وداد و صالح
الشك يجني علي حياة وداد وصالح
نشر في 12 ديسمبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
وكإنما بات عُرفاً أن تصبح والدة الزوج سبب ضغينة أساسية وبؤس لا مفر منه لزوجة إبنها ، صدقت مقولة " أن أسوأ عدو للمرأة هي المرأة ذاتها " و بالطبع يُقصد هنا المرأة الجاهلة أيضا كيف يطلق أشباه الرجال علي أنفسهم لفظة "رجال" وهم موقادون من قبل السيدات ، إن أكبر رؤية واضحة علي ما ذكرته هو العرض المسرحي " وداد وصالح " من تأليف المبدع المجهول "أحمد حسن أحمد " إخراج "صاموئيل يوسف" تمثيل كارولين رضا و أحمد محمد علي و مارييت موسي والمقدم من قسم علوم المسرح جامعة المنيا كختام للعروض المسرحية ضمن فاعليات مهرجان الإكتفاء الذاتي لمسرح المتخصصين في دورته الثالثة .
يرفع الستار بعد سماع النواح الصعيدي وهو " يا برج عالي " الخاصة بفيلم عرق البلح وكأن المخرج يريد إثارة ذهن المتلقي بأن العرض ذو طابع مأسوي وسينتهي بنهاية تحزننا ، لنلاحظ بعد ذلك أننا قد انتقلنا بشكل جذري من المدينة إلي منزل ريفي -"الدوار"- من أبراج حمام وحبل لتعليق الملابس عليها و الطبلية الريفية ، أيضا نعلم من خلال الحديث القائم بين سيدة وشابة علي خشبة المسرح أن هناك زوجة تعيش مع والدة زوجها بنفس المنزل وأنهما ليسا علي فواق فلكل منهم كيانة الخاص فالأم متنحية تماما عن كونها "أنثي" وتصبح هي الوعاء الذي توغل بأفكار وأحاديث والدها أما الزوجة فهي صغيرة السن شابة تريد التمتع بالحياة وحين يأتي الإبن للدار ويُعلن عن مقتل أحدي سيدات القرية حتي تأخذ الأم في بث زلزال من الكلمات علي زوجة إبنها لإبنها حتي يقضي عليها دون وجه حق .
نلاحظ أن الفكرة الأساسية للعرض تمحورت حول رغبة الأم في السيطرة علي زوجة ابنها و إن كان ذلك قد يؤدي لهلاك ابنها الوحيد إلي أن الرغبة أعمتها فأخذت الشرف و العار حجة لها حتي تستطيع التأثير علي ولدها ، وما كان ذلك إلا بسبب الشعور بالنقص من فتاة تربت علي الدلال واخري علي الغلظة والرفع من شأن الرجل فجاء علي لسانها مقولة " احنا ناقصيين عقل ودين " ، رغم بساطة فكرة العرض إلا انها اظهرت براعة الممثلين ودقة حركاتهم وافعالهم كأنهم في حالة حضور كاملة للروح فجاء آداء شخصية الأم التي قامت بدورها كارولين رضا متمكن جدا بسبب التدرب الواعي وذلك ظهر لجميع المتفرجين من أقل التفاصيل كنظرة العين و حركة رقبتها تجاهما ونبرة حديثها الملائمة فتارة توجه لإبنها الحديث وتارة تصطنع الحديث مع ذاتها مع تعابير فجة بالشر بإصطحابها لتعبيرات وجهها الجوفاء والحادة ايضا مشيتها التي تمتاز بالوقار والثقل والمكانة العالية وكأن كل دبة قدم علي خشبة المسرح لها تقول "أنا سيدة هذا الدار " .
لننتقل إلي شخصية الزوجة و التي قامت بدورها " مارييت موسي " فقد امتازت بالدلال والخفة وأيضا تحمل الجانب الإنساني كشعورها بالآسي علي فقدان صديقاتها ومنذ بدأ العرض ونحن ندرك أننا أمام شخصية تعلم الوعي الكامل لجسدها فتتزين آمام مرآة صغيرة تأخذ تغني وتدندن تحمل البساطة والبراءة ولكن حينما يبدأ زوجها في الشك بها تتحول تعبيراتها بين الصدق والشك كأنها لا تريد أن تطفئ ناره وتحمله ثمن نار شكه بمفرده وللحق نحن أيضا قد أخذ الشك يتوغل فينا فتارةة تتهرب من السؤال وتارة آخري تحاول التفكير وتجاوبه بشجاعة ، وصولا للذكر الوحيد في الأحداث وهو الزوج وقد قام بدوره "أحمد محمد علي " أصاب المتلقين بالتقزز من جودة تمثيله فأخذ يعتمد علي الواقعية الشديدة في دوره أثناء تناول بقايا الطعام من علي أصابعه بالإضافة إلي طريقة شربه للماء أيضا منذ دخوله علي خشبة المسرح نحن نري شخصية تتحرك بشئ من الضعف وفقد القدرة علي الإتزان وكأنها تأكيد لضعفه وحيرته الذي سيستمر طوال العرض بالإضافة إلي ذهابه لوالدته والحديث معها بدلا من زوجته مما يؤكد فكرة إرتباط الشاب بوالدته وتأثيرها عليه ،امتاز اداؤه بالبساطة المتمكنة وهذا نتاج التدريب الخاص له علي هذا الدور وإن كانت شخصيته قد تحولت سريعا من السلبية إلي اتخاذ القرار بالقضاء علي زوجته .
أعتمدت المسرحية علي الطابع الواقعي البحت وهذا بسبب الديكور الذي قام بإعداده " فادي حبيب " وقد يكون هو أهم ما يميز هذا العرض من أبواب ريفية وبيوت للحمام و زير للمياة و الطبلية او مائدة الطعام الريفية فكل ذلك قد ساهم في إرسال حالة العرض لها ، وبالمثل في الملابس فكل ملبس دال علي شخصية حاملها كالرجل الفلاح يرتدي الجلباب والأم ترتدي العباءة السوداء و الزوجة ترتدي الثوب الأصفر الذي أظهر شخصيتها من البراءة للمكر مع اختلاف الدرجات بينهم .
كانت الموسيقي طوال العرض معتمدة علي آلحان وأغاني فيلم عرق البلح ربما بسبب الروح المأساوية أو المكانية الخاصة بالعرضين ، و الإضاءة أظهرت قوتها في مشهد السلويت والذي أظهر مشهد قتل الزوج لزوجته وإن كان افقدنا بعض المشاهد التي كانت تحتاج لتركيز بؤرة الضوء عليها .
علينا الذكر أن فرقة شباب علوم مسرح المنيا قد تمكنت من إنتاج عرض مسرحي رغم كل المصاعب و المشقات التي تعرضوا لها و هذا يحسب لهم ، وبذلك يكون المخرج "صاموئيل يوسف" قد امتعنا برؤيته الإخراجية رغم قصر مدة العرض .
-
Doha Elwardaneyناقدة سينمائية وباحثة