خيال بين دروب الجامعة ...
كان إحساسه بالحرية الجميلة رائعا ! فهو لأول مرة في حياته يعيش وحيدا ، بين كتبه ، و في منزل مستقل بذاته ، و كان السكن فوحيدا في حد ذاته ، شيئا جميلا ، و داعيا إلى التبرم في آن ، ذلك أن الإنسان خلق ليكون كائنا اجتماعيا بطبعه ، يأنس و يسكن إلى من هم يوافقونه في نفسه و عقله و مناط عيشه المسار ! كان البيت على صغره النسبي جميلا ، يتوفر على نوافذ تطل على مساحات لا بأس بها من الخضرة ، تنقلب شتاء إلى بياض بلون الشتاء !
و كان عليه أول الأمر أن ينظف شقته الجديدة ، و يعيد صباغة حيطانها ، و كان عليه أن يعتمد في كل هذا على نفسه ن لأن عمال الصباغة في ألمانيا كما هو الشأن بالنسبة لعمال كثر في مجالات كثيرة ، يشترطون سومة عمل كبيرة بالساعة ، الشيء الذي يثقل ظهر الأغلبية هناك في ذلك البلد ، فكان حتى الألمان يعتمدون على أنفسهم و أصدقائهم في صباغة دورهم ، الشيء الذي يوفر عليهم أوروهات كثيرة ، تذهب إلى جيوب العمال ! بدأ بالصباغة ، و حاول إتقان عمله ، بعد أن ابتاع معدات الصباغة ، ثم خطرت له فكرة أن يصبغ الأرضية الخشبية التي يتكون منها منزله ، كل منزله ، فكان أن صبغه بالأزرق الفاتح ، فكان الداخل إلى منزله ، كالداخل إلى حمام سباحة مفتوح ! و كانت الأرضية جميلة فعلا ، كان أول مرة يعيش فوق أرضية خشبية ، فكان حينما يتمشى فوقها ، يسمع أزيز الخشب ، كصوت شيخ كبير ، و يذكره كل ذلك بعصور أوروبا الوسطى !
فصل الشتاء هنا في ألمانيا ، فضاء مفتوح للكتاب ، أن تأتي بكأس شاي ساخن و بعض الحلوى ثم تجلس أمام الثلج المتساقط على الأرصفة و الطرقات و أسقف البيوت ، كفيل بأن يجعل الأفكار و المشاعر تنصب عليك كالنحل ينصب على حقل من حقول الرحيق ! و الأجمل فعلا في هذا البلاد ، أن مسؤوليها ، فكروا حتى في فصل الشتاء الشديد الوطأة ، فزودوا كل البيوت بالتدفئة داخلها ، و يقتطع واجبها كل شهر ضمن فاتورة الكهرباء ، فكان الأمر هكذا في المانيا ، يمكن أن تتجمد الطرقات و الشوارع ، غير أن المنازل مدفئة تدفئة أوتوماتيكية ، بكبسة زر ، أو دوران مقبض ! بلاد جميلة ، ذهبت حد الإتقان في تعاملها مع مواطنيها ! حتى إذا دفعوا فواتيرهم ، دفعوها و هم يعلمون أنهم لم يُهضم لهم حق قط إلا فيما شذ من حالات ! و إنه ليذكر ، أنه سمع من عامل في مجال الطاقة ، كيف شهدت ألمانيا كلها انحباسا في أنفاسها و أنفاس مسؤوليها ، حينما انقطع التيار الكهربائي بالكامي في ولاية ساكسن السفلى بكاملها ، نتيجة عطب كبير ، و تساهلت الحكومة في تقيي المشكل ، فكانت فضيحة مدوية لها على صفحات الصحافة ، و بين المواطنين ، و اضطرت الحكومة في الأخير إلى الإعتذار بشكل مباشر لسكان الولاية ، مؤكدة عدم تكرار هذا الأمر مستقبلا ، و فعلا لم يتكرر ، و استطاعت الحكومة أن تسيطر على مجال الطاقة في البلاد ، و فتحت المنافسة في سوقها لشركات كثيرة ، لكي تقضي على الإحتكار ، فكانت الدولة و الخواص يتنافسون فيما بينهم في تزويد المواطن الألماني بالطاقة ، و كان المستفيد في الأخير ذلك المواطن الألماني ، الذي يعامل كملك !
اليوم هو أول أيام دراسته ، خرج من منزله ، يملؤه الحماس ، رؤية أخرى ، أخيرا هو هو يسعى إلى هدفه المنشود ، يسارع الخطى ، يكاد يسابق البلابل و الحمائم المنتشرة هنا و هناك ، تسعى للبحث عن رزقها ، يحيى هذا و ذاك ، ممن سمحت له الفرصة بالتعرف عليهم ، و بريق في عينيه يسارع خطاه ، و سلك طريقا كلها أشجار ، و زقزقات الطيور تملأ أذنيه ، و هو يحمل بين جنبيه ، فرحا و سرورا ، و أملا ، و أشياء لم يقدر على وصفها في حينها ، حتى و إن كان خطى خطوات في مجال الكتابة ، غلا أن ذل ككان أكبر من كل استيعابه ، فرحة طفل بلعبته ، فرح لا يكاد يطيقه ، كذلك الذي كان به يحس حينما كان يؤم مدرسته ، حين الصغر ، عالم مصغر ، عالم جميل ، عالم التحصيل ، شيء آخر خارج هذه الدنيا ، كوكب يدور في فلكه الخاص ، و كان طوال الطريق يتذكر أفراد عائلته الصغيرة ، و كأنما يواعدها عن بعد ، كأنما يخاطب أباه ، أنه في الطريق إلى دنيا افتخاره به ، و رغم برودة الجو إلا أنه بدا كزهرة يفوح من جوانبها كل طيب الدنيا ، و كان يحب أن يحيي كل الدنيا ، حتى المخمورين الذين احتلوا فضاء هذه الغابة الصغيرة الجميلة ، و إنه ليجهل السبب الذي يجعل بعض الشباب ، يفر من هذه المتعة الكبيرة المسماة جامعة !
أقل ما يمكن أن يصف به جامعته التي فيها سيدرس بأنها قصر من القصور !
و لم يكن ذلك الوصف مجازا أو تورية ، بل كانت فعلا قصرا متكاملا ، كان يملكها أحد امبراطورات ألمانيا ، و كان يسكنها ، ثم تحولت مع مرور الزمن ، حلول الديموقراطية ببلاد الألمان ، إلى فضاء فسيح للتحصيل ، يتقدمها تمثال كبير لحصان منحوث ، يكاد من براعة ناحثه ينطق ، غير أن منظره ترك في قلبه منظرا مشمئزا ، ذلك أنه تذكر حرمة التصوير و النحث في دينه ، فمر عليه مر الكرام ، و وقف قبل دخول أبوابها الزجاجية الإلكترونية يتأملها ، إنه فعلا قصر قديم يذكر بالعصور الوسطى ، حينما كان البارونات يسيطرون على هذا المكان ، عجيب أمر هؤلاء الألمان ، يحولون تحفة فنية رائعة كهذا القصر إلى فضاء للتحصيل ، و زاوجوا بين عراقتها ، و بين التكنولوجيا ، فكانت الأبواب الإلكترونية تتماشى و تتناسق مع عراقة المكان تناسقا عجيبا ، دخل الباب ، فتراءت له ساحة واسعة ، واسعة جدا ، مقسمة أقساما عدة ، ففي أقصى اليسار ، صففت حواسيب متصلة بالإنترنت ، لتسهل على الطلبة بحثهم ، و في الوسط ، صففت كراسي ، من نوع فاخر انتظارا لاجتماع طلابي قادم ، و في جوانبها تتفرع طرق توصل إلى مختلف الجهات ، ثم أدراج توصل إلى الطوابق الأخرى المتبقية ، إلى بيوت و شقق القصر ، حيث يتم إنتاج العلم !
رأى أناسا و طلابا ، و ترائى له كل ذلك ، كخلية نحل نشيطة ، فهذا يبحث في الإنترنت ، و تلك ، تداعب حاسوبها المحمول ، و تواصل بحثها عبر الإنترنت ، بفضل تقنية الواي فاي التي توفرها الجامعة لجميع الطلاب ، فعلا كانت دولة تحترم أناسها ، و تحترم الطلاب ، على اساس أنهم مستقبل الغد ، و حاملوا شعلة ألمانيا من بعد حامليها اليوم ، و فرح أشد الفرح ، كون القدر أتاح له فرصة القدوم إلى هنا ، كما لم يجد كلمات يصف بها الفرق الذي يفصل جامعة في المانيا ، و جامعة في بلاده أو في أي بلاد من بلاد المسلمين ، و هنا يتحدث عن الجامعات الطلابية العامة ، و ليست الخاصة ، لأن هناك جامعات خاصة في مختلف بلاد المسلمين ، توفر الخدمات نفسها التي توجد في ألمانيا ، غير أن تكاليفها باهظة جدا !
راح يتجول بين اقطار جامعته ، و يتخيل نفسه كأمثال هؤلاء ، الذين تزين صورهم جدر القصر ، تلاميذ مروا من هنا ، هم اليوم أساتذة كبار ، و صور لعلماء ألمانيا ، و صور لأشخاص بارزين عالميا مروا من هناك !
خرج من الجامعة ، متع نظره بشكل الحشائش المختلفة ، و الورود التي تزين حديقة القصر ، فرجع قرونا إلى الوراء ، و تخيل نفسه بين بارونات ألمانيا ، و إقطاعييها ! يا له من جمال !
في أقصى يمين الحرم الجامعي توجد مؤسسة قائمة بذاتها ، تهتم بشؤون الطلاب ، و تتولى البحث لهم عن الإقامة و السكن ، و فرص العمل ، و يؤمها الالمان من خارج المدينة ، و الأجانب الذين لا مأوى لهم ، و كانت للجامعة ، أحياء ساكنية ، خاصة للكراء بأثمنة مناسبة للطلاب ، حسب كبر مساحة هذه الأخيرة ، و كانت هذه المؤسسة فعلا تقدم الكثير من المساعدات للطلبة ، بل كانت في بعض الأحيان تدفع مصاريف المحامي لطالب أجنبي يسقط في حرب مع شرطة الهجرة ، و شعارها في كل ذلك ، ألمانيا ، ليست فقط للألمان!
كان ذلك اليوم يوم اكتشاف للمكان الذي فيه سيعيش بكل حبه ، بكل عواطفه ، و بكل أشيائه لمدة ليست بالقصيرة ، لذلك لم يلزم نفسه بحضور حصة التعارف التي تنظمها الجامعة ، لكثرة الإختلاط أولا ، و ثانيا ، لأن كل ما رآه سلبه ، و تركه في حيرة من أمره ، يراقب أشياء جعلته يتيه في عالم خيالي ، مثالي ، بعيد كل البعد عن الواقع الذي كان يعيشه في بلاده ، و أصبح كخارج من بحر ، فالشخص الذي يكون وسط بحر هادئ ، تترائى له المياه كلها في زرقة واحدة ، و ليس كالذي يرتقي في سماء ، فتترائى له زرقة المياه مختلفة ، فهذه زرقة داكنة ، و هذه باهتة ، و تلك صافية ، فأصبح برحيله إلى دنيا الألمان ، يكتشف شيئا فشيئا ، العيوب التي كان يعيش فيها ، و التي لا يصح لمسلم أن يعيش فيها أصلا !
في الساعة الثانية عشرة ، أحس بألم الجوع في بطنه ، و كان قد قرأ في مخطط الجامعة ، أنه و في أقصى اليسار ، يوجد مطعم الجامعة ، و خال أنه مقهى صغير كذلك الذي رآه في جامعات بلاده ، و لكنه ذهل حينما دخل ، فمطعم الجامعة ، كان عبارة ، عن مكان فسيح جدا ، بطاولات مصفوفة ، و في الوسط ، وقف 7 طباخين ، بسعر في متناول الجميع ، كان الطبق المليء بمالذ و طاب من مختلفة الأطعمة ، و كان الطالب يختار ما يأكل ، حسب مصروف جيبه ، فقرر أن يجرب هذا المكان ، و تجنب أكل اللحم رغم أنه لحم بقر ، لشكه في أنه غير مذبوح ، بل مقتول ، غير أنه استمتع بأكلات جميلة ، لذيذة ، من أيدي طباخين مهرة ، و حاول أن لا يعتادها ، ليس بسبب تكلفتها ، و لكن خوفا من أن تعلمه الكسل ، فهذا المطعم يفتح أبوابها نهارا و مساء من اجل العشاء ، و هاب أن يسقط في فخ الكسل ، كلما كانت أبوابه مقفلة لسبب من الأسباب !
و وفرت عليه الجامعة ، مصاريف التنقل ، فبمجرد الإلتحاق بها يستخرج للطالب تذكرة لمدة 6 أشهر يستطيع أن يتنقل بها بالمجان في كل ولاية ساكسن السفلى و التي تمتد لمسافة طويلة ، و هو ما أعجبه بشدة ، لكونه يحب السفر ، و التنقل ، و اكتشاف الكثير من الأشياء !
بكل بساطة ، كانت ألمانيا فعلا أرضا و ملاذا قويا لكل طلاب العلم ، فهي توفر كل الأشياء الضرورية من أجل مستقبل طلابها ، و تنتقي من بين الطلاب الأجانب الأكفاء في المجالات التي تحتاجها ألمانيا من أجل الرقي !
وراء الحرم الجامعي ، اصطفت أشجار عملاقة ، مكونة مساحة خضراء ، جميلة ، كأنما مصفوفة هي لأمثاله ، محبي الراحة و الهدوء الفكري ، كان يأخذ فيها ما يشبه القيلولة ، ليحس نفسه في عالم آخر، عالم لا علاقة للدنيا و لا ألمانيا و لا أي مكان فيه ، عالم خيالي جدا ، يرافق فيه أفكاره ، ترحل به إلى حيث لا يدري ، كل يوم هو في محطة ، يترك لها أمره ، و يشدو هو بما تجود عليه هي من عسل حبيب ، يا إلهي ، هذه النزعة الأدبية التي غرست فيه منذ صغره ، و إنه ليتذكر ، أنه كان حينما يخرج مع والديه ، و حينما يرقب في الشارع صحيفة ملقاة ، كان يسرع إليها ، و يأخذها ، و يبدأ في محاولة قراءتها ، و هو ابن 4 سنوات ، و كان أبواه يضحكان منه، و من براءته ، و لم يعلما أن سوط الأحرف غرس بين لحمه و دمه و عظمه ، حتى لم يستطع أن يتركها قيد أنملة ، باتت ترافقه أينما حل و ارتحل ، كأي معتوه ، يدخل في عالمه لخاص كلما باغتته نوبته ، ليجد نفسه في عزلة عن العالم !
على بعد أمتار كثيرة من الحرم الجامعي ، يوجد البهو الرياضي للجامعة ، و كان له الحق كطالب أن يمارس الرياضة ، حسب جدول زمني تحدده إدارة الجامعة ، حسب التزامات المدربين ، و كانت الجامعة حريصة على توفير الكثير من الأنواع الرياضية ، ابتداء من اليوغا و تهدئة النفس مرورا بكرة القدم و السلة ، و انتهاء بالرياضات الحربية ، و كانت فرحته كبيرة ، فقد كان يحب الرياضة و يمارسها ، غير أن مشكل الإختلاط كان يشكل له عائقا كبيرا أمام متعته !
اختار أول ما اختار كرة السلة ، و التي كان يمارسها في بلاده ، لكونه طويل القامة ، طولا يشد الأنظار ، ثم عرج على الكونغ فو الذ كان يمارسه أيضا ، و هي الرياضة التي عمرت معه طيلة أيامه في المانيا ، و تعلم منها الشيء الكثير ، متغلبا أخيرا بفضلها بعد فضل الله تعالى على نوبات غضبه ، و التي كانت تكون شديدة في بعض الأحيان ، و في ظروف لا يتحملها هو ، مثل أن يعاكس أحد محارمه ، فكان لا يقنع بنهر المعاكس ، بل كان لا بد أن يترك له إمضاءا شخصيا أو أوتوغراف في مكان ما من جسمه ، ما سبب له الكثير من المشاكل ! ذلك الشيء المقيت الذي ما فهمه يوما ، كيف لشخص ما أن يعاكس امرأة لا يعرفها ، و أن يلقي على مسامعها ألفاظا لا تقال إلا للأزواج ، شيء مقيت للغاية ، و ما كان يتساهل في هذه القضية بالذات ، و هو الآن ، و رغم تحكمه في نوبات غضبه ، ليستشيط غضبا إذا ما مس أحد محارمه بسوء أو أذى ، إلا أنه لم يعض يعطي ليديه و رجليه فرصة التكلم ! و كانت سويعات الرياضة التي يقضيها ، تحتل مراتب الشرف الأولى بين سويعات الأسبوع ، فحينما كان يدخل الحرم الرياضي ، تكاد روحه تطير و ترفرف ، من فرط الإحساس الذي يعتريه و هو يمارس لعبته المفضلة ، و كان حين التدريب ، يتدرب تدريبا شاقا ، فيه للإخلاص جانب بير من الإمتياز ، حتى أنه كان بعد رجوعه إلى المنزل يأكل ما تيسر ، و يستلقي فوق سريره منهك القوى
كانت الدولة الألمانية تضخ الكثر من الأموال في مجال البحث العلمي ، و تجدد جامعاتها باستمرار ، و تزودها بالمعدات الكفيلة بتحفيز الطلبة و الأساتذة على البحث العلمي و التحصيل ، كانت أهداف الحكومة الألمانية ، أن تصبح المانيا من الدول المتفوقة علميا ، و هي كذلك ، و لا عجب ، فبلاد ، يحترم طلابه منذ صغرهم ، و يفتح لهم آفاقا واسعة كبيرة ، من اجل الإسهام في الرقي بالبلاد ، لبلد يستحق أن يصل إلى مصاف النجاح كل عام !
إلى جانب القصر الجامعي الكبير ، توجد مكتبة كبيرة جدا ، فيها من المراجع و الكتب و الصحف و المجلات و البحوث ما الله به عليم ، و كلها في حالة جيدة جدا إن لم نقل جديدة ، و كان الطلاب يتوافدون على هذه المكتبة بشكل دوري يوميا ، فلا تكاد تخلو منهم ، كخلية نحل ، و كان الصمت سيد الموقف فيها بحيث يندر أن تجد طلابا أتوا إلى هناك من أجل الدردشة ، إلا إذا كانوا عربا للأسف ، حوت هذه المكتبة رفوفا كبيرة طويلة ، و كان على الطالب البحث بنفسه عن بغيته ، رفوف مرتبة حسب الكتب و الأصناف ، و كانت الرفوف تتوفر على ما يشبه السلم ملتصقا بها يتحرك من اليمين إلى اليسار و العكس ، ليسهل على الطلاب الوصول إلى الرفوف العليا نسبيا ! كما تتوفر على مكتبة صوتية و مرئية ضخمة جدا ، و يمكن للطلاب بعد كل هذا أن يطالعوا الكتب و المواد هناك ، أو أن يستعيروها ، بعد أن تمرر سكرتيرة المكتبة بطاقة الطالب المغناطيسية الإلكترونية ، فيأخذ الحاسوب كل المعلومات المطلوبة ، و يسجل في البطاقة عدد و أسماء و أنواع المواد المسحوبة و عنوان الطالب ! كل شيء هنا يحث على العلم ، كل شيء هنا يهرب من ماض أسود عاشت فيه أوروبا ، و استطاعت الخروج منه ، بطلب العلم ، من أقوام يسمون العرب ، كانوا في يوم من الأيام ، مثل أروبا اليوم ، لكنه الكسل …
بعد انتهاء يمه الأول في الجامعة ، خرج يترجل إلى منزله ، رغم المسافة البعيدة نسبيا التي تفصل الجامعة عن بيته … في فصل الشتاء ، تصير فترة عمل الشمس أقصر من المعتاد ، فتغرب باكرا ، في الرابعة مساء ، تغيب الشمس عن مدينته التي توجد أقصى شمال ألمانيا في اتجاه الدانمارك ! و كان الكل يسرع الخطى في اتجاه الدفئ أينما وجد ، سواء في المتاجر أو في المنازل و المقاهي ، و كان شهر نونبر هو بداية لتحول ألمانيا كلها ، من أقصاها إلى أقصاها إلى احتفال يدوم الشهر و نصف الشهر بأعياد الميلاد ، فكانت ألمانيا تتحول في الليل من هذه الفترة ، كل مساء إلى ما يشبه اللالئ ، الأضواء في كل مكان ، و دمى السانتاكلاوس منتشرة هنا و هناك ، و الآباء يصحبون أبناءهم من أجل اقتناء هدايا عيد الميلاد ، كان المنظر رائعا حقا ، من أجل ذلك تحدى رغبته في ركوب الميترو الدافئ ، و ترجل من أجل أن يستمتع بكل هذه المناظر الخلابة ، و كان وسط المدينة ، هو المنطقة التي تحظى بنصيب الأسد من الزينة ، و ذلك لتجمع الناس كل يوم هناك ، و لوجود المحلات التجارية الكبرى ، و محطة القطار !
شغل جهازه المحمول ، و انطلق يبحث عن اللذة الجميلة التي تخلقها كل هذه الزينة في قلبه ، غير مبال بشيء ، اقتنى قهوة من كشك ، و ارتشف منها رشفات ساخنة ، و ذاب كما يذوب السكر في الشاهي المعتق ، كل هذه الأشياء ، أحبها جدا ، و أكثر أحب منزله الجديد !
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة