المرة الأخيرة التي شعرتُ فيها بالبراءة .. كانت .. حينما سألتُ أمي و أنا أحاارب كي أصعد سلم السادسة .. لماذا يتكفف الناسُ الناس في الشارع .. فأجابتني لأن الله أراد الدنيا هكذا .. طويتُ الإجابة و خبأتها في مكتبة قلبي .. و حينما كبرتُ .. أخرجتُ الورقة البالية .. لأجد أن الله لا يمكن أن يكون قد رضي أن تكون الدنيا هكذا ..
لأن كلمات الله لا تبلى .. و لأن الفقير كما الفرخة المكلومة .. تخرج إلى بطانها ، فترجع لتجد فراخها قد أكلها الذئب !
كلما ضممت حروفي إلى جناح الماضي خرجت بيضاء من غير سوء ..
،،،
أوطاننا .. تننانير .. أوقد الغربان عليها ى أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ..
و كل هذا الألم الذي يعتصرنا .. لا يكفي لعقد صفقة مع العدل .. فالمنزل مليئ بالأوحال .. و العدل رجل وهن حتى آمن أن خَيْرَ مَالِ المرء غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَن.
أخرج إلى الشارع في ساعة متأخرة من الوطن ..
يناولني الإسفلت .. قائمة ذل طويلة .. بتاريخ اليوم ..
أبحث بينها عن فنجان عز واحد فلا أجد إلا الهوان ..
يحملق في بعينين ضجرتين ، و يسأل :
عم تبحث يا ابن الأرض ؟
هممت أن أقول له .. ابحث لي عن شموخ ..
فتذكرتُ أنه مداس .. و أنه .. قد ضعف الطالب و المطلوب !
،،،
لم يعد بإمكاني أن أراود حروفي عن نفسها .. و أكرهها على البغاء .. و أخبرها أن كل شيء على ما يرام .. و ألبسها بدلة صباغ و آتي بالألوان و أزكم أنوفها برائحة الكحول !
..
يا بني .. اغسل يديك على ديك منافق .. و خروف يعوي .. و أسد يأكل التبن .. و ذئب يثغو .. و اغسل يديك بعدُ سبعا .. إحداهن بالتراب .. فقد أصيبت حديقة الحيوانات يا بني بأنفلونزا الخنازير !
،،،
بلغني أيها الذئب العنيد .. ذو الناب السديد .. أن كان في من كان قبلكم من الأسياد رجل.. و الرجال يومئذ كثير .. كان يحكم مدينة هي في الحقيقة مركز الدول .. و كان حينما يخرج إلى الشارع يتلقفه الصبيان .. و يقولون .. أنا أقبل أولا يد والدي .. و يتخاطفونها كما يتخاطف الطير حبات الغوث .. و كان من كثرة صدقه صديقا .. و مات فأوصى .. لرجل و الرجال يومئذ كثيرُ .. كان إذا أرخى الليل بقدميه .. خرج .. فعس بيديه أحوال الرعية ,, و إذا استفاقت الشمس خرج يهرول إلى إبل الزكاة .. و قُتل في المحراب فأوصى إلى رجل و الرجال يومئذ كثيرُ كان يحث المال حثيا لا يعده عدا .. نهرا كان يجري على قدمين .. حتى انتهى دمه على الصفحات المصحف .. فقتل و أوصى إلى رجل و الرجال يومئذ كثيرُ .. كانت الأسد تهابه ,,
و صارت دولتهم في عهدهم .. كالعملاق الضارب .. لا يزيد الضرب فيها إلا بسطة في العلم و الجسم ..
هذا و الأمر ما تسمع لا ما ترى .. لأن النور أيها الذئب لا يراه الشياطين !
ــــــــــ
حديقة الذئاب المتحدة
يعقوب مهدي
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة