قبل واحد وعشرين عام وبهكذا يوم عند منتصف الليل تمردت على رحم امي واردت الخروج أخيراً.. حاولت جاهدة أن ارمي بجسدي خارج جدران الرحم الذي احتواني طيلة الاشهر الماضية، ولم أكن أعلم حينها أنني وبعد خروجي هذا لن أجد الراحة التي كنت اعيشها في رحمها ..

تعسّرت الولادة كثيراً تلك الليلة بالرغم من يسرها طيلة الايام الماضية، كان احتمال أن أخرج من رحمها بلا روح كبير جداً وكذلك احتمال نجاتها من تلك العملية ضئيل جداً.. وبرغم كل هذا أبيت الا أن اخرج ..

كيف لا وأنا التي منذ اشهر الحمل الاولى وانا أتشبث برحمها، ما كان سهلاً أبداً أن أتنازل او استسلم عند تلك اللحظة وبعد كل ذاك الالم... وأذن المولى لنا من بعد الموت حياة خرجت فيها وأمي بصحائف بيضاء نقية .. خرجت من رحمها الطاهر قطعة بيضاء نقية لا تشوبها شائبة الى عالم يفتقر هذا اللون كثيراً، ولم أكن اعلم حينها انني ذات يوم سأفتقر الى هذا البياض الذي أتيت به، وأنّ تلك الصحيفة البيضاء لن تبقى على حالها كثيراً ..

حصيلتي الآن هي واحد وعشرين عام، أدركت فيها أخيراً أنني ومنذ اللحظة الاولى من خروجي لهذا العالم كنت اخوض حرباً ولست اعيش حياة، حرب ادافع فيها عن طهري وايماني ونفسي، حرب هي اصعب واوجع من الف حرب يعتليها القتل ويشوبها الدم.. حرب ستعيشها كل يوم دون انتهاء رغماً عنك فلا هي تنتهي ولا أنت فيها تنتصر .. ستجد نفسك فيها تائهاً كمن فقد بوصلته وسط البحر، ستفكر في أي اتجاه ابحرت حتى وصلت إلى مكانك هذا .. ستسغرب كيف اضعت وجهتك هكذا فجأة وستحدد على الفور طريقاً جديداً لتسلكه ولست تدري بعد اين سيأخذك .. هنا فقط ستعلم أنك قد رميت عمرك في حرب وحدك فيها العدو والصديق ..

ستعلم حين لن ينفعك علمك شيء أن اثمك الأكبر كان لحظة تمردك على رحم امك بالرغم من كل ما فعلت وقدمت لأجلك، تماماً كسيدنا آدم حين اختار ان يغير الاقدار ويهبط على الارض بسلام بعد أن كان منزله في الجنان ..