كيف ساهمت الفلسفة في تقدم العلم ؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كيف ساهمت الفلسفة في تقدم العلم ؟

  نشر في 02 مارس 2018 .


    قبل 300,000 سنة وجد الإنسان نفسه في الطبيعة مع الوحوش و الحيوان ، و داخل قطعان اصطاد الإنسان كما يصطاد الذئب ، و افترس كما يفترس الأسد ، كما ثم افتراسه هو نفسه أيضا كما يتم افتراس النعاج و الغزلان و الجردان ، أي أن الإنسان في بداياته كان كباقي الحيوانات مجرد حلقة في سلسلة الكائنات الحية التي تحفظ التوازن الطبيعي . و مع مرور الزمن اكتشف الإنسان أحد أهم ما سيُؤَسِّس حياته العشائرية بعد ذلك ، و هو "الخيال" الذي سيوظفه لإختراع "الأسطورة" ، التي تضمنت ابتكار الديانات الأولى -كالطوطمية- و الآلهة الأولى(1) ، حيث ستُصبح هذه الآلهة و هذه الديانات الصمغ الذي يُلَحِّم أفراد العشيرة و يَجمعهم في ذات عشائرية واحدة ، كما يَجمع خيط السوار حلقات العقيق ، بمعنى آخر حاجة الإستمرار في الحياة اقتضت إبداع معنى للحياة و هو الذي اختلقته الأسطورة من جانب ، و ضرورة العيش بشكل مشترك في إطار جماعات من جهة أخرى ، حيث يستوثق الأمن داخليا و يحرض الأفراد لرد الإعتداء الخارجي ، هكذا سيؤسس الإنسان عشائره فيما بعد على أساس الأسطورة بما أنها تقدم هذه الضرورات . 

  إذ إن الأسطورة  تتضمن "نظام تصنيف Système de classification" ، يفرق بين ما هو مقدس و ما هو مدنس كما لاحظ ذلك "إميل دوركايم" و تلميذه "مارسيل موس" ، فإنها حددت قانون العشيرة ، هكذا وجدت الحياة المادية نظاما قارا ، و في نفس الوقت أوجد الإنسان للحياة الرمزية بواسطة الأسطورة معنى و أبدع لها قيمة ، و ابتكر أجوبة عن أهم أسئلته الوجودية ، من قبيل من خلق الكون و من خلق الكائنات التي تعيش فيه و منها الإنسان ؟ من يحرك ظواهر الكون كالليل و النهار و البرق ؟ من يسقط المطر ، و من يجعل البحر يرتد لحدود مده لا يفوتها ؟ ثم ما هي وظيفة الإنسان و ما موقعه في الوجود ؟ و إلى أين مآله بعد الموت ؟  

  و من ذلك اخترع اليونان "أسطورة زيوس" و آلهة الألمب ، كما اخترع السومريون أسطورة عشتار و "أسطورة الخلق" التي مازلت تعيش إلى اليوم في الكثير من إيمانيات البشر ، ثم اخترع البابليين ملحمة "الأنوما إيليش" التي تعتبر بحق أول سفر تكوين دونه الإنسان ، إذ يعني اسم الملحمة "في الأعالي" حيث لم يكن لا أرض و لا سماء ، بل كان هناك فقط ثلاثة آلهة ، "إبسو" و هو الماء الحلو ، و زوجته "تعامة" و هي ماء مالح ، ثم و "ممو" و هو أمواج نشأت عن إبسو ، هكذا بدأت هذه الآلهة الثلاث تتناسل فولدت "لخمو" و "لاخو" و غيرهم ، فاعتلى كل إله ظاهرة طبيعية ، أحدهم أصبح إله للسماء و آخر للشمس و آخر للمطر و غيره للعواصف ، هكذا خلق الكون حسب ملحمة "الأنوما إيليش" الذي سيتسنم الإله "مردوخ" بعد ذلك درجة إله الآلهة فيأمر باتخاذ بابل مدينة للآلهة و بناء فيها معبد تنطح ذروته السماء (2).

  و بذلك مثلت الأسطورة المحاولة الأولى للإنسان من أجل الفهم و الوصول للحقائق التي تؤطر الوجود ، فهي أداة الإنسان القديم في التفسير و التحليل ، هي حكاية مقدسة يلعب أدوارها الآلهة وأنصاف الآلهة ، أحداثها ليست مصنوعة أو متخيلة ، إنها سجل أفعال الآلهة ، تلك الأفعال التي أخرجت الكون من لجة العماء ، و وطدت نظام كل شيء قائم ، و وضعت صيغة أولى لكل الأمور الجارية في عالم البشر ، فهي معتقد راسخ ، إلى درجة كون الكفر به يفقد الفرد لكل القيم التي تشده إلى جماعته وثقافته ، كما يفقد المعنى الحياة . غير أن من منطلق الكفر بالأسطورة كنظرية معرفة تقدم الحقيقة ، ستنبثق محاولة جديدة و مغامرة فكرية ماتعة و هي "الفلسفة" لمحاولة ابتكار معنى جديد غير ما أقرت به الأساطير ، حيث ستنطلق في بلاد الإغريق في حدود القرن السابع قبل الميلاد ، مع مجموعة من الحكماء و المتأملين ، من آثروا  الفكر و المعرفة العقلانية عن الحياة البهيمية .

  من ذلك فهم اليونان أن الفلسفة هي "العلم بالوجود كما هو موجود" ، هي ذلك التفكير الذي يسائل كل شيء دون إدعاء صحة أي شيء ، هي وضع معارف العامة على مشرحة الشك و التفكيك و النقد ، الفلسفة هي تلك الممارسة التي تزعزع اليقينيات و تهدم الأفكار الديماغوجية المسبقة السائدة ، الفيلسوف ليس هو من يجيب ، بل هو من من يطرح السؤال فاتحا بذلك الأفق بحثا عن الجواب ، و حتى إذا ما تم التوصل إلى الجواب ، يشكك في صتحه ، فالفيلسوف هو من يَبيت على رأي و يصبح على الشك فيه ، فيمسي باحثا على جواب جديد

  هكذا فإذا كانت الأسطورة نتيجة لإكتشاف الخيال ، فإن الفلسفة نتيجة لاكتشاف العقل ، و إيمان بقدرته على هندسة التأويل و إبداع المعنى و صوغ التفسير ، من ذلك لم تبلغ اليونان قرن ميلاد المسيح حتى راكمت تراثا فلسفيا عظيما لا يقايض و لو بجبال من ذهب ، و هو ما خطى بالفكر البشري خطوة كبيرة قفزت على الأسطورة و تجاوزتها ، و هو ما استفاذ منه المنطق العلمي كذلك ، و امتدت هذه الإستفادة حتى أيامنا هذه ، و لعرض حيتياث هذه الإستفادة سنختار ثلاثة فلاسفة من كل مرحلة تاريخية أو أكثر ، و نعرض لآرائهم و وجوه استفادة العلم من ذلك في تقدمه و ارتقائه .

مرحلة ما قبل الميلاد: 

  استهلت رحلة الفلسفة من "طاليس" و هو أحد الحكماء السبعة في بلاد اليونان ، و أول من حاول الإبتعاد عن الأسطورة لتفسير الوجود ، حيث قال بالماء كأصل للعالم ، و أن كل مكونات الكون تعود و يَنمِيها الماء كأصل ، و في ذلك تعبير عن مبدأ تميز به فلاسفة مالطا و هو المبدأ الذي يقول بأن "الكل هو الواحد" و أن الوجود غير مفارق و لا بحادث ، أي أن الكون لم تخلقه الآلهة و إنما أزلي ، بل الآلهة لو وجدت فلن تكون سوى الطبيعة نفسها ، ثم عرض فلسفته ليس على أنها موروث عن الأجداد و إنما كونها استنتاجات عقلية استنتجها بنفسه ، و حسب "فريديريك نيتشه" بما أن فلسفة طاليس تناولت أصل العالم أولا ، و بمعزل عن الأسطورة و عن مقولات الأجداد ثانيا ، ثم قالت بمبدأ "الكل واحد" ، يكون طاليس حسب الإعتبار الأول و بالثاني مفكرا طبيعيا ، و بالثالث فيلسوف يونانيا . فيلسوفا بما يقتضي ذلك تطليق الأسطورة و صياغة فهم عقلاني (3).

 و بذلك يكون طاليس علامة فارقة في تاريخ الفكر البشري ، و مُدشن ما يسميه مؤرخي الفلسفة بـ"المعجزة اليونانية"(4) ، حيت قطع مع التفكير الأسطوري و أسس للتفكير العقلاني و التفسير المنطقي للوجود ، و بذلك يكون طاليس ضمنيا قد وضع أول لبنة في صرح المعرفة العلمية .

  ثم من النافل القول أن تفكير الإنسان كان غير خاضع لأساس رياضي ، و هنا كان "فيتاغورس" في الموعد ، حيث سيؤسس لمدرسة فلسفية تعتبر "الأشياء أعداد" و تنحوا إلى تفسير العالم بمنطق رياضي (5)، و من ذلك تصور الفيتاغوريين أن الكون هو حصيلة تفاعل عشرة أزواج من الأضداد ، كالليل و النار ، بارد ساخن ... إذ قالوا بأن العالم مبني على الأعداد ، ثم درسوا الوجود في صورة أشكال هندسية و نسب رياضية ، بما فيها ظواهر الطبيعة و فضائل النفوس و أحوال المجتمع ، حيث اعتبروا أن التراب مكعب و النار مثلثة ، كما فهموا أن العدد 4 يدل على العدل بما أنه يساوي جمع عددين متساويين . ناهيك عن عمل فيتاغورس على صياغة مبرهنات هندسية لازات تدرس في المؤسسات التعليمية حتى الآن ، كالمبرهنة التي تفيد بأن مجموع زوايا المثلث تساوي مجموع زاويتين قائمتين ، و أن المربع المنشأ على وتر المثلث القائم الزاوية مساوٍ لمجموع المربعين على ضلعي ذلك المثلث ، كما يعتبر فيتاغورس هو أول من صاغ الجداول الرياضية للعمليات الحسابية الأربع (6) .

و كما هو معروف فإن العلوم الحديثة تتأسس بشكل كبير جدا على الأرقام و الإحصاءات و النسب ، فلا يُعترف بأي نظرية على أنها علمية إلا بعد أن تبرهن على تفسيراتها بمعادلات أو إحصاءات و نسب ، هكذا تدين العلوم المرتبطة ارتباطا عضويا بالأعداد ، سواء العلوم الطبيعية أو الإنسانية ، إلى فيتاغورس مؤسس نهج الدراسة الرياضياتي .

  بوصول الفلسفة اليونانية إلى النضج ، ستشرع في تأسيس نماذج أولية للعلوم الإنسانية ، و ذلك حصل عندما أنزل "سقراط" الفلسفة من السماء إلى الأرض ، حيث انفتح للفلسفة أفق جديد للإشتغال و هو المجتمع و أحوال الإنسان و السياسة و الأخلاق ، و طرح سقراط سؤالا لازالت إلى اليوم تتراكم حوله الأجوبة ، هذا السؤال هو "ما الإنسان؟" ، بعد أن كان السؤال عند الفلاسفة السابقين عليه هو "ما الطبيعة؟ - و ما الوجود؟" (7) ، و للإجابة عن هذا السؤال انقطع سقراط إلى نقاش أي شخص يصادفه ، مستعملا في ذلك "التهكم و توليد الأفكار" ، حيث كان يعرض على المحاور سلسلة من الأسئلة يفحص بها مدى قيمة معارفه ، فينتهي إلى تبيان أن المحاور جاهل و لا يفكر بشكل متسق ، فقد كان يستعمل الإستقراء فيتدرج من الجزئيات إلى الماهية المشتركة ، و يحاول حَدَّ هذه الماهية ، فكان بذلك أول من طلب الحد الكلي حدا مطردا ، متوسلا لذلك بالإستقراء ، و منه يعتبر سقراط حسب -أرسطو- أول واضع لمنهج العلم في توليد المعرفة الموضوعية (8).

و كان لتلميذه أفلاطون قسب السبق في الإنتقال من توليد الأفكار إلى بناء نظريات ، ينصلح بها الواقع سياسيا و اجتماعيا ، و من ذلك تعتبر أطروحته "الجمهورية" أحد أقدم النظريات السياسية و السوسيولوجية ، التي جسدت التفكير الفلسفي في الإنسان بشكل متوسع (9) ، و بذلك يكون الفيلسوفين أول من وضعا الخيط الأول في نسيج العلوم الإنسانية .

 غير أن "أرسطو" أحد أعظم الفلاسفة في تاريخ البشرية ، و أكثرهم تأثيرا في العلم و منطق تفكيره و مناهج اشتغاله ، فهو أول من رتب مباحث الفلسفة و العلوم في زمانه من الفيزيقا إلى الميتافيزيقا ، كما يرجع له الفضل في إبداع أساس التفكير العلمي و هو "المنطق" الذي اعتبره أرسطو أداة العلم ، حيث صاغ مبادئه و قواعده و مناهجه ، و اشتغل على تطبيقاته في مختلف العلوم ، كما يعتبر أريسطو من أوائل من قاموا بدراسات تشتغل وفق أدوات البحث العلمي كـ"الملاحظة" ، حيث أمر له تلميذه "الإسكندر الإكبر" بأن يأتى له بمختلف أنواع و فصائل الحيونات بما فيها الفيلة و السباع ، و الديدان و مختلف فصائل النباتات ، حيث أسس بذلك أول حديقة حيوان في التاريخ من جانب، و أول مدون و مصنف لأنواع الحيوانات و فصائل النباتات ، فضلا عن أنه أول مشرح و أول من قام بتجارب على الحيوانات من جانب آخر (10) .

 و بذلك يعتبر بحق أرسطو أحد أعجب العقول البشرية ، حيث أسس لعلوم الأرض و السماء و له في كليهما نظريات و تفسيرات عبقرية ، فضلا عن أنه مؤسس علم المنطق و أول من وضع منهج البحث العلمي المشتغل بأدوات كالملاحظة و التصنيف و القياس و التجربة ، و هو ما جعل العلوم في زمانه و في ما بعد زمانه تتقدم بشكل كبير جدا .

  ستعرف الفلسفة بعد موت أرسطو و ميلاد المسيح كسادا عظيما ، حيث ستغلق الإمبراطورية الرومانية مراكز و مدارس الفلسفة في اليونان وخصوصا ما كان منها في أثينا ، كما ستحاصر مدينة الإسكندرية التي كانت بعد أثينا أعظم مركز علمي فوق كوكب الأرض ، غير أنها هي الأخرى ستحرق مكتبتها العظيمة بأمر من الإمبراطور المسيحي "تيودوسيوس" سنة 391م (11) ، و بعدها سيقضي المسلمين على ما تبقى منها عند غزوهم بلاد مصر ، عبر أمر "عمر ابن الخطاب" بإتلاف ما تبقى من محتويات المكتبة (12) ، هكذا جف عود الفلسفة الرطيب بعد تدخل كل من السياسة و الدين في شؤون الفكر و البحث الفلسفي ، لذلك وجب الإشارة هنا إلى أن الدين كان في طليعة الأسباب التي تخلفت الفلسفة بسببها ، إذ شكل منع و تكفير الدين أهم العوامل المثبطة لحرية الفكر و بالتالي لتخلف التفلسف و البحث المنطقي و العلمي.

 بعد ذلك ستهرب الفلسفة من أثينا إلى بغداد ، حيث كان قد توفرت لها كل شروط الإزدهار ، و ذلك عبر انفتاح المسلمين على ثقافات الشعوب الأخرى ، حيث اشتروا منهم كل ما له علاقة بكتب اليونان و الفارسيين و المصريين الذين كانوا شعوب معروفة بحضارات فكرية و بتراث علمي و فلسفي رفيع ، فما كان من العرب مسلمين و مسيحيين ، إلا أن ترجموا هذا التراث في أحد أهم مراكز الترجمة التي عرفتها القرون الوسطى وهي "دار الحكمة" التي أسسها "عبد الله المؤمون" (13) ، فعرفت الضفة الجنوبية للمتوسط حركة فلسفية و علمية لم يخف أوارها إلا بعد متم القرن 14م ، حيث ظهر في كنفها الكندي و الفرابي و ابن مسكويه و جابر ابن حيان و جعفر الصادق و ابن سينا و ابن باجة و ابن رشد و ابن طفيل و غيرهم من الشموس التي كانت تضيء قتامة القرون الوسطى ، إلا أن الفلسفة ستعود إلى الضفة الشمالية عبر الأندلس ، بعد أن شعرت بأن الظروف بدأت تضيق في بلاد المسلمين حيث بدأ الإنحطاط و التخلف يتطرق إلى بقاعهم .

إذ إن ينبوع الفلسفة لا يتفجر إلا حيث تتفجر الحضارة ، و ينتشر العمران و يسود حب المعرفة و الثقافة ، و ينوري عن الأنظار التعصب و التكفير و مقت النبوغ .

مرحلة القرون الوسطـى :

  لم تعرف بدايات مرحلة القرون الوسطى فلسفات جديدة صلبة ، إلا بعض المذاهب التي تدور حول فلسفات أحد من حكماء اليونان الكبار ، كالأفلاطونية المحدثة و الرواقية و الإسمية . لكن بترجمة تراث اليونان من طرف العرب ، ستعرف الفلسفة طفرة عظيمة ، حيث سيظهر في القرن 9 الميلادي "الكندي فيلسوف العرب" ، الذي دفع بحركة الفكر المنطقي في الشرق دفعة كبيرة ، و منها وضعه قضية المعرفة في مجال أوسع مما كان من قبل ، وفتح أمام الفكر العربي أفاق المعرفة الفلسفية بمعناها الأشمل ، وآفاق المعرفة العلمية الطبيعية النظرية والتجريبية ، دون ربطها مع النص الديني ، وأبرز ما يظهر في هذا المنهج تحديده للفلسفة بإنها: "علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الانسان" ، هكذا خرخت الفلسفة من وصاية النص الديني إلى البحث في حقائق الأشياء التي هي حقائق قابلة لأن تُعرف من طرف الإنسان الباحث (14) ، غير أن ما طبيعة و ما أقسام المعرفة المؤدية للعلم بحقائق الأشياء؟

  قسم فيلسوفنا المعرفة إلى: "المعرفة الحسية" موضوعها "العالم المحسوس المادي" وبما أن مدركات الحس غيرقابلة لإدراك حقائق الأشياء، يضيف الكندي "المعرفة العقلية" ومجالها الأمور التي لاتدرك بالحس ، ولا يمكن الوصول إليها إلا بالطرق الإستدلالية العقلية مثل موضوعات علم الرياضيات و الفلك ، وهي الأخرى تبقى منقوصة إلى أن تستكمل بـ"المعرفة الإلهية" وموضوعها الله و أوصافه و شرائعه ، و يسميها الكندي "علم الربوبية" ، هكذا يستطيع الفيلسوف الإجابة عن ماهية الوجود ، و ذلك بتعقل الحواس و تنظيم مدركاتها بالعقل ، ثم الإرتقاء بها إلى معرفة من سماه أرسطو بـ"السبب الأول" و سماه الكندي "بالحق الأول" (15) . 

  و ممن تقدموا بهذا المنهج المعلم الثاني "أبي نصر الفرابي" خصوصا في علوم الإنسان ، إذ تعد أطروحته "المدينة الفاضلة" جوابا فلسفيا عن ما هي طريقة الحياة الإجتماعية الفُضلى ؟ إذ شبه الفرابي المجتمع كعضو حي (قبل المدرسة العضوية في أوربا قرن19م) لابد لكل أعضائه من أن تتعاون كي يتطور و يستمر المجتمع (16) ، ثم اعتبر العقل المتوسل بعلم المنطق أحد أهم أدوات دراسة مظاهر الطبيعة و أصناف الإجتماع و طبائع النفوس ، فـكعب الفرابي في المنطق عالي إذ يحث على"نسبة علم المنطق للمعقولات ، كنسبة العروض إلى أوزان الشعر ، فكل ما تمنحنا إياه العروض في قوانين الشعر ، يمنحنا مثله المنطق في المعقولات" (17) ، و من ذلك قسم الفرابي إلى قسمين: "التصور" و "التصديق" ، يتعلق الأول بطائفة الأفكار و التعريفات ، و الثاني يُحمل على الإستدلال و الرأي ، إذ أن الأفكار المنطقية تنتج عن تأكيد التصور بالإستدلال ، و تقرير التعريف بالرأي (18) ، هكذا سيضيف الفرابي تفاصيل جديدة لمبادئ أرسطو في المنطق ، و في ذلك نفع عظيم للعلم و تطوير متقدم لمنهج بحثه .

  ستتمظهر عبقرية العرب أكثر في ثلاثة فلاسفة عظام ، أولهم "ابن سينا" الذي أخذ شرح "ما بعد الطبيعة" لأريسطو عن الفرابي ، كما أنه شد على يد أستاذه في مركزية علم المنطق في النظر العقلي إلى المجودات ، ثم أضاف تفصيلات و تعميقات لمبادئ المنطق الأرسطية و الفرابية (19) ، لكن تبقى بصمته خالدة في اشتغاله خصوصا بالمنهج التجريبي في علم الطب ، سواء كان علاجيا أو وقائيا أو صيدلة، أو نفسيا ، و كتابه "القانون في الطب" الذي ظل المرجع الأساسي للطب في معظم جامعات أوربا حتى أوائل القرن السابع عشر يتمثل تطبيق منهج التجريبي خير تمثيل ، إذ اهتم بكل فروع الطب تقريبا بدءًا من الطب الوقائي ، انتهاءا بالصيدلة وتركيب الأدوية والعقاقير (الفارماكولوجي) .

   وقد سار ابن سينا في تشخيص المرض ومعالجته على الطريقة المتبعة الآن وهي الاستدلال بالبول والبراز والنبض (التحاليل) ، فأمكنه التوصل بذلك إلى وصفِ وتشخيصِ كثير من الأمراض ، فكان أولَ من وصف الإلتهاب السحائي ، وأول من فرق بين الشلل الناتج عن سبب داخلي في الدماغ والناتج عن سبب خارجي ، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم (الجلطة) ، كما أولى ابن سينا اهتماما بالغًا لمعرفة تنقّل المرض من واحد إلى آخر أو ما نسميه الآن بالعدوى ، كما يقول "وليم أوسلر" في كتابه "تاريخ الطب". فضلا عن معرفته لكثير من الأمراض التي كانت منتشرة في زمنه مثل شلل الوجه ، ومرض السل ، وكثير من الأمراض الجلدية والتناسلية التي لم يعرفها القدماء بدقة بالغة إلا بعد تشخّيصها من طرف ابن سينا (20). كما برع حكيمنا في علم التشريح ، فقد تعرف على الأعضاء الفيزيولوجية للإنسان عن طريق التشريح ، و رسم خريطة لذلك تحدد موضع الأعضاء في جسم الإنسان كي يستفيذ منها الأطباء ، هكذا كان يشتغل ابن سينا بإقامة تجارب من أجل التحقق أو من أجل بناء معرفة موضوعية خالية من أي فكرة مسبقة ، و بذلك تقدمت بشكل كبير جدا من بعده علوم الطب بكل أنواعها و الصيدلة و التشريح و علم النفس ، فضلا عن المنطق و الفلك و ماوراء الطبيعة.

 في اتجاه العلوم العقلية سيبرز "أبو حامد الغزالي" الذي جمع كل معارف عصره و درسها و تعرف إليها و قبل بعضها و رد بعضها ، استنقص في مباحث و استزاد في أخرى و أضاف ، إذ أن "منهج الشك" الذي طوره أبرز ما استفاد منه العلم بعده ، إذ يفيد هذا المنهج "افتراض الشك للوصول إلى اليقين" (21)، و سينعنع ريحان هذا المنهج مع أب الفلسفة الحديثة "ديكارت" كما سيأتي لاحقا. إذ إن هذا المنهج جزء لا يتجزأ من مبادئ الفلسفة الحديث لإستعمال العقل بشكل قويم ، كما سيضحه ديكارت و سبينوزا لاحقا .

  و يبقى "ابن رشد" أهم من راكم نبوغ من سبقوه و جمع كل خيوط المعرفة إلى عصره فخاط بها ثوبا جديدا للعلم ، فتقدم بمنهج الشك و طور المنطق و قعد للتجريب ، فقد قسم المعرفة إلى برهانية و وحيانية ، فقدم الأولى على الثانية معتبرا المعرفة الفلسفية المؤكدة بالبرهان أعلى مراتب المعرفة و أشرفها ، و ذلك مايحزف البَحَثَة إلى التنافس أكثر في علوم البرهان لأنها هي من تفيد الواقع ، دون التدخل في علوم الوحي أي دون النية في التصادم معها ، بل يجب الترفع عن عقول العامة ممن تسيح في علوم الدين أو الخرافة ، و خلق مجال للخاصة من علماء البرهان ، يقيهم من طعن الدهماء و تهديد المتعصبين (22)، غير أن ذلك لم يتحقق له هو نفسه إذ ثم التنكيل به و حرق كتبه ، و بالمقابل استفادت أوربا من أبحاثه فأسست بها للعصر الحديث فكريا و علميا .

  هكذا تَحَصّلَ للعرب في العلم شرف بادخ ، تَعَيَّنَ بإسهام عظيم و تطوير كبير لمختلف المعارف من علوم عقلية و إنسانية إلى علوم الطبيعة و الطب و التشريح ، فضلا عن عشرات الإختراعات التي أبدعها المسلمون في العصور الوسطى و التي كان لها عظيم النفع للبشرية جمعاء ، كالأسطرلاب و القمرة المظلمة التي ستتطور من بعد إلى كامرة ، ثم ميزان الموائع و الساعة الشمعية و غيرها من الإختراعات ذات الإستعمال العلمي أو المعيشي .

العصر الحديث :

  أثث الكثير من المفكرين و الفلاسفة حقل الفكر و البحث العقلاني و العلمي في العصر الحديث ، الذي يُعتبر محطة أساسية في تاريخ المعرفة العلمية و الفكر الإنساني بشكل عام ، إذ تبدأ هذه الفترة الجديدة بطريقة جديدة في التفكير و منهج مغاير للنظر ، و قواعد جديدة للبحث العلمي ، حيث يعتبر "فرانسيس بيكون" أول من استهل هذا المشوار ، من خلال إسقاطه للمنطق الأريسطي و السكولاستيكي ، و بناء "أورغانون جديد" ، إذ سيلاحظ بيكون أن منطق أريسطو الذي يقوم على القياس ، لا يجعلنا نكتشف شيءا و بالتالي وجب تغييره بأساس جديد للبحث الإستكشافي الذي يعد أحد أهم مميزات و مرتكزات العلوم الحديثة ، و هنا سيبدع بيكون "المنهج التجريبي" بمعناه الحديث ، الذي يقطع مع التأمل و ينقطع إلى بناء معرفة موضوعية مرتبطة بواقع فيزيقي ، يدرس بواسطة التجربة و الملاحظة ، حيث يجب أن يهتم العلم حسب بيكون بملاحظة الأشياء و تصنيف حركتها و قَدِّهَا ، و تفكيك مكوناتها و تحديد خصوصيتها الفيزيائية (الحركة- الكتلة...) ، ثم الإرتقاء بالملاحظة إلى التعميم و صياغة نماذج تفسيرية (23) ، هكذا سيؤسس بيكون لمنهج تجريبي يقوم على "الإستقراء" ، الذي يبدأ بالتجربة الحسية التي يعمل الباحث على إثرائها بالملاحظات الدقيقة والتجارب العملية، ثم يأتي دور استخراج النتائج منها بحذر و على مهل ولا يكفي عدد قليل من الملاحظات لإصدار الأحكام ، كما يجب عدم الاكتفاء بدراسة الأمثلة المتشابهة بل تجب دراسة الإختلافات و التناقضات في الموجودات ، للوصول إلى قوانين عام موثوق بها .

  سيسير في ركاب الأورغانون الجديد كبار علماء العصر الحديث كـ"إسحاق نيوتن" و "غاليليو غاليلي" و سيصوغون نظرياتهم العلمية على أساس الإستقراء البيكوني ، كما سيهتم الفلافسة بهذا المنهج إما تحويرا أو تصحيحا و مراكمة ، كجون ستيوار ميل و "ديكارت" ، هذا الأخير الذي لم يوافق على بعض النقاط التي أتى بها بيكون في ما يخص مصدر المعرفة ، الذي رأى بيكون أنه هو الحواس و التجربة ، و مال في ذلك ديكارت إلى القول بـ"العقل" كمصدر و مُرتب و مُهندس للمعرفة الصحيحة ، و في ذلك نظر للعقل على أنه جوهر الإنسان و كنه معرفته ، يقول ديكارت:"العقل هو القسمة العادلة بين جميع الناس" ، حيث لكل الناس عقل ، غير أن نسبة استعمالهم لهذه الملكة مختلف ، و من أجل استخدام ناجح للعقل ، صاغ ديكارت لذلك قواعد فلسفية لاستعمال محكم من أجل استنتاج أفكار صحيحة و معرفة موضوعية .

قاعدة البداهة/ الشك: لا يجب قبول الأفكار إلا م كان منها بديهيا ، و مميزا في الذهن مثل 1+1=2 ، و أن أشك في كل الأحكام و المعتقدات الغير بديهية .

قاعدة التقسيم/ التحليل: يجب تجزيء المسائل الفكرية إلى أبسط عناصرها و أيسرها ، ثم معالجة كل جزء بحياله .

قاعدة الترتيب/ التنظيم: يجب معالجة عناصر المسائل بشكل تصاعدي من البسيط إلى المعقد ، و بشكل مرتب لحل المعضلات بطريقة سلسة و منظمة ، كي تكون النتائج واضحة لا يتخللها الإبهام.

قاعدة الراجعة/ الإحصاء: و تعني وجوب العمل على مراجعة عملية التفكير في مراحلها السابقة ، كي نتأكد من عدم إغفال أي عنصر ، ثم من أجل التأكد من أن الإستنتاجات خالصة الصحة (24).

  هذا المنهج حسب ديكارت هو أقوى وسيلة للعقل من أجل إبداع معرفة حقيقية و موضوعية ، و هو منهج رياضي كما هو واضح ، كون ديكارت كان رياضياتي هو نفسه ، ولعله تأثر بالنتائج الرياضياتية العقلية و التي لا يتطرق إليها الإرتياب ، غير أن الشك في هذا المنهج سيأتي من بلاد الإنجليز ، حيث سيصد عنه كل من جون لوك و ديفيد هيوم و توماس هوبز و جورج باركلي الممثلين البارزين للإتجاه الحسي ، حيث يمكن اختصار موقف هذه المدرسة من طبيعة المعرفة بقول جون لوك: "العقل صفحة بيضاء و التجربة (أو الخبرة) تنقش عليها مختلف المعارف" ، إذ لا يترك رواد أصالة الحس و التجربة أي مجال للعقل كمصدر و مصنع للأفكار ، بل هو نفسه نتيجة لما يقدمه له الحس من مقولات ، هكذا فالعلم بالمحسوسات سابق للعلم بالمعقولات ، و به تعتبر المعرفة تقفز من الحس إلى الوعي (25) ، و هو ما ينفي فطرية المقولات الفكرية التي قال بها صاحب الكوجيتو ، بل يغالي جورج باركلي في اعتبار الموجود هو المدرك بالحس حصرا ، إذ ما إن يغيب الشيء عن الحس حتى يدخل في حيز العدمية ، هكذا فإذا كانت مدرسة ديكارت عقلانية ، فإن المدرسة الحسية هي العقلانية المعكوسة إلى حد التطرف . فهل مصدر المعرفة العقل حصرا أم الحس حصرا ؟

  أنعمت الطبيعة على الفكر بأن مهدت سبل مجيء فيلسوف بديع لكي يجيب عن هذا السؤال ، و هو الألماني "إمانويل كانط" صاحب "نقد العقل المحض" و "نقد ملكة الحكم" ، الذي أيقضه هيوم من سباته الدوغماطيقي ، كما أعجبت فاهمته بمنهج ديكارت ، فنقد كلا الإتجاهين ، منتصرا إلى القول بأن "المقولات العقلية بدون معطيات الحس جوفاء، و المعطيات الحسية دون مقولات العقل عمياء" ، هكذا فالمعرفة تبدأ بالحس و التجربة لكن لا تنتهي عندهما ، بل تخضع هذه المعطيات الحسية إلى التنظيم عن طرق مقولات العقل التي أكد كانط بأنها فطرية ، و التي تبقى المعرفة بدونها مشتتة و غير خاضعة لأساس منطقي ، ما يجعل العقل ضرورة و الحس واقع ، و هكذا تعتبر المعرفة بنيان مُشيد بواسطة التفاعل الذي يحصل بين معطيات الحس و مبادئ العقل (26) ، و هذا يتوافق مع أحدث نظريات علم الأعصاب و الفيزيولوجية.

  عظمة كانط لا تتعين في الإجابة عن أهم سؤال فلسفي في العصر الحديث ، بل بكونه غَيَّرَ اتجاه بوصلة البحث الفلسفي ، من الإبستيمولوجيا إلى الأنطولوجيا و الميتافيزيقا ، بعد أن ساح و هام الفلاسفة منذ طاليس بادئين الدراسة في مبحث الميتافيزيقا (ماوراء الطبعة) و الأنطولوجيا (مبحث الوجود) نزولا إلى الإبستيمولوجيا (مبحث المعرفة) ، هكذا اهتهم طاليس و أنكسيمونس و أريسطو وغيرهم بأصل العالم ، دون أشكلة وسيلة إجاد الجواب و هي العقل ، ذلك ما جعلهم يحددون أصل العالم و مُحدثه (الإله) ، ثم النزول من ذلك لتحديد طبيعة المعرفة بناءا عن طبيعة الوجود ، غير أن فلاسفة القرن 17م و أبرعهم كانط انطلقوا من الجواب عن "كيف يَعرِف و يَفهَم العقل؟" أولا ، ثم التطرق للجواب عن "ما هو أصل الوجود؟" ، فإذا لم نعرف مدى و أفق ما يعرفه العقل سيكون البحث في الميتافيزيقا و الأنطولوجيا مضيعة للوقت فقط ، فعندما نريد فتح قُفل لا يجب تجريب كل المفاتيح بل يجب البحث عن المفتاح المناسب لِقَدِّ القفل ، هكذا حاولت الفلسفة الأولى فتح قفل الأنطولوجيا بأي مفتاح كان (يتحقق فيه شرط الترفع عن الأسطرة) فلم تنتهي إلى جواب مجمع عليه . 

  أما المنهج الحديث ، فقد قلب مسار البحث و في ذلك أعظم دفعة للعلوم إلى الأمام ، حيث كَعَّ و نكص الفلاسفة منذ فرانسيس بيكون عن تحديد معنى الوجود ميتافيزيقيا ، بل انقطعوا لبحثه إبستيمولوجيا ، أي التوجه إلى الطبيعة و دراستها بوسائل التجريب و الملاحظة و صوغ القوانين و النماذج التفسيرية ، إذ سيتطور هذا الإتجاه إلى أن يقول كارل ماركس "دأب الفلاسفة على تفسير العالم ، مهمتنا نحن أن نغيره" حيث سيحدد للفلسفة دور جديد ، ثم إلى أن يُعلن أوجيست كونت عن قيام "المرحلة الوضعية- العلمية" التي حدد فيها للعلم مهمة تقديم تفسيرات فقط عن الطبيعة لا تقديم أجوبة نهائية ، و هو منطق العلم المعاصر الذي يفسر "كيف يحدث الحدث في الطبيعة؟" و ليس "لماذا يحدث بهذه الطريقة؟" ، فالسؤال الأول علمي و الثاني ميتافيزيقي ليس للعلم قبل بالجواب عنه .

  بل تطور منطق الفلسفة الحديث إلى درجة دعوة "إدموند هوسرل" مؤسس الفلسفة الفينومينولوجية إلى دراسة العالم كظواهر للوعي فقط ، أي كتَمَثُّل ، حيث دعى هوسرل إلى وضع العالم بين قوسين ، أي التخلي عن البحث في معناه الميتافيزيقي النهائي ، و دراسة فقط المعنى الذي يضفيه الإنسان عن العالم . 

  هكذا أصبح العلم مع الفلسفة الحديثة نوع من الإنتاج ، فالعالِم أصبح منتج لمعرفة العالَم ، العلم لم يعد هو معرفة الواقع من حيث هو ، أي أشياء الواقع في ذاتها ، بل أصبح معرفة لظواهر الأشياء فقط بعد تنظيمها بمقولات العقل النظري ، و أهمها مقولة السببية (الأحداث تحدث بمسببات قبلية عنها) ، أي خلق العالم خلقا جديدا عن طريق وضعه في نظام العقل النظري ، إستنادا إلى ذلك فنحن لا نعرف العالم كما هو في ذاته ، بل كما هو بادي لنا ، أي بادي للعقل النظري لا غير . و من هنا كل ما يتعلق بالعلم هو يدخل في خانة نظام العقل النظري ، لا في خانة الواقع من حيث هو واقع يضم في ذاته الحقيقة الناجزة ، و بذلك انقطع العلماء بعد كانط إلى التعرف على ما يبدو لنا من نظام العالم تناسبا مع أدواتنا المنهجية لدراسة هذا العالم ، ليس في حقيقته النهائية بل في مظاهره و أحداثه الفيزيقية ، و من هنا جاءت نظريات "نيوتن" و "غاليليو" و "يوهان سكيبلر" و "داروين، حيث اشتغل هذا الأخير في حقل البيولوجيا باحثا عن كيفية نشوء و تطور الأنواع ، و ليس على من وضع  قوانين هذا النشوء و الإرتقاء و لأي غاية ، مهمة العالم هي دراسة الظواهر و استنتاج القوانين التي تحكمها و ليس دراسة من وضع هذه القوانين فذلك سؤال ميتافيزيقي ، يعتبر خارج مدار اشتغال العلوم .

الفترة المعاصرة من القرن 19م إلى الآن . 

   ورثت الفترة المعاصرة كل التراث العلمي و الفلسفي للعصور التي قبلها ، غير أنها تأثرت كثيرا بفلاسفة القرن 17م و 18م ، و في طليعتهم كانط - سبينوزا - ديفيد هيوم - جون لوك و ج.ج.روسو ، كل في حقل تخصصه الفلسفي من السياسة إلى الطبيعة مرورا بالقانون و قضايا المجتمع و الميتافيزيقا ، و من ذلك أفلح الكثير من الفلاسفة في أن يصنعوا لأنفسهم مكانة رصينة في عالم الفكر ، غير أن الحدث الأبرز في الفترة المعاصرة هو خروج العلوم من جبة الفلسفة ، العلوم الطبيعية أولا ثم الإنسانية لاحقا ، حيث ما إن توفرت عدة منهجية و استحدثت مواضيع بحيالها و قواعد للدراسة ، حتى ابتعد كل علم بموضوعه و منهجه و انقطع لبحثه و دراساته المستقلة ، إذ تم إسقاط الميتافيزيقا عن الدراسة العلمية و تم الإبقاء عليها في ميدان الفلسفة ، و من ذلك تمايز بحث العلم عن بحث الفلسفة ، بل ما فتئ الفلاسفة أنفسهم منذ القرن 19م يحددون الحدود بين حقل العلم و أمه الفلسفة ، درءا للتقاطع و ترصينا لاستنتاجات كلا نوعي الدراسة الفلسفي و العلمي .    

 غني عن البيان أن الفترة المعاصرة عرفت آلاف المفكرين و الفلاسفة ، غير أننا سنقتصر كما دأبنا منذ بداية المقال على الفلاسفة التي كانت لأفكارهم فائدة على العلوم منهجاً و تصوراً و حدوداً إبستيمولوجية ، و من هؤلاء "غاستون باشلار" (1884 – 1962) ، الذي انتدب لنفسه إنشاء فلسفة علمية تترجم وتعبر عن مبادئ وقيم علوم عصرها ، فهو يرى أن الأخطاء تشكل عوائق ابستمولوجية يستوجب على العقل إزالتها ، فالتقدم العلمي في رأيه يتم بالصراع بين الجديد والقديم ، و تطور المعرفة لا يتحقق إلا بالتطهير المتواصل لهذه الأخطاء ، مثال ذلك ، هو استيضاح منذ عام 1905 مع نظرية آنشتين في النسبية كثيرا عن المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة من قبله و شهد القرن 20م تطورا كبيرا في مجال العلوم مثل الميكانيكا الكوانتية استنادا إلى تصحيحات نظرية آينشتاين (28).

  كما حدد باشلار للإبستمولوجيا ثلاث مهمات كي يتقدم العلم باستمرار ، أولا: إبراز القيم الإبستمولوجية التي تفرزها الممارسة العلمية وذلك بقطع الطريق على كل ما تحاول الفلسفة إدخاله في العلم من قيم أخلاقية ودينية وجمالية ، بل يجب أن يكون مصدر هذه القيم هي النظريات العلمية نفسها . ثانيا: البحث في أثر تطور المعارف على بنية الفكر ، فالعقل بفعل تطور المعارف العلمية وتأثيرها في بيئته سيغدو ديناميا فعلا ، مع هذا الفهم الدينامي لبيئة العقل تصبح كل العراقيل أمام العلم مزاحة ، فاتحة بذلك الطريق لتطوره (29) . أما المهمة الأخيرة فهي التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية، فقد نقل باشلار هذه النظرية إلى الإبستمولوجيا ، فافترض أن ثمة مكبوتات عقلية ليظهر أثرها في البحث العلمي ، على فيلسوف العلم أن يكون المحلل النفسي للمعرفة التي ينتجها العقل ، و التحليل النفسي بهذه الطريقة سيمكننا من فهم هذه المعرفة و استجلاء الأخطاء التي تعرقلها ، من أجل إزاحتها أمام تقدم العلم (30) .

  من سمات نظرية المعرفة العلمية عند باشلار ، إنها ترفض العقل قبل العلمي وتقول لا لعلم الأمس ولا للطرق المضادة في التفكير ، حيت يجب النظر إلى الفكر على أنه عامل تطور عندما ينقد الواقع ، فهي فلسفة (أي نظرية المعرفة) لا تعترف ببناء و لا بنسق ، بل ترى فقط بناء و تجدد باستمرار على ضوء اكتشافات البحوث العلمية ، ثم إن أي نظرية في المعرفة هي "غير مكتملة" ، ما يفتح الباب على التطوير الدائم ، كما أنها معرفة تستقي موضوعاتها و مناهجها من العلم ذاته ، بشكل عام فالسمة الأساسية في الإبستمولوجيا الباشلارية هي اهتمامها الكبير بجوانب النقص و الخطأ والفشل أكثر من اهتمامها بالايجابيات ، و هو ما يوجه اتجاه بوصلة العلم إلى أخطائه كي يتداركها ويصححها (31)، يقول باشلار: "تاريخ العلم ليس سوى تاريخ أخطائه" .

  و هو ما أدخل للعلوم المعاصرة بشكل متزايد سمة النسبية في المعارف ، و هو ما ينفع كثيرا في مداومة الشك و إعادة النظر في معارفنا العلمية و بالتالي تطويرها أكثر فأكثر في سياق نظريات أكثر تماسكا .

  إلى جانب ذلك يعتبر "كارل بوبر" من نقاد أساس العلم و منهجه ، حيث يرى أن العادة جرت على تسمية الإنتقال من القضايا الجزئية التي تصف نتائج الملاحظات و التجارب التي يقوم بها العلماء ، إلى "القضايا الكلية" بأنه "استدلال استقرائي" و هو أساس من أساسات العلوم المعاصرة ، إذ ينقض بوبر هذا الأساس حيث يصفه بأنه بعيد عن الوضوح و الدقة على جهة النظر المنطقي ، فليس هناك ما يسوغ إستدلال قضايا كلية من قضايا جزئية ، مهما كان عدد هذه الأخيرة ، لأن أي نتيجة مستدلة بحسب هذا المنوال ، يمكن أن ينتهي بها الأمر إلى أن تكون خاطئة ، يحتج بوبر قائلا: "مهما كان عدد الحالات التي نلاحظ فيها أوزا أبيض ، فإن ذلك لا يسوغ الإستنتاج بأن الإوز ، كله أبيض" (32).

  إشكالية تسويغ الإستدلال الإستقرائي هي ما صار يعرف بـ"إشكالية الإستقراء" كأهم إشكالية عويصة أمام المعرفة العلمية في القرن 20م ، حيث يقصد بالإستقراء: "درس الذهن عدّة جزئيات ليستنبط منها حكماً عامّاً" ، و يمكن صياغة إشكالية الإستقراء بالقول ، إنها مختصر الشك في إمكانية تقديم معرفة صحيحة حول قضايا كلية من خلال الإقتصار على دراسة قضايا جزئية ، حيث تقوم معظم العلوم على "الإستقراء الناقص" منذ فرانسيس بيكون (أي الإستقراء لبعض الجزئيات حتى و ليس كلها) ، و بذلك شك "بوبر" في صوابية القضايا الكلية المبنية على التجربة ، مثل فرضيات العلوم التجريبية ، و أنساقها النظرية ، و بعد نقده و رفضه الإستقراء يضع بوبر منهجا جديدا ، يسميه: "منهج الفحص الإستدلالي" ، و مفاده أن الفرضية يمكن فحصها تجريبيا فقط ، و فقط بعد صياغتها ، و هذا المنهج يمكن تسميته "المذهب الإستدلالي" ، في مقابل المذهب الإستقرائي (33) ، و يعطي بوبر هذا المنهج اسما آخر ، في مقابل ما عرف بمنهج الوضعيين المنطقيين ، الذي يعرف معنى القضية بإمكانية التحقق التجريبي ، من صدق ما تقدمه فرضية أو نظرية من معرفة أو تفسير ، و هو المذهب المسمى بـ"منهج قابلية التكذيب" بواسطة الفحص و إعادة الفحص للفرضيات و تفسيرات النظريات العلمية باستمرار (34) .

  من جانب آخر يعتبر "بول فايرابند" من أهم فلاسفة العلم و أعجبهم طرحا ، حيث أسس لأطروحة "عدم إمكان المقارنة" ، التي تعني أن نظريتين علميتين يستحيل مقارنتهما ، فهما تتصفان بالإنفصال المنطقي ، حيث تعتبر هذه الأطروحة بمثابة حرب على الإتجاه العلمي السائد الذي عرف "الواقعية العلمية" ، التي يقوم على مبدأ وجود حقائق خارجية (موضوعية) تشكل المرجعية التابثة لمقارنة النظريات ، و بعض أنصار هذا الإتجاه في التفكير العلمي يذهبون إلى حد اعتبار العناصر غير الملاحظة مثل الذرة و الإلكترون ، و غيرها من الدقائق ذات وجود بالفعل .

  و أفضل طريقة لفهم فكرة فايرابند هي قراءة كتابه: "ضد المنهج Against Méthode" ، بخاصة عندما يعرض بالتحليل ، حالة غاليليو غاليلي الذي كان أحد مؤسسي علم الفيزياء ، مثل اسحاق نيوتن ، قد انتهى فايرابند من درسه تلك الحالة إلى تبيان أن غاليليو جاء بنظرة علمية جديدة إلى الكون ، تختلف كل الإختلاف عن النظرة الأريسطوطاليسية ، و بذلك لا يمكن مقارنتهما على الإطلاق (35) . و لتقريب الأفهام من موقف فايرابند ، نذكر بما قلناه عن كانط ، حيث إن مبادئ العقل أو مقولاته تؤثر في المعطيات الحسية التي ترد من الخارج إذ تعمل على تنظيمها ، لكن فايرابند يرى أن العالم الخارجي و أشياءه تفهم نسبة إلى نظرتنا إليه ، و ليس نظرتنا إليه هي التي تفهم نسبة إلى عالمنا الخارجي ، فالنظرة أو النظرية أو الأفكار العلمية ، و ليست أشياء العالم الخارجي هي المرجعية ، و هي المضاف إليه و كل ما عداه مضاف (36).

  و بذلك شكلت فلسفة العلم في القرن العشرن ، مبحثا مهما كان من نتائجه توضيح أعطاب مناهج العلوم من أجل تداركها و تصحيحها ، و بالتالي تطوير المعرفة العلمية بشكل عام .

  هكذا إذن تكون الفلسفة بظهورها ظهر فكر جديد قطع كليا مع أنماط التفكير القديم (الأسطوري) ، كي يؤسس لنمط تفكير جديد يتأسس على التأمل المنطقي و التفكير العقلاني ، وهو ما دفع إلى استهلال رحلة العلم الإكتشافية للوجود ، أكثر من ذلك ما فتئت الفلسفة منذ ظهورها تبحث عن السبيل الأمثل لخلق معرفة تتميز بأكثر مستويات الموضوعية حول العالم ، و ذلك من خلال إبداع مناهج التفكير و البحث الأكثر تناسبية مع طبيعة الوجود من جهة ، و طبيعة حواسنا و عقولنا و أدوت بحثنا من جهة أخرى ، من ذلك إذا أرنا استعارة تشبيه ينطبق على علاقة العلم بالفلسفة ، لقلنا أنها تشبه جبلا جليديا لا تظهر منه إلا القمة ، فما الجبل إلا المعرفة التي أنتجها الإنسان منذ أن اكتشف ملكة التفكير ، و ما أساسه الضخم إلا الفلسفة و ما قمته البادية إلا العلم. و به تكون الفلسفة أكثر أنواع المعرفة البشرية التي شكلت محركا نشيطا ساعد العلم على الظهور ، ثم طور كثيرا مناهجه و بالتي دفع باستمرار معرفته إلى الأمام .


_______________________________

إحالات و مراجع:

(1) Émile Durkheim , "LES FORMES ÉLÉMENTAIRES DE LA VIE RELIGIEUS, Le systme totmique en Australie" , péréface de michel maffesoli , CNRC éditions (1983), (premiére édition 1912) .O

(2) فراس السواح ، "مغامرة العقل الأولى" ، دراسة في الأسطورة ، سوريا و أرض الرافدين ، دار علاء الدين للنشر ، طبعة 11 ، ص 55.

(3) فريديريك نيتشه ، "الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي"، تعريب سهيل القش ، مجد للنشر و التوزيع ، الطبعة الثالثة ، بيروت 2005 ، ص 46.

(4) Claude Henry Du Bord , "La Philosophie Tout Simplement" , édition, Eyrolles 2007 , p 3 

(5) أ.هـ. آرمرسترونغ ، "مدخل إلى علم الفلسفة" ، ترجمة سعيد الغانمي ، مركز كلمة بشراكة مع المركز الثقافي ، الطبعة الأولى 2009 ، ص 27.

(6) عمر فروخ ، "العرب اليونان و أوربا، قراءة في الفلسفة" ، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات ، الطبعة 1 ، بيروت 2015 ، ص 55-56.

(7) وول ديورنت ، "قصة الفلسفة" ، ترجمة فتح الله محمد المشعشع ، مكتبة المعارف ، طبعة السادسة ، بيروت 1988 ، ص 12-18.

(8) يوسف كرم و ابراهيم مذكور ، "دروس في الفلسفة" ، دار عالم الأدب ، الطبعة الأولى ، بيروت 2016 ، ص 79. 

(9) أ.هـ. آرمرسترونغ ، "مدخل إلى علم الفلسفة" ، مرجع سابق ، ص 59-97. 

(10) وول ديورنت ، "قصة الفلسفة" ، مرجع سابق ، ص 73-118.

(11) جورج زيناتي ، "الفلسفة في مسارها" ، دار الكتاب الجديدة المتحدة ، طبعة 2 ، بيروت 2013، ص43-44.

(12) تقي الدين المقريزي ، "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار" ، الجزء1 ، ص159.

(13) جورج زيناتي ، "الفلسفة في مسارها" ، مرجع سابق ، ص 46-50.

(14) يوسف كرم و ابراهيم مذكور ، "دروس في الفلسفة" ، مرجع سابق ، ص 207-208.

(15) محمد لطفي جمعة ، "تاريخ فلاسفة الإسلام" ، دار هنداوي ، بيروت 2012 ، ص 21-31.

(16) علي طالب ، "أضواء في تاريخ الفلسفة" ، دار الولاء للطباعة و النشر ، طبعة 1 ، بيروت 2017 ، ص 120-124.

(17) مصطفى غالب ، "في سبيل موسوعة فلسفية- الفرابي" ، دار مكتبة الهلال 1995 ، ص 39.

(18) محمد لطفي جمعة ، "تاريخ فلاسفة الإسلام" ، ص 37-38.

(19) مصطفى غالب، "في سبيل موسوعة فلسفيةابن سينا" ، دار مكتبة الهلال ، طبعة 1991، ص 34.

(20) د. علي عبد الله الدفاع، "إسهام علماء العرب والمسلمين في الكيمياء"، بيروت 1988م، ص 240- 242.

(21) محمود زيدان ،"نظرية المعرفة عند مفكري الإسلام" ، دار المتنبي ، الرياض ، طبعة 2012 ، ص 176.

(22) مصطفى غالب،"في سبيل موسوعة فلسفية- ابن رشد"، دار الهلال 1995 ،ص13-87.

(23) ستيوار هامبرش ، "عصر العقل، فلاسفة القرن 17م" ، ترجمة ناظم طحان ، دار الحوار للنشر و التوزيع ، اللاذقية 1986 ، طبعة 2 ، ص 18-19.

(24) رينيه ديكارت، "مقال عن المنهج" ، ترجمة محمد محمود الخضيري ، دار الكتاب العربي ، القاهرة 1968، طبعة 2 ، ص 130-131-132.

(25) يوسف كرم و ابراهيم مذكور ، "دروس في الفلسفة" ، مرجع سابق ، ص 381-437.

(26) جورج زيناتي ، "الفلسفة في مسارها" ، مرجع سابق ، ص 177-184.

(27) إدموند هوسرل ، "فكرة الفينومينولوجيا" ، ترجمة فتحي إنقزو ، منظمة الترجمة العربية ، طبعة 1 ، بيروت 2007 .

(28) غاستون باشلار: "تكوين العقل العلمي" ، ترجمة د.خليل احمد خليل ، المؤسسة الجامعية للداراسات والنشر و التوزيع ، بيروت ، ط1 ،1981 ،ص 8 .

(29) حسن علي الكركي, "الابستمولوجيا في ميدان المعرفة"، شبكة المعارف، بيروت، لبنان، ط1،2010 ص 122 .

(30) رافد قاسم هاشم: "ابستمولوجية المعرفة العلمية عند باشلار"، مجلة مركز بابل للدراسات الانسانية، جامعة بابل، 2013 ، ص197 .

(31) مینة زوار و كوثر زرقین ، "بنیة المعرفة العلمیة عند غاستون باشلار" ، رسالة ماجستير ، جامعة الجزائر ، موسم 2015/2014 ، ص 15-16 .

(32) (Karl Popper , "Thé logic of scientific Discovery" , (London, New York) , 1992 , p 27 

(33) .Ibid , p28 

(34) .Ibidm , p40

(35) Paul fayerabend , "Against Méthode" (London , New Yourk , Verso , 1980 ) , p89 

(36) طوماس كون ، "بنية الثورات العلمية" ، ترجمة حيدر حاج اسماعيل، منظمة الترجمة العربية ، ط 1 ، بيروت 2007 ، ص 18.




   نشر في 02 مارس 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا