قد يحدث أن تنضُب الرّوح احيانا فتجفّ معها كلّ مسارب الحرف ويثّاقل القلم إلى الصمت برضوخ غريب غير مسبوق، وقد يكون مردّ هذا الانتكاس إلى نفاد الروح تحت وقع سياط الحياة أو إلى نضوب مشارب الكلمات ومنابعها أثناء ضمور القراءة ، وفي أحيان كثيرة نتخلّى عن أساطير الكتابة بكلّ إذعان أمام سؤال كبير مزلزل عن جدواها !
فيم تجدي الكتابة؟
ذاك السؤال المربك الذي يملك أن ينسف -بلا شفقة- كلّ محاولة كتابية متبرعمة بين جوانح النفس أو أن يعدم نصّا جنينيا يتكوّر في دهاليز الروح ..لماذا نكتب والجميع يكتبون؟ لماذا نكتب والكتاب أكثر من القراء.. هذا ان وجد قراء اصلا ؟ ..لماذا ننسج نصوصا لا تغني ولا تُسمن من جوع عدا عن كونها نسخ ركيكة لنصوص أخرى أكثر بذخا وجمالا؟ هل أنجزنا شيئا بكتاباتنا..هل حرّرنا القدس بها؟ أسئلة كثيرة كفيلة بإناخة أيّ قلم عن نصّ كان يهم بخلقه ..وتحيط النّفس بحزمة خيبات لا فكاك منها.
وفي دوّامة هذه الأسئلة المفخّخة لا تمثُل إلا حقيقة واحدة، هي أننا لا نكتُب ليقال عنا كتابا ولا لندهش الآخرين بكتاباتنا ولا حتى لنصنع أمجادا على ورق ، بل نحن نكتب حتى لا نفقد حاسة البوح ، إن البوح حاسة مثل جميع الحواس الخمس الأخرى، ولئن كانت هذه الحواس قد وُجدت فينا لنكتشف بها العالم الخارجي فإنا قد جُبلنا على البوح ليكون منفذا منا إلى عوالمنا الداخلية، نتحسس بها دواخلنا ومايصول في أرواحنا ومايقبع في أعماقنا، إنّ البوح احتياج والكتابة رغبة جموح ونزف موجع، ولا يُشبع احتياج البوح إلا بكتابة باذخة الألم تُخرج من أعماقنا نصوصا تشبهنا وتشي بما يعتمل فينا وتخلّدنا.
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
فلا تضعي قلمك فهو اروع و اوفى صديق