ثم ماذا بعد ...؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ثم ماذا بعد ...؟

  نشر في 22 فبراير 2019 .

ثم تتلاشى الأشياء عندك رويداً مع تقدم السنين وتقادم العُمر،تتخلى عنها تدريجياً كل مرة تُسقط عنك شئ ظناً منك أنه ليس ذو أهمية،تتغير رؤيتك للأشياء،يصبح النظر إلى الحياة من جوانب فكرية أكثر ... لا تقوم بشئ قبل أن تحلله وتعرف نتائجه المسبقة،تمسي الرؤية عقلانية بعد أن كانت عاطفية ...

تجبرك الحياة عن أن تتخلى عن الطفل الذي بداخلك،أحلامك التي كانت تراودك صحوةً ومناماً حين تراها تسخر منها؛لم تَعُد تناسبك

والأقسي...

أن تصير قليل الكلام،قليل التواصل ... تصبح علاقاتك علي المحك تكاد تكون منقطعة،إبتسامتك ربما تكون شبح ثقيلاً يحط على شفتيك كل ما خلوت بنفسك أو راودك حلم قديم ...

ثم ماذا ...

ثم نمضي جميعاً... نعم جميعاً..

بأحلامنا تلك التي تحقق منها وما لم يتحقق...

خطوات رسمناها للمستقبل (طمعاً) في إمتداد العمر ... وخطىً نسيرها الآن،إلى أين لا ندرى...

نمضي ونحن لا نعرف عن أنفسنا شيئاً،ملامحنا التي إن صادفناها في الشارع لعاملناها كبقية الوجوة التي نراها كل يوم؟

تلك الوجوه المتباينة التي تقابلنا بين الثانية والثانية في الطرقات في أماكن العمل نلمحها من وراء زجاج نافذة العربة ونحن نرتحل صوب مكانٍ... هل وقبت مع نفسك وفكرت في أحد الوجوه؟

الآن بمخيلتك إختاراً شكلاً عشوائياً من الوجوه التي قابلتها اليوم! ! حاول أن تتذكر ملامحه جيداً، في الغالب الأعم أنك ستهتدي إلى صورة باهته مهزوزة مطموسة الملامح وربما إستطعت أن تتعرف عليها بصعوبة ...

ما علاقتك بهذا الوجة؟

لماذا إخترت هذا الوجه تحديداً؟

أليس غريبا كبقية الوجوه التي رأيتها؟

هل فكرت في أنه هو أنت؟

لا شك أنه جنون كيف يكون هو انت وانت تنظر إليه؟ كيف ينطر الإنسان إلى وجهه؟ إلا إذا كان من خلال المرآة ...!!!

ماذا لو كان ذلك الوجه ينتمي اليك؟

أعني أنه يشبهك بشئ ما ... ببؤسه،بشقائه،بمرحه،إبتسامته الغريبة اللافتة،بدمعته القريبة المختفية ...

ثم ماذا ؟

إننا لا نعرف شئ عن أنفسنا وعن العالم مهما بلغة درجة متابعتنا ومواكبتنا للعالم؟

ما الذي يحدث في العالم بالضبط في هذة اللحظة ... كم اختراع يسجل؟

كم إكتشاف مذهل يتم تحضيرة؟

هذه الحياة أبسط من كل توقعاتنا وأعقد من كل ظنونا هي التناقضات بذاتها،لغز محيرإن حاولت أن تسعى إليها لا يعنى أنها في المقابل ستٌسرِع الخُطى نحوك تسعى،وإن لم تسعَ فلن تسعى إليك أيضاً والعكس صحيح،ليست هناك ثوابت فيها.

من كنت تظنه حبيابً تفاجأت به هو أقرب الأعداء ومن كان عدواً أصبح صديقاً،تبدلت المواقف والمشاعر هي الآخرى طالها الذي أثر في الحجر والنهر " تغييرات مدٍ وجزر" وغرائب على إمتداد الأحلام والرؤى،كل الأحزان التي كانت ترتصف في طريقك هي الآن مجرد خيالات لسراب لا يمكن رؤيته إلا في كوابيس النوم،خطواتك المتعثرة باتت أكثر ثباتاً في طريقها والكتوف التي ظننت أنها لن تميل بك يوماً ما؛هي الآخرى إختبر الدهر صدقها وسقطت في تتالي الأحداث ولكنك وللدهشة لم تسقط بل ظللت ثابتاً وكأن جبلاً ضخماً يسندك.

ثم ماذا ...؟

ثم إن الذكريات الرائعة تعلمك دروس لن تعلمك لها المدارس والجامعات التي ساهرت تعيد قراءة كل المقررات التي تلقيتها بالنهار،تكرر كل ذلك لتبقى في ذاكرتك هي الأحداث الأقرب حين تود إسترجاعها أن تأتيك طائعة رهن إغماضة جفن،تأتي تجربة الحياة لتعلمك طريقة جديدة في التعاطي مع النسيان والتذكر عند أول خذلان أو جرح؛ربما هي طريقة قاسية للتعلم ولكنها الأنسب للتعلم،الذكريات التي تعبث بشعورك كيفما تريد؛تعيد إليك كل الفصول المضحكة وتجتهد في أن تعرضها لك بكل الطرق المشوقة حتى لتبتسم دون أن تدرى و أنت تنظر من نافذة العربة أو الطائرة التي تحملك من مكان إلى آخر،ثم تبكيك قبيل النوم حتى أن وسادتك ستممتلئ بالدموع التي هطلت على نواصي المآقي دون أدنى شعور منك كيف حدث هذا ؟

الرحيل الذي تحافه سيحدث (ولو بعد حين ) لتعرف أنك قد إستهلكت وقتاً أكثر من ما ينبغي في إنتظار قادم لا تعرف متى سيحل؟ لحظات الوداع التي تهابها أكثر من كل شئ ستمر عليك كما لو أنها تتعمد أن تختبر مقدرتك على الثبات،الموت الذي تخافه سيحل عاجلاً أو آجلاً لا مفر منه و إن طال العمر؛ لذا ثمة حقائق لا مفر من وجودها و إن تجاهلناها بالتناسي.

حاول أن تقف في يومٍ ما على صالات الوصول والمغادرة في مطارٍ إختاره كيفما تشاء دون أن تكون مسافراً أو مودعاً أحد المسافرين،وأنت هناك راقب العيون فقط و أترك الأشخاص ؟ أنظر إليها جيداً، ما الذي تقوله تلك العيون؟ عيون تترقب بين اليقين والخوف في إنتظار أحدهم بين (سيأتي أم لن يأتي) تتجسد فيها كل أحاسيس القلق التي تعرفها والتي لم تعرفها من قبل،عيون يكاد الدمع ينحدر منها لولا الجفون تحتضنه وتهدهده في تصبر واضح،تجدها تغمض كثيراً في محاولة بائسة للمحافظة عليه من التدفق؛ربما أم تنتظر إبنها أو تودعه إلى منفىَ لا تدري إن كان سيعود مرةَ أخرى أم لا؛أو ربما هي حبيبة تعانق في الفضاء صورة (فارسها) القادم والتي تراه خيالاً بين كل إغماضة وآخرى دون الحاضرين جميعاً،هناك فقط سترى الكون مصغراً بين الذين يعانقون بعضهم في لحظات تجسد الوداع في أوضح صوره وبين الذين يرحبون بقادمهم الذي طال إنتظاره،وبين من يبتسمون ومن يبكون تظهر صور كثيرة تحتاج لفنان يعيد تأمل المشهد بصورة متكررة ليبتكر لوحته التي طال إنتظارها.

ثم ماذا ...؟

ستضحك على نفسك ذات يوم عندما يتقدم بك العمر وتكتشف ( الأشياء ليست كما كنت تظن ) ستتغير الحياة معك تدريجياً وفي كل مرحلةٍ عمرية ستضيف أمنياتٍ جديدة وتُسقط آخرى،ستعرف أن الكتب التي قرأتها ذات لحظة لتباهي بها الصحاب ولتبين ثقافتك هي التي أخرجتك من ضيق الحياة يوم أن خانك تخصصك الدراسي فوجدت منفذاً يسرب إليك (الأكسجين) لتتنفس في أشد أوقات حاجتك للشهيق،و أنك أصبحت شخصاً غير الذي كنت تعرفه بعد أن إمتصصت رحيق أعمارهم " التي قضوها في تأليف كل تلك الأوراق الصفراء" و أن الأقلام التي كنت تخبئها لأنك تحب أن تجمّع أكبرقدر من ماركات الأقلام هي اليوم التي وفقت بجانبك كأوفى الأصدقاء ومدتك (بدمائها) دون أن تمن عليك بذلك.

ستكتشف أن الموسيقى التي كنت تسمعها و أنت في عمرك الباكر اليوم أصبحت هي التي تصنع لك مزاجاً جيداً؛رغم أن الوقت لم يعد يسمح لك حتى التوقف لتستمع للموسيقى لكنك يوم أن تعانق أسماعك عابراً تعيدك إلى تلك الأزمان التي لم تتوقع في كل عمرك الذي مضى أنها كانت بهذا البهاء الذي تغريك به الذاكرة الآن،موجٌ من الحنين يجتاحك و أنت غمرة إنشغالك بالحياة في لحظة ستعيدك إلى حياةٍ غير التي أنتى فيها الآن؛ستسافر إلى عوالمك التي تحب.

قارورة العطر التي كنت تعيد شراءها كلما نفذ مافيها ستعيدك ذات يوم بعد كل تلك السنوات التي مضت إلى عمر وحياة كنت قد فارقتهم لأزمانٍ خلت (كأنها آلة الزمن ) التي كانوا يتحدثون عنها ذات يوم،كل ذلك بعد أن صادفك العطر و أن تمضي كعادتك عابراً من كل الأماكن التي توصلك إلى مقصدك و كعادة كل الأشياء المتجددة فقد تركت شراء عطرك ذات منذ متى لا تدري وأصبحت تكتفي بالمتاح؟ إذاً لماذا تتذكر ذلك العطر بالتحديد ؟ هل لأنه العطر الأول الذي إستخدمته في حياتك؟ أم أنه كان قد جاء إليك في باقة من الهدايا الجميلة التي كانت تترى عليك في عمرك السالف؟

ثم ماذا ...؟

كم شخص بات دون ان يتذوق طعاماً؟

كم عدد الذين يركبون الامواج بي خطر ليهاجروا لمكان آخر ربما وصلوا وربما غرقوا؟

كم مناسبة زواج تقام الآن؟

ما الذي يؤرق الفاتنات الحالمات وهن يتقلبن علي فرشهن والليل قد أرخى سدولة؟

أولئك الحِسان لماذا يبكين على وساداتهن طول الليل ويذرفن الدموع؟

- حسناً لا يهمك هذا ...

ما الذي يهمك بالضبط؟

هل تعرف؟

ان تجمع المال؟ !! كم تريد بالضبط؟ ما المبلغ الذي يكفيك؟

هل يهمك ان تتمتلك شركات وسيارات و ...و.. ؟

ثم ماذا؟

هل قابلت الذي إمتلكوا تلك الاموال كيف احساسهم وماذا تعني لهم؟

بيل غيتس (كان اغنى رجل في العالم) سئل مرة عن الاموال التي يمتكلها قال هي مجرد أرقام في البنك ...

وانه فعل كل ما يريدة بمليار واحد وما عاد داعي لبقية الاموال ... ولكنها فطرة الانسان المجبول على حُب المال...

ثم ماذا؟

ثم إن الوجوه التي نقابلها قد نكونها ونحن لا ندري! !!


  • 4

   نشر في 22 فبراير 2019 .

التعليقات

مقال رائع بروعة أناملك أخ بشير .. فعلا رسمت لنا صورا جميلة لعمر الانسان وكيف تحتفظ الذاكرة بها ... و نقلتها في سطور ...وفقك الله
0
نزار عبدالله بشير
شكراً جميلاً لك لينة...تمنياتي لك بحياة سعيدة

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا