- أخبريني يا جدتي هل كنت السبب في وفاة ابن الفارض كما يزعم أهل البلدة وهل حقا شعره الأخير كتبه لك؟؟؟
- كانت تلك الليلة بلون الفضة بسبب امتلاء السماء بالنجوم، طرق باب منزلنا في وقت متأخر من الليل، فتح أبي الباب... دخلت أم عمر تبحث عني ثم قالت لي بلهجة خالية من الود ابني يحتضر ويريد رؤيتك في الحال.
ذهبت معها متسائلة لم أنا وماذا يريد مني؟.
خلال سيري على أوراق الشجر المتناثرة على طول الطريق لاحظت أم عمر ترمقني بنظراتها بين الحين والآخر.
تناولت الشمعة من يدها ثم دخلت مضجع ابن الفارض .. كان مستلقيا على سريره وجسده يلمع بالعرق بسبب الحمى، وعندما رآني ارتسم على وجهه ابتسامة خفيفة.
قدمت لي أمه شراب التمر ضيافة
أخذت منها الكوب وابتلعت رشفة فقط للمجاملة، وبعد لحظات قليلة باح لي ابن الفارض بالسر الذي أنهك عواطفه ليال طوال.
رجفت يدي من الصدمة فسال ماء الشمعة على وجهه دون قصد ... دون قصد أحرقت وجهه.... تجمدت في مكاني وكأن مفاصلي صبت من الإسمنت، كيف يجرؤ على حرماني من البدايات... شعرت أني أتنفس قطعا من الحديد ربما هواء الغرفة كان كسولا أو أنفاس ابن الفارض وقفت متحجرة في حلقي..فتحت النافذة على مصراعيها ثم شعرت أن الحسرة تبتلعني شيئا فشيئا لأن كلماته أحيت رميم روحي، اقتربت منه أكثر وقد كانت نظراته تهيم في تقاسيم وجهي ... وكانت كافية هذه النظرات لتحفر قلبي..... ثم تلى شعره الذي ظل متحجر في ذاكرتي ولم تجرؤ يد الزمان على العبث به إلى الآن، ثم أغلقت أذني بذراعي كي لا أسمع صوته وتمنيت لو أنني اتقيأ هذه اللحظة المرعبة... نعم مرعبة لأن شياطين الذاكرة تلبس الحب ثوب الفقد والعناء .. كان شعره أقوى من طلاسم السحر في العصر القديم.. ثم أخفى وجهه بين طيات ثيابي وغادر العالم.
وددت لو كان بوسعي الوصول إلى عالم البرزخ كي أعيده مرة أخرى.
لا لم أكن أنا السبب في وفاته بل إفراطه في استخدام طاقته الروحية كان السبب.
-
سهام السايحكاتبة وروائية وباحثة