد و لا تحصى، الممتنة لشكور رحيم ملاذ الحزين و الفقير و البائس و حاكم القدر والجزاء، فبين القطرات رسالة و بعد الهطول حكمة و بعد الشكر و الإستغفار زيادة .
محمد بن سنوسي
17 مارس 2022
-
بن سنوسي محمدمدون حر اطرح افكاري و اسعى للمشاركة في اصلاح المجتمع