شهوة الرقي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

شهوة الرقي

  نشر في 12 غشت 2019 .

في رحلتك المتفرّدة، تقف مع نفسك من حين لآخر، وقفة مناقشة أو محاسبة وربما وقفة عتاب، لعلك تجلد ذاتك لفرصٍ أهدرتها، أو تتفحص معالم طريقٍ لم تحاوله، لكنك مع كل ذلك تؤمن بقدراتك! إذا كنت من هؤلاء فأنت على أعتاب النجاح، نجاح لا يدندن على وتر رخيص، بل يراهن عليك وحدك، وأنت حقيق ببلوغه إن شئت.

قبل سنوات، حاول سومرست موم الكتابة الأدبية، لم يملك موهبة حقيقية للإبداع، ولم يعرف خياله المحدود روعة الوصف وقوته، إنما كانت لديه شهوة الكتابة، اقترنت بشهوة الرقي وتطوير كتابته، ما أتاح له قطع مسافات مؤثرة في دنيا الكتابة، والتحليق في سماء الرواية والمسرحية والأقصوصة.

المدهش في موم أنه رجل يحترم نفسه، لا تظنها مسألة سهلة أو حتى تافهة، إنها قضية رئيسة في تحقيق قفزات عبقرية؛ فإن موم صارح نفسه بعيوبه وجفاف خياله، ووضع لنفسه محددات للنجاح في طريق الأدب، يمكنك إسقاطها على شتى مناحي الحياة، وأول تلك المحددات مصارحة الذات.

أدرك الرجل مشكلته ووقف على حجمها، وكان عليه أن يعطي ظهره للأدب، أو أن يؤهل نفسه ليصبح في زمرة الكتَّاب؛ فاختار طريق التدريب المتواصل، واستثمر وقته ومعرفته وكل حواسه، ووظفها لخدمة هدفه. قرأ كل ما كتبه غي دو موباسان، وأفاد من طريقته وسعة خياله، عايش كتَّاب آخرين يملكون مهارات تنقصه، وصقل موهبته الهزيلة بإصراره وحسن تخطيطه.

دع عنك موم الآن، وانظر إلى حالك، واصدق في الحكم على موقفك، أتؤمن بمهاراتك؟ هل تسعى لتطوير حرفتك أو موهبتك؟ وهل تظن أنك ستنجح؟ وهل يستحق الأمر ما تبذله من تضحيات؟ إجابتك عن هذه الأسئلة تنقلك نوعيًا، وهذه أسئلة مغلقة لا تترك مجالًا للتوسُّع، والإجابة عنها بنعم أو لا؛ فلا مفر من الصدق في الرد.

إذا كانت جواب السؤال الأول بالإيجاب؛ فأنت تملك الكفاءة الذاتية، وعليك أن تصقل هذه المهارة، وإن كان جوابك بالنفي؛ فإما أن تتراجع بهدوء دون تبرُّم، وإما أن تجتهد اجتهاد موم وتسخر وقتك وجهدك لهذا التحدي. حينها، ستواظب على حضور مجالس الأدباء والمثقفين، أو تشارك في حلقات تمس تخصصك، وتحرص على متابعة النابهين في مجالك، وتستثمر جزءًا من مالك في التدريب والتطور.

تأتي الإجابة على السؤال الثاني، ومغزاها أن تزيد من رقعة ثقتك بنجاعة الأمر، أو ما يسميه آلبيرت بيندورا "فاعلية الاستجابة"؛ فأنت تثق أن سلوكياتك الجديدة قمينة بتقريبك إلى الهدف المرجو، وتتوطد صلتك بهذا الهدف يومًا بعد يوم، ولا تحيد عن هدفك لتطارد أهدافًا أخرى. تجد في نفسك شهوة أكبر لمبتغاك، تترك كل ما سواه مهما كانت المغريات.

في منتصف الطريق، ومع ظهور بعض المثبطات، تحتاج الإجابة عن السؤال الثالث؛ فإنها في الغالب -ووفق سلوكك الجديد- ستكون بالإيجاب، وعندها يرتفع بين جوانحك هرمون الإصرار، إنه سؤال تحفيزي يحثك على إنجاز المرحلة الأخيرة من ماراثون نجاحك. إن شعرت بالريبة في جدوى ما تبذله؛ فانظر إلى العاقبة وقارن بتروٍ، وضع بين عينيك قولهم "من لمح فجر الأجر، هان عليه ظلام التكليف"؛ فإن استدعاء شعور المكافأة يزيح عن كاهلك الكسل والوخم والتردد.

ليس مدار الأمر على رؤية الآخرين لك وحكمهم عليك، الأمر -كلّ الأمر- ينصبّ على استعدادك، إذا كنت متعطشًا لتحقيق ذاتك، وسيطرت عليك شهوة الرقي؛ فلن تنكص على عقبيك، وستتقحَّم الأهوال في سبيل مأربك، ولن يمنعك من بلوغ هدفك شيء؛ فإن اختيار الطريق يعزز الدوافعك الذاتية لإتمام المشوار، ومن طلب عظيمًا خاطر بعظيمته.



  • 2

   نشر في 12 غشت 2019 .

التعليقات

لمى منذ 4 سنة
بورك في قلمك
أرجو بأن عطاءه للمنصة لا ينفد
1
محمد الشبراوي
وفيكم بارك الرحمن، شكرًا جزيلًا لكم، وهذا من دواعي سروري، لي الشرف بالتأكيد.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا