كلمة ستكتب في صفحة تاريخنا  حبرها من دم الشهداء و حروفها من معاني الشرفاء

هي بلاد دخلت عليها الحرب كما تدخل النيران الضارية على الحقول اليانعة، و صار عيشها خراباً وأحلامها وحشة وسراباً، فهذا الموت المحتوم، وهذا الكمد المكتوم، وهذه الدوحة التي التهمتها نيران الحروب هي أرض الشام.

إذا كانت التكبيرات فتكبيرات القصف والموت لا تكبيرات العيد، وإذا كان الليل فأضواء القذاءف لا النجوم ،وإذا كانت السحب فهي أرواح الشهداء.

أديم الارض فيروى من الدماء، أما ورده فيقطف ليوضع على عتبات القبور .إذا مررت و جدت الزرع انحنى وإذا اصغيت سمعت الحجر حكى، فهنا مرت جنازة شهيد، وهناك بكى طفل وحيد ، وعلى هذا العشب افترشت طفلة الارض ناظرة للسماء بعَجَب أنها صافية لأول مرة!!

إذا أقبل الهجيع انحط الغراب، وإذا أدبر لاح الخراب ،أول الدعوات اللّهم ارحم شهدائنا وآخرها اكشف بلائنا

تقلب الصفحة _صفحة التاريخ_ فإذا بأرقام المجازر، وتعداد الملاجئ وغارات الكتائب وعدد الاتفاقيات و خرق الهدنات، وآراء المحللين ومقالات الصحفيين،. وما بين صفحة وأخرى صرخات نميز بينها، إن كانت من تحت الأنقاض أو من فوقها ، أما صرخة الثكلى فصادحة قوية كأنها تصرخ من نفسين نفسها ونفس فقيدها وتألم من قلبين قلبها وقلب عزيزها فهو ابداً حاضرٌ في وجدانها كائنٌ في كل لَحْظٍ من لِحاظها.

في أرض الشام أين ما امتد النظر يكون كل شئ مختلف ،إذا نظرت للبحر ومرت بك أطياف الهاربين الغارقين فأنت إذاً في الشام، وإذا تأملت البر ورأيت آلاما تمشي وزفرات تزاحم الارض سالكة الطريق إلى السماء فأنت في الشام ،إذا صليت مع فروض الصلوات إما صلاة الغائب أو صلاة الشهيد فهنا الشام.

لذلك قالوا إن المحن تكشف معادن الناس، إذاً مرحباً بأرض الشام أرض كشف المعادن وتمحيص القلوب

فهنا يتميز الخبيث من الطيب ويظهر العدو من الصديق وتُنخل النفوس على غربال المنايا فتتساقط المنافقة الخبيثة وتبقى الصادقة الطيبة.

قد كُتبت سنن الله وقُدّرت بأن مصير الشدائد الزوال ولولا شدة البأس ما كانت لذة النصر ولولا طول الصبر ما كان عظيم الأجر. وهل تسقط الورقة اليابسة إلا لينمو بعدها الورق الأخضر الذي يتقاطر منه الندى خجلاً من التضحيات التي بُذلت ومن الأرواح التي فارقت أصحابها في سبيل هذه الأرض.

لن ينحط لنا عزم ما دامنا نحفظ "ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأَعلون إن كنتم مؤمنين" ولا يضيرنا طول الليل وحلكته ما دمنا نرى مبرق صُبحه في عيون المجاهدين، ونور الإيمان في وجوه الصابرين المحتسبين

وإذا خُذلنا و فُرِّط في جنبا وتغافل البعض عن عوننا فلن نأسى على قومٍ ظالمين وقد وعدنا الله وما كان الله مخلف وعده

ولدنا وتربينا على أرض لها جراحاً تعثب دماً والماً لكن أكثر ما يُروّح عن نفوسنا ويسرِّي عن قلوبنا أن عبق الأمويين ما زال يهبُّ من دمشق وأن القدس ستبقى واسطة العقد، وتحفة الأرض،ومسرى القلوب.

وإلى اللّذين لا يملكون من أمر عوننا شئاً نقول: ليس أروَحَ للنفس المظلومة من دعوةٍ في ظهر الغيب

ولا أمضَّ عليها من بخيل يبخل بمد يده حتى في الدعاء فخذوا بأمر الله ما استطعتم وكونوا مع المظلومين ولو بكلمة

أما نحن، فما زال في هذه الذماء (وهي ما تبقى من الروح) ما يعين على البقاء ويقاوم هذا الشقاء وسيُسدل ستار النهاية بعد طول مقاومة وعناء ألا وهو الإيمان

وعند آخر صفحة من هذا التاريخ قولوا: صبراً يا أهلالشام فإن موعدكم الجنة.