قساوةٌ تهدي
والله لأجل لحظة الاختيار تلك خُلقت، حين أكرمك الله بالعقل الذي يدلك على معرفته -عز وجل- وعبادته، فاختر كل صفةٍ وجَدتّ الله فيها حين بحثت عنه
نشر في 09 نونبر 2021 .
الدنيا بحالها ليست على هوى أحد، قساوة الدنيا فاتنة، يقع في غيّها معظم من يظنون أن أماني التوبة المعلّقة قد تتحقق في يوم ما، وقد يظن الجميع، فنرى القسوة في كل شيءٍ هي شيءٌ من شراكة الحياة بنصيبنا من الفساد في البر والبحر.....
ربما يدور في خيالي الجمال الربّاني فأُبصر وُريقاتٍ حَيِيّةٍ من الخضرة تُتوّجها نبتةُ الأرض لتريينا اتساع الدنيا لحُلو مداركنا كأنها الرحمة المُنزلة، ولكن الخيال يظل خيالا في أعين المحيط الصاخب، الذي تدل فوضىٰ ضوضائه على تسيّده ملامح الحياة أمام أعيينا، ففي الدنيا عَجَلٌ وبقاء: عَجَلٌ لكل حُلوٍ مُستساغٍ في فم الأرواحِ الطيّية وبقاءٌ لكلِ أسىٰ غُصّةً في حلقِ الحياة التى نعيش....
نريد أن نمنّ على أنفسنا توالي أيامنا بالكاد تمر دون الشعور يوما بأمنيات الموت الرحيم، وكأن الرحمة فرت من بين قلوبنا الضائعة في كل شيء عدا الموت؛ فهو الرحمة حين تقتلك الحياة، أنت على شفا من الشرك بالله حينما تقترب من الموت أمُنيةً، وتخشى الدنيا وهي حقٌ عليك، فضبابية خاطرك المملوءة بالظلم الذي هو دائرٌ بك مدار اللاإنسانية تُذكّرك دائما بأنك عِبءٌ على الحياة أو أن الحياة عبءٌ عليك، أقسى أنواع العذاب أن تفقد قيمة وجودك أمام نفسك، كأنّك كفيفٌ عن الذات الإنسانية، فتعمى عن أعظم كرامةٍ أودعها الله فيك أنك "بني آدم"....
وبين كل هذا الهذيان السوداوي يردّني شعورٌ سكين بماهيّة "الصبر" ولأجل هذا الذي يمر بنا بالذات نحتاج له، إن صعوبة الحياة لم تكن لتُقاس على حسْب معايير أحد؛ فلذلك أنت محمولٌ على الصبر وليس الهروب والفرار، فأنت لا تملك شيء، حتى نفسك التي ما بين جنبيك لم تكن لتملكها، وما امتلكت يوما إلا الاختيار حين أراده الله لك، فاخترْ الصبر يكن لبقايا روحك وازعَ عوْن.....
والله لأجل لحظة الاختيار تلك خُلقت، حين أكرمك الله بالعقل الذي يدلك على معرفته -عز وجل- وعبادته، فاختر كل صفةٍ وجَدتّ الله فيها حين بحثت عنه، فأدرك ماذا تعنيه الحياة من القسوة حينما يطلب المؤمنون من مولاهم كل نصيبهم من الصبر حتى إفراغه كاملا في قولهم "ربنا أفرغ علينا صبرا"، في لحظةٍ قد اختاروا الصبر إرادةً لأجل الله وفي مراد الله بدل أن يأسو على حالهم على مضضٍ وكلا الحالين في أم البلاء واحدٍ، ولكن في الأول غاية الوجود....
-
عبدالرحمـٰن علوشهايل