شعر العامية.. أجيال ورا أجيال - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

شعر العامية.. أجيال ورا أجيال

لست بصدد الحديث عن الموهومين، بل عن الموهوبين فعلاً

  نشر في 20 أبريل 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .


      يقول محمود درويش : لا نصيحة في الشعر.. لكنها الموهبة. لذلك أقول لك يا صديقي "المُتشاعِر" معدوم الموهبة، مقولة بوكوفسكي الشهيرة: لا تُحاول!

يكفينا ما ابتُلينا به. ويكفي الشعر ما فيه. وكفى الله (قُرّاء الشعر) هرتلِة المُتشاعرين.

لا يمكن الحديث عن حالة شعر العامية المصرية دون التطرق إلى (المتشاعرين) و (الموهومين) – وما أكثرهم – في أيامنا هذه. فهي حالة تستحق فعلاً دراسة، كان الله في عون من يتبنّاها ويكتب عنها. لذلك لن أتطرق لهذا الموضوع ( الذي يفقع المرارة ) لكني اكتفيت فقط بالإشارة إليه، علَّ غيري ممكن يملكون مرارة تتحمّل يكتب عنه يوماً.

في هذا المقال، لست بصدد الحديث عن الموهومين، بل عن الموهوبين فعلاً. واخترت أن يكون كلامي عن الجيل الأحدث من شعراء العامية المصرية، الأصغر "سناً" من جيلي. بصفتي في المقام الأول قاريء مُحب لهم. قد يتخلل كلامي بعض النصائح الغير مقصودة بشكل مباشر، فأنا لست في مكانة تسمح لي بنصيحة أحد، ولا بالقيام بمهام المُعلّم والمُلهم. لكنها نصائح من باب ( أوصي نفسي وإياكم ) لذلك كلما وردت نصيحة مغرورة غير مقصودة دسّها شيطاني المغرور بين السطور، تذكروا ما قاله درويش في بداية المقال.

لا يمكنني أن أدعي أنني مُتابع جيد – في الوقت الحالي – لمشهد شعر العامية المصرية؛ فالوضع مؤسف، والقولون سلِّم نِمَر من زمان. لكن القلم الجيد لا تُخطئه العين "السليمة" ، ولا تنساه الذائقة "الحكيمة". لذلك يمكنني أن أدعي أنني متابع جيد لبعض الشعراء الجيدين في هذه المرحلة من الجيل الأحدث كما أشرت.

وهم عدد ليس بالقليل كما يدعي البعض، ولا تنقصهم الموهبة. ينقصهم فقط – ما ينقص جيلي بالمناسبة – أن يُعطوا الشعر ما يستحقه.

يقول الدكتور طه حسين في تصدير كتابه "جنة الشوك" : إني أبغض الشعر اليسير، وأكره الطريق المطروقة التي يطرقها كل إنسان.

يقول عميد الأدب العربي أنه يكره الشعر السهل. والسهل هنا هو الشعر المكتوب باستسهال وسهولة؛ والذي عادةً ما يكون شعراً رديئاً ساذجاً. ويؤكد على أهمية الإبداع والاختلاف في أنه لا يحب الطريق الذي يمشي فيه كل الناس. فالشاعر لا بُد أن يكون مجدداً، مُبدعاً ومختلفاً.

والسهل يختلف تماماً عن البسيط. فالشعر البسيط هو الشعر الجميل بالضرورة، الغير مُعقد. أي أنه لا يفتقد لمقومات الجمال والشاعرية في المقام الأول، وفي المقام الثاني لا يستعصي على الفهم. وهذا فارق كبير يجهله الكثيرين من شعراء هذه المرحلة.

لكننا في الزمن السهل. وفي الزمن السهل يصبح كل شيء سهلاً.

في رأيي أن للسوشيال ميديا تأثير كبير على كتابة الشعر – على الكتابة بشكل عام – فسهولة النشر والانتشار سهّلت حتى من كتابة القصيدة. فمثلاً في السوشيال ميديا لا يوجد (الناقد أو القارئ البصير) فكل متابعيك و (فانزاتك) يعجبهم كل ما تكتب، مهما كانت درجة رداءته، فمهما نشرت من قصائد على السوشيال ميديا، ستنهال عليك الإعجابات والتعليقات التي تُشيد بجمال القصيدة وعبقرية الشاعر، ومن بين كل هذه التعليقات، أتحداك أن تجد واحد فقط يقول أنها قصيدة رديئة، أو ينتقد صورة فنية ( إن وُجِدت أصلاً ). فالسؤال هو: ما الذي يجعلني أنا الذي أنشر قصيدتين ثلاثة كل يوم، وأُقابل بهذا الكم من الحفاوة واللايكات، بكل هذه السهولة، أن أُصدّع دماغي بتساؤلات مثل: هل ما أكتبه جيد؟ هل ما أكتبه هذا شعراً أصلاً؟ هل أنا أطوّر من كتابتي؟.. ما الذي يجعلني أصدع دماغي بمثل هذه التساؤلات طالما أن الأمور سهلة والدنيا ماشية تمام.. والفولورز على قفا مين يشيل؟

قضية مهمة لا أحب أن يقع فيها أي أحد من شعراء هذا الجيل. وليس معنى الكلام هو التخلي عن الشهرة والزهد فيها، لا، فالشهرة أمر يتمناه كل شاعر. ولكن كل ما في الأمر هو عدم اللهاث وراء الشهرة، وطرق الطرق التي تفقدك كونك شاعراً في المقام الأول، متمرد وحر، والتي تفقدك بالتالي كونك مبدعاً، وتحولك إلى أرزُقي يستخدم الشعر كوسيلة للوصول إلى مبتغاه، دون أن يدري أن التاريخ سرعان ما "يُغربل" الشعراء. والزبد يذهب جفاءً.

أقول أن الشعر لا يأتي بسهولة.. لذلك لا يُمكن أن يُكتب بسهولة.

يعرض بعض الأصدقاء من الشعراء قصائدهم عليَّ، لأخذ رأيي فيها. هم يثقون في قراءتي. وأنا أشكرهم على ثقتهم.

ويطلبون دايماً نصيحة، بماذا تنصحني في كذا؟ ما الذي ينقصني في كذا؟.. أشكرهم أيضاً على ثقتهم، مؤكداً أنني لا أملك المكانة والخبرة الكافيتين، اللتان تجعلاني أقدم لهم النصيحة. ولكنني على كل حال أنصحهم نصيحتي الأثيرة، التي لا أتوقف عن نصح نفسي بها. وهي: إقرأ

القراءة ثم القراءة ثم القراءة.. ثم الكتابة. على طريقة حديث الرسول. مستخدماً معادلة قمت بها ( جدعنة كدة ) وهي أن: القراءة 80% من الكتابة.

هذه هي النصحية الأهم والأغلى التي يمكنني أن أنصح أي شاعر بها، ناهيك عن شعراء هذه المرحلة السهلة، في هذا الزمن السريع، والتي أصبحت فيه القراءة مضيعة للوقت.

أقول مهما كانت موهبتك، فلا قيمة لها إلا بالقراءة. القراءة هي من يُنمّي موهبتك ويضع قدمك على الطريق.

وأنا أحزن عندما يقول لي واحد أنه – للأسف – لا يقرأ. فأتعجب!! كاتب لا يقرأ؟ وتخرج من بين شفتّي كلمة (أبيحة) وربما يخرج أحياناً من أنفي (صوت أبيح) أيضاً، وأقول إنا لله وإنا إليه راجعون.

في هذا الجيل، يوجد شعراء أُقرأ لهم، وأُراهن عليهم. أحب ما يكتبون، وأتمنى لهم المزيد من الشعر والإخلاص له. والحقيقة أنهم سيصبحون علامات مميزة في تاريخ شعر العامية المصرية.. هكذا أرى وهكذا أتمنى. من هؤلاء: هاجر فايد، سوزان عماد الدين، عبدالله محمد، عبد الرحمن الدمياطي، ناصر عبدالسلام، عبدالرحمن منصور، زين العابدين محمد... والقائمة تطول.

صحيح أني أختلف كثيراً على فنيات كثيرة في قصائد هذا الجيل. أكثرها الموضوعات، وأهمها الأسلوب. لا أحب مثلاً تكرارهم لنفس الموضوعات بشكل يُشعرني أحياناً أنهم يتسابقون على "مين فينا اللي هيكتب في الموضوع ده أحسن". أو كتابتهم المستمرة والتي لا تريد ان تتوقف عن: الأم والأب والأهل. والتي تجعلني أقول أحياناً " خلاص بقى دا انت بار بوالديك جداً ". فالموضوع تحول إلى استبدال الرمزية في التعبير إلى التعبير عن الرمز، بطريقة مباشرة، سطحية وساذجة أحياناً. يكون الغرض فيه هو الكتابة عن شخص بعينه، عن الأم مثلا، لأنها أمي، حتى لو لم يكن هناك أي حاجه فنيّة للكتابة عنها؛ فقط كتابة من أجل أنه يريد أن يكتب عن أمه حتى لا يُقال أنه " استخسر فيها قصيدة!"

الموضوعات كثيرة يا أصدقائي، فلا "تزنُق" نفسك في موضوع واحد وتصدّعنا به.

لكن هذه الأمور – على أهميتها – لا تنفى ولا تُقلل من أهمية هذا الجيل ووجود مواهب كبيرة فيه.

وفي النهاية أكرر ما بدأت به، وهو قول درويش: لا نصيحة في الشعر.. لكنها التجربة. وإن كان في الشعر من نصائح أُخري فستكون: اقرأ أولاً.. أكتُب بصِدق.. اخلص للشعر.

وللـ ( المتشاعرين ) و ( الموهومين ) : لا تُحاول.. لا تقترب.. لا تُفكر حتى يا ابن الـ.....


  • 1

   نشر في 20 أبريل 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا