الثابت والمتغير في أوجه العلاقة بين الحضارات - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الثابت والمتغير في أوجه العلاقة بين الحضارات

  نشر في 13 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

     إن مسألة العلاقة بين الحضارات مسألة شائكة تتداخل في رسم معالمها عوامل متعددة، ولعل العامل الأهم في تحديد هذا النمط من العلاقة مناط بالحضارة الأقوى في راهنها. وقد عرفت البشرية عبر تاريخها حضارات مختلفة وكانت في كل مرحلة تاريخية تبرز حضارة ما بوصفها الأقوى حضارياً، وعلى الرغم مما يبدو على الحضارات من تشابه فيما بينها ــــ في إطارها العام ــــ إلا أنه لكل حضارة خصوصيتها الذاتية، وطبيعتها المختلفة، ورؤاها المتميزة التي تجمع بين أبنائها، فتوحد نظرتهم إلى معنى الوجود والطبيعة والإنسان والمجتمع والتاريخ....إلخ.


     من هنا يتكشف لنا أسباب تشكل أوجه وأنماط متباينة من العلاقات بين الحضارات. كما يتكشف لنا أيضاً بأن العلاقة بين الحضارات تبنى على تصورات متشعبة يتداخل فيها الثقافي مع السياسي والاجتماعي والاقتصادي...إلخ.


     وإذا كان منطق المصالح يحكم المنطق السياسي والاقتصادي، فإن الأيديولوجية تفعل فعلها في إطار السياسي والثقافي، وقد يتصادم الاتجاهان فيتحول الصدام إلى مركز الدائرة الحضارية بدلاً من أن يكون في محيطها.


     ويبدو أن العلاقة بين الحضارات عبر التاريخ قد مرت بحالات متعددة تقع بين الصراع من جهة والحوار من جهة أخرى. فكلما علا صوت العقل، برز الحوار وهيمن على العلاقة السائدة بين الحضارات، وبالمقابل كلما غيب نداء العقل وأطلق العنان للغرائز والأنانية، أطل الصراع برأسه وهيمن وسيطر على أشكال العلاقة بين الحضارات.


     إذاً الحضارات الإنسانية عبر صيرورتها التاريخية كانت على اتصال وتواصل مع بعضها البعض، وقد تميز هذا الاتصال بفترات حدث فيها صراع وتصادم وتنافس، وفترات أخرى كانت فيها التواصل إيجابياً إذ تعاونت وتعايشت وتحاورت فيما بينها. وقد شكلت هذه الثنائية ـــ( الحوار والصراع ) ـــ مادة غنية للبحث والنظر في أنماط وأشكال العلاقة بين الحضارات. وبالتالي فقد أوحت هذه الثنائية للمفكرين والباحثين بنظريات مختلفة كل حسب قراءته للتاريخ، فذهب فريق منهم إلى أن الصراع هو الأصل الذي يحكم العلاقة بين الحضارات، وما حالات السلم التي وجدت عبر التاريخ سوى مراحل اقتضتها ظروف تاريخية معينة، وهذه الرؤية تولدت عنها نظريات جعلت من الصراع الحضاري منطلقاً لها كنظرية ((صدام الحضارات)) لـلمفكر والسياسي الأمريكي "صموئيل هنتنغتون". وذهب فريق آخر إلى أن العلاقة بين الحضارات غلب عليها التعايش والتحاور والتسامح، أما الصراع الذي وجد بينها فهو محدود بظروف معينة وهو طارئ واستثناء، وليس أصلاً لهذه العلاقة وقد أخرجت هذه النظرة إلى حيز الوجود نظريات أخرى جعلت من الحوار الحضاري حجر الأساس في فلسفتها للحضارات كنظرية ((حوار الحضارات)) لــلفيلسوف الفرنسي "روجيه غارودي". ولذلك فقد أضحت ثنائية( الصراع والحوار) هما الصيغتان المهيمنتان على قراءة أوجه العلاقة بين الحضارات.


      فهل يمكن أن نحكم من خلال ذلك بأن العلاقة بين الحضارات محكومة بأحد هذين النمطين فقط بمعنى إما الصراع وإما الحوار؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إن المتصفح لتاريخ الحضارات الإنسانية قديمها وحديثها سوف يجد نفسه أمام أشكال مختلفة ومتعددة لأوجه العلاقة بين الحضارات، كالصراع، والحوار، والتنازع، والتدافع، والصدام والتحالف، والتعارف، والتلاقح، والتفاعل...إلخ.


      ولعل أكثر هذه الأشكال وضوحاً هما الشكلان الواقعان على طرفي نقيض وهما (الحوار والصراع)، وربما يمكن ذلك في ولع الإنسان في رؤية أطراف الأشياء، أو الأشياء التي تقع على طرفي نقيض دون الوقوف على التدرج بين الطرفين مع أن الواقع يثبت عكس ذلك. فكما أن ليس جميع الناس أقزاماً أو عمالقة. فكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين الحضارات، إذ لا يوجد صراع محض يستمر إلى أقصى مدى له أو إلى ما لا نهاية، كما لا يوجد حوار إيجابي مثمر بشكل دائم لا تشوبه أي شائبة.


     وعلى الرغم من أن البحث في أنماط وأشكال العلاقة بين الحضارات مســــألة شائكة ومعقدة إلا أنه ثمة حقيقة لايمكن نكرانها وهي أن محور هذه العلاقة إنما تقوم على أساس معرفة الآخر أو الجهل به. ومن هنــــا أتت أهمية نظرية ((تعارف الحضارات)) للمفكر العربي "زكي ميلاد" بوصفها نظرية تدعو لمعرفة الآخر الحضاري، ومع أن مصطلح التعارف ليس جديداً إلا أن الجدة تكمن في المنهجية التي صيغ بها وبالتوظيف المناسب له بحيث تمخضت عنه نظرية جديدة في فلسفة الحضارة بصبغة عربية.


     ومما سبق يمكننا القول: إن الثابت في العلاقة بين الحضارات هو (( التفاعل )) والذي يمكن أن ندرج الصراع والحوار وكل أشكال وأنماط العلاقة بين الحضارات ــــ والتي ذكرناها سابقاً ــــ تحت لوائه، فالتفاعل بين الحضارات موجود منذ وجود الحضارات، وما زال قائماً حتى اليوم، وربما سيستمر بوجوده ما دامت الحضارات الإنسانية قائمة. ولكن "التفاعل بين الحضارات" له أوجه أيضاً فقد يكون إيجابياً يؤتي ثماراً نافعة للإنسانية إذا كان هذا التفاعل بين الحضارات قائماً على الحوار البناء والمثمر. وقد يكون التفاعل سلبياً إذا كان قائماً على أساس الصراع والتنازع بين الحضارات.


  • 2

   نشر في 13 غشت 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا