نزيل في ملجأ
في المقصف كانت هناك حركة وضوضاء شديدة. دخلت المقصف وأنا أنظر يمنة ويسارا منتبها لمن حولي، لا أعرف أحدا... تقدمت إلي العاملة بالمقصف. طلبت مني أن أتناول فطوري، قالت بجفاء:
- طعام الإفطار من السابعة إلى الثامنة والنصف، أنت متأخر وعليك من الآن أن تحترم مواعيد الأكل.
- حاضر سيدتي
قلت حاضر وأنا مكسور الخاطر. تذكرت فطوري في الرباط، حيث كنت أشتغل، فطور بفطائر ساخنة، يسيل منها السمن والعسل، فطوري في مقهى إدريس بحلويات مغربية أصيلة، يمدها لي فتاة وسيمة بابتسامة صادقة، أحن إلى الفطائر، إلى السمن البلدي والعسل. أحن لنوارس الرباط، لرائحة السمك واليود، تلك الرائحة الخاصة التي تملأ جنبات السوق المركزي، أحن لغروب الشمس على الشاطئ، لحظة التي تختفي الشمس خلف الأفق. أحن لساعات المشي على الرمل المبتل وإلى الرسومات الرملية التي يطولها الماء بسرعة. كنت أراقب هاته العملية، يأتي الموج ويبتلع الرسومات، يمتعني منظرها وهي تختفي بفعل الماء. كنت أجد صورة وتعبيرا عن الوجود، نؤسس أشياء ثم يأتي موج الزمن ويغمرها، ولا نملك شيئا ضد هذا. فقط نخضع لسلطان الماء وإرادته في المحو. أؤمن أن الأصل الإنسان هو الماء وإليه يعود. محى الماء حياتي من الرباط كأنها لم تكن. مرت أمواج الحياة وطوت سويعاتي بها كأنني لم أعشها، لم يبق لي منها غير رائحة الخيبة والحنين، لا مجال للحنين، علي أن أتدبر أمري لأخرج من هاته الورطة، لن أعود إلى أرض الواقع، وأنا أجر خيبتي، لن أعود مهزوما ومكسورا ومطلقا من الأحلام...
تناولت طعام الإفطار بسرعة، بسكويت وزبدة صناعية ومربى، لا أثر للفواكه فيه...
أثناء زيارتي لملجأ في مدينة الخميسات، كتبت هذا النص بعيون نزيل...
سعيد تيركيت
الخميسات - المغرب - 28 / 06 / 2015