وطن كعصف مأكول - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

وطن كعصف مأكول

قصة قصيرة

  نشر في 15 يونيو 2015 .

وطن كعصف مأكول

فصل الصيف لم يعد كما كان سابقا، فحتى المناخ أصبح متذمرا من وطن كل شيء فيه نفاق...

رأيت امرأة حفرت السنين تضاريسا على وجهها ويديها ترتعش. تفترش التراب في كبرياء مصطنع...

- السلام أ الشريفة... بشحال كيس الحمام؟

- وعليكم السلام... 260 ريال أسيدي...

سحبت من حافظة نقودي مالا... قالت بصوت خفيض:

- لم آكل منذ يومين...

دخت وأنا حين أدوخ لا أرض أحط عانتي عليها... نظرت للغادي والرائح... للعاشق والسائح... للهارب والخائف... للاهث والمتثاقل... للميسور والكفيف... وصرخت بأعلى صوتي:

- هذه بائعة خرق تنظف أوساخكم... فيكم جائعة... ولا من منصت ولا مجيب... تسوقوا مجوهراتكم ودللوا نسائكم وهاهي بائعة خرق قد انحنى ظهرها وقصمها الجوع...

قبلت رأسها المنحني تحت منديل بنفسجي وقلت:

- لا تتحركي من مكانك... سأرجع لك في الحال...

جريت قبالتها إلى مطعم مكتظ بحجيج من الناس... وآخرون يتسوقون مؤن رمضان والجامع على خطوات... ولا أحد انتبه إلى جوع السيدة وشحوبها الفظيع...

طلبت أكلا من صاحب المحل مباشرة، ملحا، دون أخذ إذن الواقفين، متعللا بجوع امرأة أمامهم... وبدا هذا قليلا أمام جوع الوطن... وعادتي لا أسبق أحدا والطابور إحدى مقدساتي...

لكنها حالة إنسانة على شفى الموت جوعا في وطن ظل يتشدق بمعوناته إلى بقاع العالم... والحاجة والفاقة ترتسم وتنخر وجوه أبنائه من "أنفكو" إلى صحاري "كلميم" وشعابها، مرورا بدوار ايمين الدونيت" حد الدنيا القابع على حراسة جبال الأطلس الكبير...

بدت لي الصدقة فعلا منقصا من كرامة شعب في وطن تتراكم ثرواته في أيدي عدد محدود من العائلات، كأنها تلك العائلات النازلة من أفخاذ الآلهة، حتى أزكمت روائحها الخياشيم من كثرة التقديس... بينما الآخرون أبناء كلب أجرب. تشمئز لهم العيون وتخدش الحياء العام...

خجلت من الصدقة وقلت لصاحب المطعم بلباس البيعة ولحية بيضاء وشارب محفوف:

- فيكم بائعة خرق لم تأكل منذ البارحة؟

فقال:

- لها ابنة دائعة...

ربما تستحق الجوع في هذا المغرب الذي لا ينتهي لأن ابنتها داعرة... فاجرة؟....

نظرت إليه ولم أنطق...

وصلت إليها بطعام في كيس بلاستيكي أبيض، ولم تصدق، دفعت ثمن الخرق ولم تصدق...

سألتها عن ابنتها فأجابت:

- وددت أن أرد للجاني فقط، طرف سيفه الذي انغرس عميقا في روحها... فلا شك سيفتقده لمتابعة عمليات التطهير في بنات الوطن...

أجابتني والشرر يتطاير من ضيق حفرة العينين، وهي تكشر بما تبقى من نواجذها في غرفة الأضراس الممتلئة بطعام بطعم من سجيل...

أهكذا الخير في بلدي لا يصدق.... وما فينا خير ولا توزيع طعام إلا في حضور التلفزات والبساط الأحمر...

آه... يا بلادي من جوع العقل وعطش الضمير... فعلاقة أغلب المتدينين لم تتجاوز الصيام...

شكرتني وشرعت في الأكل، دعت لي بالخير وطلبت منها فقط أدعية السلامة... فأنا أخذت سبيلي في طريق الوطن... طريق لا يؤتمن...

غادرتها وأنا أفكر أنه لا شيء في هذا الوطن البعيد وأنها فقط بلاد وصاية لجوع وعطش...

غادرت بلدي وحسبت معتقده، فكر الشفافية والمساواة، وهو أعر من فكري الحاقد...

كالعادة أحك رأسي فتنزل عليّ الأفكار وغالبا ما تـُفلق رأسي، لهذا هناك دائما ضمادات على جمجمتي...

ابتسم مكرها... وأنصرف لحالي وسط حجيج ابتليّ به الوطن...

مرددا: لنعتنق الحشيش بدل إسلام آخر الزمان... فوالله إنه رب رؤوف بالعالمين...

ملاحظة:

كتبت هذا النص تحت أنغام ( هنا جيت... هنا جيت... واخا جيت... راه جوني مار..) لنجاة اعتابو: وهي امرأة عتيدة وعلاقتها بمدينتها وغنائها روحانية جدا...

فتحية لها ... ولكم... يا أولى الألباب..

سعيد تيركيت

الخميسات - المغرب - 13 / 06 / 2015 



   نشر في 15 يونيو 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا