هزتهم الكلمة! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هزتهم الكلمة!

محاولة اغتيال سلمان رشدي

  نشر في 12 غشت 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

لماذا هي مخيفة إلى هذا الحد فائق الجنون والخطورة؟ لماذا تُعتبر مبررا للكثيرين ليقتلوا ويبطشوا بسببها؟ لماذا كل هذا العداء لأصحابها وقائليها؟ لماذا نرفضها ونخشاها ونقتلها؟ لماذا يُسجن ويُعذَّب أصحابها ومبدعيها؟ لماذا ولماذا كل هذه العذابات والمهالك التي تعتري طريق الكلمة وقائل الكلمة؟ لماذا كل هذا يجري للكلمة ولخالقها وقائلها وكاتبها ومبدعها ومصورها؟ لماذا كل هذا الرعب من هذه الكلمة؟

صُعقت وأنا أقرأ الصحف اليوم بخبر محاولة اغتيال الكاتب البريطاني سلمان رشدي، وشاهدت مقطعا وصورا ظهر فيها وهو مُلقى على ظهره في حالة صعبة بل وخطيرة جدا، فقد تعرض لطعنات كثيرة في العنق والرأس. قرأت عدة مقالات عن هذا الخبر محاولا معرفة الدوافع وهوية الجاني كذلك. ووجدت في مقالة نُشرت في موقع (فرانس٢٤) حقيقة دافع الجاني غير أن هويته لم تُعرف بعد، تقول المقالة "في (1989)، أصدر مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني فتوى بهدر دمه بسبب روايته "الآيات الشيطانية". وكانت إيران قد أكدت عام (1998) أن الفتوى لن تطبق. إلا أن المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية آية الله علي خامنئي عاد ليؤكد من جديد في (2005) هذه الفتوى".

بعدما قرأت بتفاصيل وتعمقت في المقالات الكثيرة التي كُتبت عنه تأكدت من أن دافع الجاني كان حرصه على نيل "شرف طاعة سيديه الخميني وخامنائي" في تنفيذ الفتوى التي صدرت -عنهما - بحق سلمان رشدي في عام (١٩٨٩)، أي قبل أكثر من ثلاثين عاما! وقد كان الجاني حاسما في عمليته الإرهابية إلا أن الأقدار كان لها تصوُّر آخر. ففي الأخبار الأخيرة ظهرت حاكمة ولاية نيويورك لتقول "إن رشدي على قيد الحياة ووصفته بأنه "فرد أمضى عقودا يواجه السلطة بالحقيقة". وتابعت "ندين كل أشكال العنف، ونريد أن يشعر الناس أنهم أحرار في قول الحقيقة وكتابتها".

وهذا الحدث المروع يجعلني أتفكر كإنسان وناشط حقوقي وكاتب مدافع عن حرية التعبير وكل حقوق الإنسان، في إمكانية تعرض كل إنسان وفي أي لحظة لعملية إرهابية لم تخطر له حتى في الأحلام لمجرد ممارسته لحقه في حرية التعبير والإبداع! فنحن نعيش وخاصة - كمسلمين - في قوقعة فكرية غير قابلة للانكسار أو الزوال! قوقعة مليئة بالتعصب في طرح قضايا الدين، والتطرف في التعامل مع مخالفي ونقاد هذا الدين. يُصاب المسلم بشيء من الذعر والارتباك إذا ما قرأ شيئا ليس مطابقا لما درسه وتعلمه، فيثور ويغضب وينفجر كالثور الهائج، يهيج ليتخبط ويُناطح كل من ليس مثله، وطبعا مستخدما العنف والدماء في هيجانه ذاك.

كتب سلمان رشدي رواية أسماها بـ"آيات شيطانية" وأذكر أني قرأتها قديما ولم أعد أذكر منها سوى اسمها وبعضا من أجزائها. قرأتها ولا أذكر - حينها - أن إيماني تزعزع أو انطفأ، بل وكغيرها من الكتب أنهيتها وذهبت لكتاب آخر .. لم أشعر لا بالإهانة ولا بالازدراء في كلماته، وحتى لو وجدت فيها ما يمس الدين والقرآن أو يمسني أنا شخصيا، ما كنت لأفعل غير الرد عليها بما هو مناسب وعقلاني في إطار الحرية الفكرية والتعبيرية. أما أن أنخرط أو أؤيد أي عمل عنفي ضد خصم لمعتقدي أو لشخصي فهذا ليس إلا إرهابا وإرعابا للناس أجمعين. فالفكر يُرد عليه بالفكر لا بالسكين أو البندقية، لأن هاتين الوسيلتين ليستا إلا وسائل الضعفاء والجبناء والإرهابيين.

عجيب كيف لأمة تعدادها يقترب من المليارين (مسلم) تُخيفها كلمة هنا أو كتاب أو مقالة هناك! إن من يشاهد تعليقات المسلمين على الجريمة التي وقعت اليوم سوف لن يشعر إلا بأن كل ما يقوله نقاد الإسلام صحيح ودقيق، فالعنف قاسم مشترك بين كل المسلمين وهو ما يوحدهم ويجمعهم .. العنف ضد غيرهم وبينهم أنفسهم، فحتى المسلمين الذين يُبدون انفتاحا تجاه الآخر، لا يسلمون من تطرف وعنف إخوانهم في الإسلام! فالعنف إذن أصبح عقيدة أزلية-أبدية للمسلم العادي! وهذا والله ليس إلا دليلا حقيقيا على أزمة هذا الدين بنسخه الحالية ونماذجه الحية.

هزتهم كلمة! نعم أمة الملياري (مسلم) هزتها وزلزلتها الكلمة! ومن يقرأ تعليقاتهم على الحادثة سيجد حقيقة ما أقول، فمعظمهم يتحدثون عن رشدي ليس باعتباره ضحية، بل كمجرم واجب نحره وحرقه. يتحدثون عن الضحية ليس كإنسان بل كشيء لا قيمة له، فما دام كافرا بدينهم ومعتقداتهم فهو مستباح الدم والكرامة. يصبح قتله جائزا وسباقا يتنافس عليه زمرة المجرمين التابعين لأصحاب اللحى والعمائم.

المسلمون يُعانون، هذه حقيقة .. يعانون من أزمة تدينهم وتمثلاته في الحياة والمجتمع، هناك صراعات نفسية كثيرة لدى معتنقي هذا الدين، ومعظمها لكونه لم يعد مقنعا ولا صالحا في كثير من جوانبه ونصوصه مع قيم ومتطلبات هذا العصر وما فيه من حقوق إنسانية لم تكن قد أُقرت في زمن مجيء رسالة النبي الأمين محمد، وبسبب تلك الصراعات النفسية وعقدة الذنب المصاحبة لها قد يلجأ المسلم لعمليات متطرفة وإرهابية، معتبرا إياها الوسيلة الأمثل لإزالة تلك العقد والصراعات "ووساوس الشيطان".

نعم هذه حقائق يجب أن نعترف بها وأن نواجهها .. ديننا متأزم وغارق في برك الأزمات والكوارث، وقولي هذا ليس انتقاصا ولا تقليلا من هذا الدين، وإنما دعوة صادقة نابعة عن احترامي وتعظيمي له بالعمل على إصلاحه وتكييفه مع ما يحتاجه إنسانه وأتباعه. فالإنسان غاية الدين لا العكس من ذلك .. فإذا لم يخلق لي ديني جناحي سلامي وحريتي وكرامتي وفردانيتي، فما الغرض وما الفائدة منه؟

ولا يصيح أحدهم ليقول "ليس الإسلام الذي في أزمة، بل ما يضم تحت ظلاله من تيارات ومذاهب وطوائف ومدارس" وهذا القول ليس عندي بذي قيمة، إذ أن المشكلة لا تكمن في تلك النحل والطوائف وحسب، بل في الإسلام ككل، وعلى وجه الدقة قراءات آياته ونصوصه المقدسة. فالإشكال آتٍ من هناك، حيث جذور التشوُّه والانحراف والتطرف.

للأسف الشديد نجح نقاد الإسلام في إثبات حقيقة عنفه وعنف تابعيه، لم يكن ينبغي لنا الاعتراض حينما وُصف ديننا بالدين الرجعي والعنفي والغارق في بحر أزماته، فكل ذلك كان صحيحا، وكل تلك المحاولات لإثبات حقيقة هذا الدين بوصفه دينا يحث على العنف والإقصاء والترهيب، قد نجحت اليوم في محاولة قتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي الذي لم يرتكب جرما سوى أنه مارس حقه في حرية الفكر والتعبير والنقد والإبداع والكتابة.

من كان يختلف معه كان واجب عليه الرد بالفكر والمنطق لا اللجوء للسلاح والسكاكين، فتلك حيلة كل جبان ومهزوم. وأتمنى وأدعو الله أن يعجل بشفائه وأن ينال المجرم عقوبته التي يستحقها .. أدعو له لأن الله ليس أبا مستبدا يغضب على أبنائه وبناته لمجرد أن عاتبوه وانتقدوه، فالله إله فوق كل شيء وليس كمثله شيء، هو خالق كل شيء وهو موجود هذا الوجود بكل ما فيه، وبكل ما نعرفه ونجهله فيه، الله ليس بشرا تُغضبه اللعنات والانتقادات، ليس ساديا ولا مختلا ليقتل ويسحق معارضيه ولاعنيه .. الله هو الله، ليس كمثله شيء، ورحمته وعفوه وسعت كل شي.



   نشر في 12 غشت 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

مريم منذ 2 سنة
قرأت مقالك....
أتمنى أن تراجع فكرك فيما كتبت عن أن الدين الإسلامي به أزمة وغير صالح لكل الأزمنة....
أخي الفاضل... دين الله وشرعه هو لكل زمان ومكان لأنه من "الله"..... الله الخالق.
اما فيما يخص العنف الذي تعتقد انه قاسم مشترك بين كل المسلمين، فهذا رأيك ووجهة نظر خاصة بك، قد نتفق او لا....
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا