لكل أنواع التعلق في هذا العالم، بالمجمل، حل يطفئ لواعجه ، أو على الأقل خلطة سحرية تخفف وطأته ، فعلى سبيل المثال الكتابة هي أجمل حل للتخفف من حب إنسان ما . عادة كلما كتبنا من نحبهم يتضاءل حبهم في قلوبنا مهما كان حجمه ، فإن لم يكن ، فلا بد أن تختزن تلك الشحنات الجياشة في لحظة ما في حرف بدلا من قلب ، إنها حالة إفراغ حقيقية للعاطفة ، ولهذا في غالب الأحيان يفشل الكتاب والشعراء في قصصهم العشقية ، إنهم يتداوون، دون قصد، بحروفهم من عواطفهم ومشاعرهم ، ولا يلقون أحباءهم بعد عاصفة كتابة إلا كصحار مقفرة أتى البوح على كل مافيها .. يأتون بقلوب سليمة تخفق برتابة عالية ، حينها فقط يخف عامل الالتزام ، وتتصاغر معادلة التجاذب، وينضب العطاء، لأن نصوصهم كلها احتملت عطاءهم المفترض ولعيجهم الفياض، فتجدب العلاقة ، وتتصحر الأربطة ولا يبقى للطرف الآخر سوى الرحيل سواء بملل أو بغضب خلفه قول دون فعل ..
وكمثل الحب، تجد كل أنواع التعلق الأخرى مايبطل حرارتها ويضعف قوتها ، فمثلا عشق الأماكن ، الذي أظنه أكثر أنواع العشق جنونا وتنفذا في الروح ، هذا النوع قد تنطبق عليه حيلة الكتابة بدرجة أقل ، وحله الوحيد هو التصوير بكل أنواعه سواء كان رسما تشكيليا أو تصويرا فوتغرافيا. إن لتلك " التكة" في الكاميرا وهي تختزن صورة المدينة أو المكان مفعولا سحريا في الشفاء منهما معا، إنه أشبه باختزان نسخة مصغرة من المدن التي نحب أو تلك التي أغرتنا بالشكل الكافي لنصاب بحمى الحنين إليها في كل وقت. لحظات مسروقة نخبئها في الجيب أو في الحوامل وبالقلب نشوة الاكتفاء، وانتعاش الارتواء، إنها فكرة جميلة أن تخبئ المدينة التي تحب في جيبك وتمضي بها إلى حيث تشاء، حيلة ناجعة لمطاردة الحنين متى عن له المراودة أو المشاغبة ..
أما الموسيقى فلها طريقة أخرى تختلف قليلا . إن الشغف بأي مقطوعة يولد جنون التكرار الذي لا يروي ظمأ ولا يخمد رغبتنا في سماعها مرة بعد مرة ، ذاك التكرار الذي يستمر أياما وأسابيع وأحيانا إلى الأبد ، حسب ضراوة جمال المقطوعة ، ولا شفاء من هذا إلا المونتاج ! إن استغلال مقطوعة ما في فيديو نعده هو إعادة خلق لها ، المونتاج عادة يعيد بعث اللحن ، بمشاهد جديدة بمعان متفتقة متفجرة ، بإيقاع خلاق يعيد ترتيب إيحاءاتها ، و يغير توزيع امتداداتها ، ويبعثها خلقا جديدا لا مثيل له في عالم الأصوات ، بهذا فقط نتخلّص من حمى اللحن ، وسكرات النغم ، بإعطائها تصورا خارقا عبر تركيب فريد ..
هي إذن ثلاث حلول لثلاث مشكلات : الكتابة للشفاء من الحب ، والتصوير للتعافي من الحنين، و المونتاج للنجاة من إدمان اللحن.. قد لا يكون التعافي كاملا على أية حال ، لكنها محاولات خلاقة للتخفف مما يتعب القلب والسمع والبصر ..
#فاطمة
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف