"وديع فلسطين".. رجل من ملح أرض مصر عاصر كبار الكتاب العرب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"وديع فلسطين".. رجل من ملح أرض مصر عاصر كبار الكتاب العرب

  نشر في 16 يونيو 2016 .


للوهلة الأولى يتراءى لك أنه من الممكن أن يكون فلسطينيا بسبب اسمه أولا، وشيء من هيئته ثانيا، حتى أن كثيرا من الشخصيات الفلسطينية البارزة التي قابلتها، تعتقد أنه فلسطيني الأصل.

قال لي "وديع فلسطين " بأنه كثيرا ما وقف في مواجهة السؤال: هل أنت فلسطيني الجنسية؟! حتى أنه ألفه، وأصبح ينتظره كلما التقى بشخص للمرة الأولى، ويجيب على السؤال بأنه ليس مصريا فحسب، لكنه من صعيد مصر فهو من مواليد 1923 في مدينة أخميم بمحافظة سوهاج.

ويتحدث عن قصة اسم "فلسطين"، مشيرا إلى أنه كان اسما دارجا بين الأسماء المصرية، وليس فلسطين فحسب لكن "إسرائيل " أيضا، لكنها أصبحت تسمية كارثية بعد الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لتتغير المسألة كلية ويختفي هذا الاسم من مصر كلها، وخاصة الصعيد.

قلت له بأني سألت بعض الكتاب الفلسطينيين عنه فتخيلوا للوهلة الأولى أنه فلسطيني أيضا، فقال إن هذا أيضا أمر ليس بجديد، بل إنه ومع كتاباته الكثيرة في صحيفة المقطم عن فلسطين، تأكدتْ لدى البعض تخيلاتهم بأنه فلسطيني فعلا، حتى أن شخصيات فلسطينية بارزة وقتها تخيلت أنه من المهاجرين الفلسطينيين إلى مصر، وكانت تسأل عنه لدى قدومها لمصر فعلا.

من النوادر التي يحكيهاوديع فلسطين أن مصر كان بها ثلاثة يحملون اسم "وديع فلسطين"، وأنه في أحد المرات تم استدعاءه إلى أمن الدولة، وهناك بادره الضابط: أنت مَنْ فيهم؟ ، ثم عرف أحدهم فيما بعد عبر ابنه الدكتور "عادل وديع فلسطين"، الذي كان يكتب عددا من المقالات في جريدة القاهرة، وكانت تصله تساؤلات عديده فيما إذا كان ابنه فعلا، وهو الأمر الذي كان يحدث أيضا مع دكتور عادل وديع فلسطين، حيث عرف ذلك بعد أن اتصل به الأخير وحكى له أيضا أن كثيرا من الناس يتحدثون إليه متخيلين أنه ابنه.

من أخميم إلى السودان حتى القاهرة

إذا كانت البداية والمولد في أخميم بصعيد مصر، فإن فلسطين قد ارتحل إلى ما هو أبعد جنوبا بعد مولده، وصولا إلى السودان برفقة والديه، حيث عمل والده موظفا حكوميا في "عطبرة "، وظل هناك حتى العام 1930، كان " وديع " وقتها طفلا ابن سبع سنوات، بقي في ذاكرته شيء بسيط من السودان لكنه ليس بالكثير، فلم يقضِ هناك سوي مرحلة الطفولة الأولى فقط، ومنها عاد إلى القاهرة حيث عاش أغلب حياته فيها، ولا يزال.

في العام التالي لعودته هو وأسرته لمصر حيث عاشوا في القاهرة توفي والده، فتربَّى هو وإخوته في كنف والدته يتيما، وقد عكفت على تربيتهم حتى وصل إلى تعليمه الجامعي.

كان وديع يحتل الترتيب الثاني بين إخوته، وكانوا يتعايشون من معاش والده البسيط الذي لم يكن يؤهله لدخول الجامعة الوحيدة آنذاك " جامعة فؤاد الأول" (جامعة القاهرة الآن ) .. لكن حلمه بتحقيق ذاته دفعه إلى الاستمرار، ومن ثم لم يكن أمامه إلا التوجه للجامعة الأمريكية التي كانت مصاريفها أقل آنذاك، عكس الواقع المتعارف عليه في وقتنا الراهن.

وفي الجامعة الأمريكية التي كانت لا تزال في مرحلة البدايات، درس وديع فلسطين الصحافة، ولم يكن بها سوى قسمي العلوم الاجتماعية والصحافة كما يحكي، وكان توجهه للصحافة أيضا بسبب المادة، وكونها القسم الأقل نفقات، تخرج في الجامعة عام 1942 وهو ابن 19 عاما أو أقل، لتبدأ مسيرته الصحفية، وليكون من أوائل الدفعات التي خرجتها الجامعة الأمريكية، والتي سيعمل بها مدرسا للصحافة فيما بعد، لتتخرج على يده أجيال من الكبار الذين ساهموا في اكمال مسيرة الصحافة والإعلام المصري حتى الآن.

بين المقتطف و الأهرام و المقطم

عمل وديع فلسطين بعد تخرجه في مجلة المقتطف، التي يقول أنها كانت بوابته الأولي على عالم الأدب والأدباء، حيث الندوة الأسبوعية للمجلة، والتي كان يرأس تحريرها "فؤاد صروف" أستاذه في الجامعة.

وفي زيارة، هي الوحيدة التي زرت فيها وديع فلسطين في بيته، سألته عن "كريم ثابت"، وكنت قد قرأت له مقالا قديما في مجلة " الهلال " يتحدث فيه بلغة بديعة عن رحلة قام بها إلى اليمن، إضافة إلى حديث عما أثير حول علاقته بالملك، وطبيعة ما أثير حول الرجل بعد ثورة 23 يوليو 1952 ولايزال، وهو ما سيأتي تناوله لاحقا في الكتاب.

وكالعادة جاء السؤال الذي وجهته له مصدرا للسرد، فبدأ يعيد الحكي حول قصة عمله في الأهرام وكيف انتقل منها إلى المقطم، بعد أن فشل الرجل في العمل بالتحرير الصحفي في الجريدة العريقة والتي ساعدها القدر في الاستمرار إلى الآن، لتكون الصحيفة الرسمية الأولى في مصر.

حكى فلسطين أن "فؤاد صروف " خلال إحدى زيارات وديع فلسطين له في أعقاب تخرجه من الجامعة سأله إن كان يحب أن يعمل في الأهرام، وهو الأمر الذي رحب به فلسطين بشدة وقتها،ليعطه صروف خطابا لمدير الادارة، الذي كان وفقا لحديثه قريبا لصروف، إلا أن القدر شاء أن يعمل في قسم التوزيع، وظل ثلاث سنوات في الأهرام في نفس القسم، بعيدا عن التحرير والكتابة التي رغب فيهما، وقد حاول مرارا التحول باتجاه قسم التحرير، لكن دون جدوى على ما يبدو.

ثم جاء التحول إلى المقطم، وكان " كريم ثابت " رئيسا لتحريرها، خلفا لوالده خليل باشا ثابت، وطلب من فلسطين العمل معه، أو كما يقول فلسطين أنه أغراه بالعمل معه، فترك الأهرام ليلتحق بالمقطم، رغم أن الأهرام كانت يومية تصدر في الصباح، في حين كانت المقطم يومية مسائية تصدر في الثانية ظهرا، وقت عودة الموظفين من أعمالهم.

تولى كريم ثابت رئاسة المقطم في أول مارس 1945، لكن ذلك لم يستمر لأكثر من عامين أو يزيد قليلا، حيث وقع نزاع شديد الوطأة بين " فارس باشا نمر " وشركاءه من آل صروف وشاهين ميكاريوس وثابت، ووصل الأمر للمحاكم بالفعل، مما أدى بكريم ثابت ووالده إلى ترك المقطم، وهي الحالة التي سنفرد لها جزءا كبيرا من العمل، للتعرف على حالة الصحيفة التي كانت لسان حال الاحتلال الانجليزي، وهو ما يفنده فلسطين مطولا في أحاديثه، ويقول بأنها قدمت لمصر وللقضايا العربية خدمات لم تقدمها غيرها.

وإذا كانت المقطم هي المرحلة الأهم والأعصب أيضا في مسار حياة الرجل، فقد شكلت حالة التحول الكاملة له لاسيما بعد الثورة، والتي جاءت وهو رئيس تحرير المقطم الفعلي، ومحرر افتتاحيتها وإن لم يزيلها باسمه، لكنه أكد لي أنه خلال السنوات الأخيرة من عمر المقطم كان محررها الأول الذي يخط افتتاحياتها بقلمه.

ستكون المقطم بعد ثورة "يوليو1952" ـ والتي يرفض هو تسميتها بالثورة ـ سببا في دخوله السجن لأيام، ليخرج بعدها بلا عمل، ثم ليقرر مغادرة كل ما له علاقة بالسياسة، إلى ما كان يقوم به سلفا ـ إضافة إلى عمله ـ وهو ممارسة الكتابة الأدبية والنقدية، والحكي عن سير أصدقائه الذين عاصرهم من كبار الأدباء والمبدعين المصريين والعرب، وليعيش حياة الهامش بدون أن ينال التقدير الذي تمناه من بلده، في الوقت الذي تكرمه لبنان غير مرة، ويُحتفى به في مجمع الأردن، وتقف له المملكة العربية السعودية بالرغم من مسيحيته لتكرمه في أحد أهم المحافل البارزة وهي "اثنينية خوجة"، ويتحرك ناشر في الكويت لنشر مقالاته أو آثاره في مجلدين فاخرين، كل هذا في حين تتقاعس المجلة التي ينشر بها دوريا عن نشر أعماله، ثم تتوقف في فترة من الفترات، وبشكل كلي، عن نشر المقالات.

إذا أبديت تعاطفا، أو بحثت عمن يريد أن يكرم الرجل في بلده، فسيخرج لك علي الفور أحد المسؤولين ليقول لك، إنه رجل لا يخجل من الإعلان عن أنه كتب كتبا لصالح آخرين.

..

من كتاب "وديع فلسطين.. حارس بوابة الكبار الأخير" تحت الطبع



  • 4

  • ولاء عبدالله
    صحفية مصرية متخصصة في الشئون العربية . عملت فترة طويلة في الصحافة الثقافية . مدربة معتمدة من مؤسسة "D W"الألمانية سافرت إلى عدد من الدول العربية " ليبيا، العراق، الكويت، الإمارات" في تغطيات صحفية صدر لي كتاب "جبرتي الثقاف ...
   نشر في 16 يونيو 2016 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا