لنترك جانبا كل الهالة و الجلبة التي صاحبت هذه الجائحة المسماة (فيرس كورونا COVID-19), التي أصبحت بين اليوم و الأمس أخطبوط يهدد وجود نسل البشرية .و دعونا نسلط الضوء على الأوبئة التي أتت من وراءه, نعم (أوبئة) أقل ما يقال عنها فتاكة أيديولوجيا و بقائها أبدي, بل لا تعرف فلسفة الإستئصال أو 'المصل' وهذا هو المطب الأكبر.
إستقبلت "الأقطار النامية" منذ بداية أذار/ مارس من هذه السنة ,الأمواج العاتية للفيروس التاجي بنوع من الهشاشة و عشوائية التخبط (وليس بالجديد على أنظمة لا تمتلك فلسفة تعامل / تأقلم مع الأزمات ) .كان بداية السيناريو من مستقر بؤرة الاقتصاد العالمي (الصين _حاضرة يوهان) التي لملمت جراحها بفعل ترسانة الإمكانيات المُوجهة, من تم إنتقلت الجائحة الى عمق الشرق الأوسط لتحل ضيفاً ثقيلاً على إيران هي الأخرى في صراع بلا هوادة من أجل صد و محاصرة شبح الظلام الذي خيم . لتنتقل في حركة خاطفة الى إيطاليا التي إستسلمت و رفعت أكُفها الى سماء كي تمطر عدالة الرب , و هاهو دور شمال افريقيا قد حان بعد انتظار طابور إنقشعت معالمه : حالات متفاوتة ,و تخبط العشواء و واقع قطاع الصحة اهترء في ذوبانه. و إجراءات متباينة و لا همس يعلوا فوق الجهل المقدس و تفاهة التفاهة و سريالية الهزلية السوداء التي غطت كل الأرجاء لا الواقعية و لا الإفتراضية حتى .
بما يفسر إذن هذا المزج ؟
هل هي عملية حصد ما كانت السريالية السياسية تزرعه لعقود طوال ؟
أم أن ميكانيزم قداسة الجهل و الخواء الفكري هي الكلمة التي لا تعلوا فوقها كلمة ؟ بل الأكثر من هذا :
ما الغريب فيما يقع ! و بنية المجتمع مؤسسة أصلا على الفهم المشوه لنظرية الدينية ؟
لماذا نلف ما يحدث بغلاف الغرابة و طابع الفجائية ؟!
و هل يُرجى مِن مَن زرع الأشواك لعقود أن يحصد أزهار البنفسج؟
أسئلة و أخرى تسقط من تلقاء نفسها ,لترتطم إرتطاما مدويا لسوداوية المشهد الذي نقبع فيه. و عند إصباغه بأبسط صيغ (المقارنة) تصاب بإلتهاب الدماغ البنفسجي او ما يعرف (بجنون البقر) لدرجة الفارق .فهاهي الصين تلملم جراحها بسرعة و ترسل (نصف مليون قناع طبي) لإيطاليا, كل ذلك تحت شعار (نحن أمواج من ذات النهر) فالإنسانية لا تعرف الدم و لا اللحم ولا حتى الهوية او جوازات السفر ,و لا عزاء لحفنة الجهلة و المتعصبين و أصحاب البزات العدمية التي يغص بها المحيط حد التخمة : فإذا ولجنا الأمر من الجانب الأهم بل سارية المجتمعات, (التعليم / الثقافة / منسوب الوعي) فإلى من يشكوا المغاربة معضلتهم؟؟ و قرابة نصف (50%) يقبع تحت سقف الأمية الأبجدية في ظل فضاء العولمة الزئبقية. الجانب (الإقتصادي/ الدخل) هو الاخر تجرع سكرات الموت منذ زمن, وقيد أبديا داخل غرفة الانعاش فغالبية (وفق الأرقام الرسمية) الشعب يعيش بأقل من دولار يوميا في ظل فوارق طبقية جد شرسة .بمعنى اخر (العيش على هامش الحياة). أما ( الصحة و قطاعها) فلا عزاء للإنسانية و نسلها ,و حتى لا ننسى أو بالأحرى نتناسى (الدين و إستعمالاته المتعددة) ,فما يقدم هنا على موائد الضيافة (دين المخزن) أو بعبارة أكثر نعومة _الدين الذي يخدم التوجه الرسمي لدولة_ ومن خرج عن "الوعاء" يُكفر كما كفر (إبن تيمية) الفيزياء و الطب و الرياضيات و جعل منها منكرا وجب النهي عنه.
وفي الأخير أترك "أوليفييه روا" يفتتح لنا كتابه المعنون ب (الجهل المقدس _زمن دين بلا ثقافة_) ففي ثناياه يكمن إكسير سنستنشق منه أوكسجين نافع.
-
خالد بوفريواكاتب