درجة فأخري ثم الثالثة وهاهي الأخيرة.. حسنا هذه الحافلة تحتوي علي أربع درجات للسلم.
لطالما اعتدت علي هذا الفعلِ منذ أن اعتاد عقلي علي وحدته وصار يبحث عن رفاقه في هذه الحياة كي يستطيع أن يكمل ما تبقي له فيها .. معرفة عدد درجات السُلَم في أي جماد يحويه قد يكون فعل لا فائدة منه للبعض أو ربما للكثير لكنه أيضا فعل لا غني عنه لمن لا رفيق لهم .. فهو يُعد الرفيق الأبدي لحياتهم الذي يصادفونه أينما رحلوا وأينما بحثوا عن نصيبهم من الحب.
ازدادت خطواتي في تعدادها من باديء الحافلة وأخذت في النقصان في عددها للوصول للمقعد رفيق تلك الرحلةِ والمقصد.. أناس باليمين وأخرون علي اليسار يختلفون في معظم النواحي الدنيوية وربما الدينية لكنهم اتفقوا علي الجنسية والصفةِ الآدمية. عقول تفني وتُولد قلوب مكانها لتأخذ حظها من هذه الحياة المفروضةِ غصبا.. ماذا لو كنت لا أرغب في أن أُخلق منذ باديء الأمر ؟!! ماذا إذ لم تكن لي رغبة في خوضِ غمار الحياة وكان الأمر بيدي فاختار ألا تُبعث الروح داخلي وأُخلق ؟
ها قد وصلت للمقعد المنشود المُرقم الثاني والثلاثين بجانب النافذة .. حسنا فالنافذة رفيق أخر لي في هذه الرحلة. جلس بالمقعد جواري شاب لا يُخفي كثيرا من عمرِه الذي لم يتعد منتصف العقد الثالث. اختلاف أخر وجدته به .. ف جانبا إلي الاختلافات الدنيوية هو يبحث عن رفيق له من بني جنسه البشر بينما عقلي لا يرغب سوي بالجماد من الرفقاء .. تبادلنا جانبا من الحديث في البداية عن مدينتي الأم وإسمي واستدرج الحديث عن عملي .. لا أعلم عنه شيئا في تلك الأمور فكلما توجه لي بالسؤال أجابته حنجرتي بينما ظل عقلي متعلقا برفيقه الجديد -النافذة- يتطلع لما امتليء به الكون من أمور لا دخل للإنسان بها .. ماذا لو كانت تلك الأشياء لا ترغب في الوجود علي هذا الكوكب ؟!! أو ربما المجيء لهذه الدنيا ؟!!
أخرج رفيقي البشري علي المقعد جواري شيئا من متاعه وراح يُلح علي كي أتناول شيئا من ممتلكاته لكن عقلي لا يحبُ الرفيقَ المؤقت الذي لا يتبقي سوي لدقائق ثم يختفي إلي المعدة .. طاعة لأوامر العقل رفضت طلبه وإلحاحه ثم انعطفت عينايَ يمينا كي تستمتعَ بناظرها لرفيق العقل.
لما لا يكون عقلي مثل رفيقي البشري !! .. لما لا أكون مثل بني جنسي الآدمي !! .. لما يُصر حاكمُ جسدي علي التخلي عن الرفقاء الآدميين ويكتفي بل يعشق رفاقَه من جنس الجماد !! .. لما لا ينطقُ لساني حرفا يساعدني كي أحيا إجتماعيا وانخرط في معادلاتِ الحياة الأكثرُ تعقيدا من مجرد حساب عدد درجات السلم ؟!!
هل أُصَبتُ بالتوحد ؟!! .. لعنة الله عليه