أنتِ الحب .. وأنا لا شيء.
كما ودعتها .. أضع يدي على كتفها، تلتفت نحوي بذات النظرة المليئة بالشغف، بتلك الابتسامة الجذابة، بذات الرائحة، وذات الرعشة أضمها .. أبكي وأبكي على كتفها، تغمرني بشدة إليها .. تقلبني ..
نشر في 20 أكتوبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
سرت مبتعداً .. التفت إليها كانت قد رحلت، اختفت بين المارة والعابرين. لكن رائحة عطرها كانت ما تزال معلقة على وشاحي، كنت أتنفسها وكأنها ما تزال تضع رأسها على صدري وهي تحتضنني بين ذراعيها. شقية تلك الطفلة المدللة العابثة .. لكنها رغم ذلك كانت أقوى مني بكثير وأنا الذي اعتقدت دوماً أنني قوي كفاية لأغير كل شيء.
مرت الليلة الأولى قاسية جداً علي، كنت أشعر أن العالم كله فارغ، كأن العالم كله سافر معها وبقيت وحيداً في ذلك الحي، رغم ضجيج السيارات، وأصوات المارة .. رغم قطتي "سالي" التي كانت تشعر بوحدتي فلم تفارقني للحظة. فكرت كثيراً أن أكتب لها لكن فرق التوقيت .. قد تكون نائمة خفت أن أوقـظها ..
الصباح كان رمادياً شاحباً، خرجت إلى عملي مشتت الذهن، كانت طباعي يومها حادة، كنت أشعر بالضجر، أخذت إجازة من عملي وعدت إلى منزلي، تناولت كوباً من الشاي على الشرفة، بكيت دون أن يرى دموعي أحد.
تصلني رسالة منها بعد ساعة "لقد اشتقت كثيراً إليك.". يسعني بعد تلك الرسالة أن أنام لساعات طوال، استيقظ على رسالة جديدة " أشعر بالوحدة بعيداً عنك". نتحدث بالهاتف لثلاث ساعات متواصلة. كنت أصغي فقط إلى صوتها .. أتخيلها وهي تجلس في حضني تحدثني وهي تمثل لي بيديها الصغيرتين ما حدث، فأضع رأسي بين خصلات شعرها، أتنفسها، أحبها .. وأمارس الحب معها.
ننهي المكالمة بتنهيدة، تلك المكالمة التي كانت غريبة جداً، لقد قالت بأنها ستعود خلال ستة أشهر والآن تقول بأنها ربما .. ربما لن تعود. أسمع نحيبها، أبكي دون أن أجعلها تدرك لكنها تبكي بحرقة، تتوسلني أن أسامحها. أخرج إلى الشرفة أتنفس الهواء البارد، أصرخ بملئ صوتي، أرتدي معطفي وأخرج للجري .. تكاد سيارة مسرعة أن تصدمني، أمر بجانب المقهى حيث اعتدنا أن نشرب قهوتنا. أسير تحت الثلوج المتساقطة .. ألف وشاحها على وجهي أبكي دون أن يراني أحد.
في الخمارة أشرب حتى الثمل .. سائق التكسي يساعدني على الصعود إلى شقتي. رسالة جديدة " أنا أمر في مرحلة اكتئاب". كانت تقول لي هذا دوماً عندما تكون بحاجتي أحاول الاتصال بها لا إجابة. يخبرني صاحبي المقرب بأنه ربما علي أن أسافر إليها، لكنني أضعف مجدداً .. أعاود المرور من جانب الخمارة، أعيش الصراع بين الدخول وعدمه، مجدداً سائق التكسي يوصلني إلى سريري. أستيقظ في وقت متأخر لأجد نفسي وقد تبولت في السرير. رسالة جديدة " .... أتمنى لك حياة سعيدة. مع حبي جوليا".
وتتوقف الحياة بنا عند تلك اللحظة .. سيارات مسرعة، طريق مزدحم، متسول يدور الشارع، بائع الورد .. بائع الجرائد، عربات الفول والذرة، الدخان والضباب، وأنا أدور بين الشوارع كالمجنون، أبحث عنها.
أمارس الجنس مع عاهرة لكنني لا أقبلها، أنعتها بجوليا حبيبتي فتضحك كالمجنونة، أصفعها بقوة على وجهها، أبصق عليها فتطردني خارج منزلها العفن. أتزوج من زميلتي في العمل. سبعة سنوات من الروتين، من مواجهة الواقع البائس، أنجب ثلاثة أطفال .. أمارس الجنس، أذهب للعمل، أتناول الطعام، أحب "جوليا".
وهكذا حتى وصلت الرسالة " أنا هنا!". أقوم مسرعاً من على المائدة، أتناول معطفي، أتشاجر مع زوجتي، تهددني بالرحيل .. أشتمها .. أشتري الزهور وأهم مسرعاً حيث سألتقي "جوليا" ..
كما ودعتها .. أضع يدي على كتفها، تلتفت نحوي بذات النظرة المليئة بالشغف، بتلك الابتسامة الجذابة، بذات الرائحة، وذات الرعشة أضمها .. أبكي وأبكي على كتفها، تغمرني بشدة إليها .. تقلبني ..
"لقد تأخرت كثيراً يا جوليا". أقول لها وأنا أقبلها على جبينها. ثم أسير دون أن ألتفت إليها، أسير وأنا أشتم رائحتها على وشاحي، أشتم ذاكرتي هنا منذ سنوات، أنت قوية يا "جوليا" وأنا ضعيف .. أنت شجاعة وأنا جبان، أنت الحب .. وأنا لاشيء.
" أعدك بأن أعود ذات يوم، سأكون قد نضجت قليلاً .. أليس هذا ما تطلبه على الدوام مني.. انضجي يا بنت .. كم أحبك يا هذا، لا استطيع أن أتخيل حياتي من بعدك، أريد أن أهرم برفقتك، أن أبقى مهما كبرت طفلتك المدللة .. سأعود .. لأنني أحبك .. أعدك بأنني سأفعل".
سرت مبتعداً .. التفت إليها كانت قد رحلت، اختفت بين المارة والعابرين. لكن رائحة عطرها كانت ما تزال معلقة على وشاحي، كنت أتنفسها وكأنها ما تزال تضع رأسها على صدري وهي تحتضنني بين ذراعيها. شقية تلك الطفلة المدللة العابثة .. لكنها رغم ذلك كانت أقوى مني بكثير وأنا الذي اعتقدت دوماً أنني قوي كفاية لأغير كل شيء.
التعليقات
ما أصعب الفراق! مررت بذات التجربة منذ عشر سنوات لكن الحمد لله انتهت التجربة نهاية سعيدة