مدرسة فريدمان في السودان
قراءة ماوراء تعديل الموازنة
نشر في 13 غشت 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
تشير ناعومي كلاين في تحليلها لمدرسة فريدمان ( مدرسة الصدمة والنيوليبرالية أو رأسمالية الكوارث) إلى نقطتين في غاية الأهمية :
# أن هذه المدرسة ذات أيدلوجية لعوب ومتقلبة تغير اسمها وتبدل جلدها باستمرار ففريدمان يعتبر نفسه" ليبراليا" أما أتباعه من الأمريكيين الذين يعتبرون الليبرالية مرتبطة بالضرائب العالية وحركة الهيبيز يميلون إلى وصف أنفسهم "بالمحافظين " أو احيانا " مناصروا السوق الحرة" وأحيانا ينسبون أنفسهم إلى الرئيس الأمريكي ريغان (الذي يمكن اعتباره رائدا في ترسيخ رأسمالية الكوارث ديمقراطيا في بلدها التي خرجت منها) فسيمون أنفسهم " ريغنيين" معرفين أنفسهم بأنهم مع سياسة " عدم التدخل" ويسمى الناس في بقاع كثيرة من هذا العالم هذه المدرسة أو الايدلوجية ب " مدرسة التجارة الحرة" ويسميها بعض مناهضوها ب " الليبرالية الجديدة" لكن المهم هو برغم اختلاف المسميات الا انه لا بد أن تفهم ان هذه الايدلوجية قامت في الأساس وعلى حسب رؤيتها للعالم بتجنيد "الترسانة العسكرية " الأمريكية في خدمة جدول أعمال الشركات الكبرى وأنه على الرغم من اختلاف المسميات الا انها كلها تلتزم بما سمته كلاين" الثالوث" السياسي وهو :
1) إلغاء القطاع العام
2) الحرية الكاملة للشركات
3) الحد الكبير للإنفاق الاجتماعي
#الملاحظة الثانية التي أشارت إليها كلاين في كتابها هي أن هذه الايدلوجية تعتمد على الكوارث ولحظات الذهول والغفلة الجماهيرية لتجري تغيرات جذرية ( على مدى ثلاثة عقود قام فريدمان وتلامذته باستغلال لحظات الصدمة في البلدان مثل انقلاب بينوشي في سبتمبر 1973 وهجمات ال حادي عشر من سبتمبر 2001 حيث غفلت إدارة بوش الجماهير الأمريكية ومررت أجندة رأسمالية الكوارث واستعانت بشركات أجنبية كي تتولى وظائف حكومية حساسة وأساسية) كذلك من الأمثلة الأكثر وضوحا على هذه الملاحظة أزمة الديون في القارتين ( أمريكا اللاتينية وأفريقيا) في الثمانينات والتي دفعت القارتين للقبول بفكرة " العلاج بالصدمة" وقبول الطلبات الكثيرة المترافقة مع القروض الخارجية لأن تلك الديون كانت نتيجتها الحتمية إما الخصخصة أو الموت كما قيل آنذاك.... والأمثلة كثيرة على استغلال فريدمان وتلامذته لحظات الكوارث والأزمات والذهول والغفلة الجماهيرية لتوطين معالجات الصدمة ويكفي قول العراب فريدمان : ( وحدها الأزمة سواء كانت الواقعة أو المنظورة هي التي تحدث التغيير الحقيقي).... عزيزي القارئ اربط كل ما سبق بذلك الخبر الذي حملته الصحف والذي جاء فيه أن وزارة المالية السودانية أجرت تعديلا على موازنة العام الحالي عطفا على تصاعد أرقام العجز في الموازنة وقد جاء في الخبر ان الوزيرة بينت أن سبب التعديل : “ هو الحاجة إلى تبنّي سياسات من شأنها تخفيف التأثير السلبي لجائحة كورونا على الوضع الاقتصادي“وأشارت الوزيرة إلى : “توقعات بحصول السودان على 1.8 مليار دولار من المانحين الدوليين نتيجة لمؤتمر شركاء السودان“
الخلاصة عزيزي القارئ هي أن عليك أن تعي أن الأمر أكبر من ارتفاع الأسعار والتضخم وارتفاع سعر الدولار وان الأمر أكبر من سياسات البدوي وهبة واكبر حتى من حمدوك، الأمر باختصار ووضوح شديد أن حالتنا الراهنة تعد حالة نموذجية تقع في شباك تلاميذ مدرسة فريدمان التي بشركاتها الكبرى تفرض على البلدان " منزوعة السيادة" شروطها والتي تشمل رفع الدعم وتعديل سعر الصرف والقبول بطلبات القروض وغيرها وأننا موعودون بأن نشهد ( إن لم يكن حدث بالفعل) تحالفا نافذا بين عدد من الشركات الكبرى وطبقة من السياسين الأكثر ثراء حتى يكتمل المشهد الذي يتكرر في كل بلد تطبق فيه سياسات مدرسة فريدمان.
# للمزيد من التفاصيل عن فكرة استغلال الأزمات لتطبيق سياسات مدرسة فريدمان راجع كتاب " عقيدة الصدمة" ل ناعومي كلاين.... وللاطلاع على مثال حي بتفصيلاته يمكن أن تراجع كتاب كريستيان ميلر بعنوان " ضريبة الدم"
،،، سعد يحىي،،
-
Saadمعلم ومهتم بمسائل الإصلاح السياسي والإجتماعي والوعي اللغوي.