لعل أسوأ ما قد تفعله الحياة،أننا نعتاد كل شئ فنعتاد السئ والجيد فلا يهمنا أحد سوى أنفسنا فنتعلم الأنانية ونعتاد الجميل فيصبح عادي لا شئ مبهر فيه،ونعتاد القبيح فيمسي عادي لا نخجل من ممارسته والتمادي فيه؛وما أقسى قلوبنا حين نجعل دائرة إهتمامنا أنفسنا فقط أو المقربين منا أولئك الذين ألفناهم و ألفونا أما البقية فلا ...
كم مرة شاهدت نشرة أخبار في حياتك ؟ حسناً ... كم مرة رأيت فيها من القتلى ؟
هل فكرت للحظة أن هؤلاء القتلى لهم أهل وأحباب ؟ هل تخيلت ما شعور أم القتيل أو أخته أو حبيبه أو حبيبته أو أصدقاؤه ؟ لم تهتم ببساطة لأنك لا تعرفه وبالتالي مثله كمثل أي حدثٍ عادي في الحياة قد يصادفك في الشارع و أنت مارٍ إلى وجهتك .
هل نازعتك نفسك بالتساؤلات (الإنسانية) و أنت ترى مشاهد قد تبدو غريبة ومخيفة للأطفال – وذلك لفطرتهم السليمة – ولكنك تمر بها لأنك إعتدت رؤيتها وما عادت تعني لك شيئاً،إذاً ماذا عن المشردين الممدين على الأرصفة تتآكل أطرافهم من شدة البرود،هل دار بذهنك سؤال:
كم لبث هنا ... وكم سيلبث ؟
هل وجدوا لقمةً يوارون بها سوأة جوعهم أم أنهم قد كفاهم ما عانوا وما عادت لهم شهية ؟
أين أوطانهم ؟ هل نفذتهم للغربة دون أدنى رحمةٍ ؟ أم تراه هذا وطنهم ولكنه كان كالقطة التي إذا جاعت أكلت أطفالها ؟؟؟
في مشهدٍ آخر ...
في العناية المكثة صور الممرضين والسسترات والأطباء في غرف العمليات يعملون الليل والنهار لا يعرفون وقتاً للإستراحة ولم تشتهي أبدانهم يوماً عطلة للصيف على جزر (الكاسنجر) ..بالكاد يجدون وقتاً للطعام و إذا غلبهم الناس أخذوا غفوةً في مكان عملهم بقرب ماكينة التنفس الصناعي وبجانب حجرة العمليات عسى أن يطلق الإنذار والطوارئ فلا يكون أحد هناك...
هل يذهبون في العطلات إلى أماكنهم المحببة ؟
هل يجدون الوقت للموسيقى ويستمتعون بمشاهدة الأفلام ؟
كيف إستطاعوا تحمل كل تلك المناظر والآلام وآثروا العمل بكل ذلك الضغط على راحة نفوسهم ؟
لا بأس ...
هل يعنيك أن (الإسكافي) الذي يُصلح الأحذية المعطوبة ويلمعها ؟
هل تكفيه تلك الملاليم الصغيرة لشراء وجبةٍ تسد رمقه و أبناؤه ؟
كيف يفكر تجاه مستقبله ومستقبل آل بيته ؟
ما الذي يدور بذهنه أول ما يستقيظ من النوم؛هل يلعن الحياة على بلوغ يومٍ جديد سيكون وقتاً جديداً من الشقاء والتعب والكد مقابل لا شئ يفيد ؟
أم تراه قانعاً مسبتشراً بيومٍ أفضل ؟
في الصورة التي رأيتها على الصحيفة أو التلفاز ...
ذلك (الجندي) الذي يحمل سلاحه مرابطاً على حدود بلده هل راودتك الأسئلة عن حياته ؟
هل سيعود لدياره يوماً ما أم أن الحرب لا تعرف العطلات والغياب؟
ترى كيف تعيش أمه وهي كل يومٍ في خوف من أن تفقده ويشيع إليها شهيداً ؟
كيف حال حبيبته وهي تنتظر عودته لتأخذ سلاحه وترميه بعيداً لتنعم برفقته في بيت واحد وسقفٍ آمن يضمهما جميعاً وينجبان أطفال الأحلام ؟
ما شعوره وهو يخوض الحرب تلو الحرب ويشاهد الموت كل لحظة ؟
و أنت في نعيمك هناك ... هل باغتتك الأسئلة وشغلت بالك عن :
مصير فلسطين التي تشيع شهيداً وراء شهيد وما ملت ولا فترت في الزود عن أراضيها وظلت تنجب الأبطال على مر السنين ؟
ماذا عن أطفال سوريا الذين لا نعرف متى وكيف و أين ماتوا ؟
كيف كان شعورهم وهم ينظرون لأهلهم يتطايرون لأشلاء ثم ما تلبث أن تصيبهم قذيفة (هاوند) تشيعهم لحياتهم الأخرى ؟
أم ماذا عن الذين تهدمت فوقهم المباني و الأنقاض حتى ماتوا ؟
كيف حال الأمهات وهن يشاهدن أطفالهن يموتون كل لحظة أمام أعينهن ؟
دعوكم من كل تلك الأسئلة ؟
ماذا عن السودان ؟ أهله ؟ أطفاله ؟ أرضه ؟
إذاً ماذا عن مصر ...اليمن ...العراق ؟
هل أعيتكم هذه التساؤلات ... إذاً كفى ...!!
هل شعرت يوماً بأن كل مشاهد تشاهده في الحياة العامة في طريقك أو على التلفاز يمكن أن يكون وراء الآلاف من الأسئلة المبكية المحيرة التي لو وضعت فيها الإفتراضات فقط لقضيت عمرك باكياً منتحبا.
هي الحياة إذاً ...
لسنا مطالبين بأن نحلل كل شئ ونرافق الحزن حتى نفسد الحياة ...ولكن
قليلٌ من الشعورِ يكفي .