كلنا نتابع بقلق و توتر ما يحدث في العالم جراء تفشي فيروس كورونا، و الذي خلف لحد الآن أكثر من نصف مليون قتيل و أزيد من 4 ملايين إصابة، هذا بالإضافة إلى ركود إقتصادي و تجاري رهيبين، و تخولات كثيرة .. عواقب كورنا عديدة و لا يمكن حصرها و هذا ليس موضوع هذا المقال، كل ما يمكن قوله هو أن الجائحة أعادت العديد من الدول الى مربع الصفر و خاصة الصاعدة منها كحال بلدنا المغرب، البرازيل تونس.. و التي كانت تراهن على المرحلة القادمة لخوض غمار تحولات اقتصادية و اجتماعية هامة لكن الجائحة كان لها رأي آخر ..

اذا كانت طبول الحرب العالمية الاولى و الثانية قد دقت في يوم محدد و افتتحت في تاريخ مسجل فان الحرب الباردة الاولى بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي لم تحضى كغيرها من الحروب بتاريخ محدد و بدايتها لا زالت غير معولمة الى يومنا هذا. اختلفت العديد من المراجع حول تاريخ بداية الحرب الباردة، فهناك من يقول ان سنة 1947 هي تاريخ بداية الحرب خاصة بعد انفصال يوغسولافيا عن التيار الشيوعي و انضمامها الى حركة عدم الانحياز، تلاه محاوله تدخل الاتحاد السوفياتي لفرض السيطرة ، قبل ان يصدر الريس الاميريكي آنذاك هاري ترمان اعلان بإسمه يهدف الى الوقوف في وجه الخطط السوفياتية الهادفة الى بسط السيطرة على الجزء الشرقي من اوروبا و لما لا ألمانيا ... جاء هذا الاجراء تحت اسم سياسة الاحتواء بعد الحرب الاهلية اليونانية بين النظام الملكي المدعوم من المعسكر الغربي و المتمردين الشيوعيين.. بعدها عمل الرئيس الامريكي على تنزيل سياسة الاحتواء و خصص حوالي 400 مليون دولار من أجل التدخل هناك. في هذه الأثناء كان من المهم انتشال ألمانيا من الدمار و الانهيار الذي خلفته الحرب العالمية 2 و لدلك قامت الولايات المتحدة باطلاق خطة مرشال والتي كان الهدف منها تقديم مساعدات للدول الأوروبية الراغبة في التحول الافتصادي و الديموقراطي بما في ذلك الاتحاد السوفياتي نفسه. هذا الاخير شكك في الخطة و اعتبرها تهديدا و محاولة من امريكا لاجتذاب دول الكتلة الشرقية وخصوصا وانها تروم ايضا الى تكوين مجلس موحد للأمن القومي و المخابرات CIA ..

في السنوات الموالية ستتلقى الدول الأوروبية حزمة مساعدات غبر مسبوقة من الولايات المتحدة، وصلت الى حد الدعم العسكري في العديد من النزاعات العسكرية مثل الحرب الاهلية اليونانية و الايطالية و اللتان ستعرفان انتصار التيارات الموالية لامريكا 1948 ستقوم الولايات المتحدة و مجموعة من الدول الغربية عن خطة للاقلاع الافتصاد الالماني رد عليها ستالين بحصار للعاصمة برلين لم ينتهي الى بعد اجراء الانخابات و خسارة الاحزاب الشيوعية و التي كانت ذات تأثير فعال على مستقبل حيث أرغم حوالي 30 الف الماني على الخروج للشارع للتظاهر ضد تقسيم المدينة و دعوا الى استمرار المساعدات الجوية الغربية...

هناك من يعتقد ان الحرب الباردة كانت سنة 1944 و تحديدا في مؤتمر موسكو حيث سعى ستالين الى جذب أوروبا الشرقية الى كيان واحد وهو الاتحاد السوفياتي فيما سمي بعدها باتفاقية النسب والتي كان لها دور هام في اعدة تشكيل الفضاء الاوروبي الى شرقي موالي للسوفيات و غربي للولايات المتحدة.

قسمت الحرب الباردة العالم الى قسمين شرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي و غربي بقيادة أمريكا و تخللها تنافس شديد بين القطبين اتخد عدة سمات عسكرية و تكنولوجية و ختى ثقافية و ايديولوجية، كادت ان توقع العالم في الهاوية عدة مرات و لكن تخللها فترات سلمية، اقتصر فيها التنافس بين القوى المهيمنة داخل القطبين، كالصين التي اصطدمت مع الاتحاد السوفياتي في سنة 1960 و فرنسا التي رفضت  الوصاية الامريكية على اوربا خلال فترة عودة شارل ديغول و تراسه للجمهورية الغرنسية.. وصل الصراع الى شدته خلال ازمة الصورايخ الكوبية التي تفجرت على إثر اكتشاف مجموعة من الصورايخ البالستية السوفياتية داخل قواعد سرية في كوبا وكانت موجهة لضرب الولايات المتحدة في حالة نشوب اي حرب بين البلدين..

كانت فترة الستينيات الاكثر صداما بين القطبين، و الى جانب تطوير الواريخ البالستية و الاسلحة الاستراتيجية كانت هناك حرب محتدمة من شكل اخر عرفت بسباق الفضاء، بدأها السوفيات حيث يعتبرون اول من وضع قمر صناعي على الفضاء اطلق عليه اسم سبوتنيك و ذلك سنة 1957، تلاه بعد ذلك مجموعة من الانجازات مثل ارسال اول حيوان الى مدار و اول انسان يورين غاغرين سنة 1961 و اول امراة سنة 1963 الى مدار الارض.

لكن و م أ ردت بقوة بانجاز غير مسبوق و هو اول رحلة بشرية الى القمر  أرمسترونغ وباز ألدرين سنة 1969 والذي اصبح مصدر الهام و دليل على التفوق التكنولوجي الامركي .. ألفت حوله المؤلفات و الافلام .

كانت فترة السبعينيات فترة هدنة خصوصا بعد معاهدة سالت للحد من انتشار الاسلحة الاستراتيجية ... و فترة الثمانيات كانت مرحلة انهيار القطب الشرقي بعد ان تلقد الرئيس ميخائيل غورباتشوف زمام الحكم في الاتحاد السوفياتي و رغبته في محاربة الانظمة الشمولية في الدول الشرقية وكذلك وصول الحكومة الديموقراطية الى الحكم في المانيا جاء بعد عد مطالب شعبية و دعم من حلف شمال الاطلسي الناتو و كذا توحد المانبا الشرقية و الغربية .. و على نحو المانيا تمت دمقرطة الدول الشرقية الأخرى مثل بولندا و المجر و تشيكوسلوفاكيا .. في اواخر 1991 تم اعلان انهيار الاتحاد السوفياني و ولادة 15 دولة مستقلة بعد مخاض طويل ..

مجموع من الدروس يمكن إستخلاصهما من فترة الحرب الباردة و أهمها ان الحرب الفكرية تعد أحد أشد انواع الصراعات و هو كذلك صراع من اجل البقاء، و كيف لا و نحن نشاهد مدى إندثار صورة الاتحادة السوفياتي الممثلة في روسيا و تراجع ثأثيرها الإقليمي و إشعاعها الفكري، دون أن ننسى تخلفها الإقتصادي و التكنولوجي حتى بالمقانة مع حلفائها القدامى و خاصة الصين و التي يبدو انها أخذت المشعل و ستسير على خطى الدب الروسي في مواجهة الرأسمالية الأمريكية و ما كورونا الا اكبر مثال على ذلك ...