الكذبُ الُمُقنَّع ُ
✍️بقلم. محمد خلوقي
🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸
وضَعَ الكذب قناعا من أقنعته المُتعددة ، ولَبِس معه أبهى حُلَلِه ، وتزيَّن وتعطَّر ، وخرج قاصدا فضاءً مغايرا لفضاءاته المُخادعة ، مستهدفا كعادته فضاء (الحقيقة )، ومُخطِّطا استمالَتَها ، والظفرَ بقربها ، لم يكن ذلك من باب التقدير او المودة ، ولكنه بدافع الحقد والحسد ، لأن الحقيقة ، دوما ، تَصدُّه وتنتصر عليه ، وتكْشِف زيفَه ، وتُزيل أقنعَته أمام الكل ..
فأدرك الكذب أن لا سبيل الى خداع الحقيقة إلا باتقان التظاهر بحب الحق والخير ، وقول الصدق ، وعلى هذا الاساس بنى خطة الاغراء والاستدراج .
👈، فجاءها ربيعا ، وأخبرها بأن الطبيعة في هذا الوقت بالذات قد تسرْبَلَتْ ثوب النضَارة والجمال ، وأن الشمس من فرط إعجابها ببهاء الطبيعة وفتنتها لم تنقطع طوال هذا الفصل من إرسال أنوارها الذهبية ، احتفاءً واحتفالا بهذا الحضور المميز والساحر ، و أوحى لها بأن الارواح الجميلة و النفوس النقية والشفافة، هي الأجدرُ بأن تستمتعَ بهذا الجو النادر والعابر . وطلب منها بإلحاح أن يخرجا سويا في نزهة تجريبية لتعيش معه هذه المتعة ، فلم تتمالك (الحقيقة) نفسها أمام هذا الوصف الأخَّاذ ، والإغراء المثير ، وأرسلت من بين الشقوق ناظرها لتتأكد من سردية ( الكذب ) ، فوجدت جينات الصدق حاضرةً في قوله ،و أن منطوق كلامه يطابق حال الواقع الخارحي ، حينها أسرعت الى خدرها ، و توشحت قلادتها النادرة ، ولبست ثيابها المميزة ، و خرجت من مسكنها متأبطة رغبة الاستمتاع مع كثير من الحيطة والحذر ، وهكذا سارت وراء ( الداعي )مسافة قصيرة ، مستمتعة بجمال الطبيعة ، وصفاء جوها الربيعي ، لكن نظرات الناس اليها وهي تسير وراء هذا الغريب ، أيقظتها من نشوتها ، ونبَّهتها بانها تسير في غير مسلكها معية رفقةٍ لا تناسبها ، فرجعت الى مستقرها نادمة ، وتركت (الكذب ) على حاله واحتياله .
👈لكن هذا الاخير لم يقنط ولم يستسلم ، بل انتظر
قدوم الصيف ، ثم عاد الى ( الحقيقة ) بقناع جديد لعله يصل به الى مبتغاه ، فأخبرها بان جو الصيف جد ساخن ، والاجساد فيه لا تتحمل الحَرُور ، وتشتاق دوما الى الماء ، والطراوة ..واقترح عليها ان ترافقه الى مكان ممتع حيث الماء والخضرة ، ودلها على روضة حسناء ، فيها خمائل وظل ظليل ، وتنام في حضنها بئر فوهاء ، حفرتها مياه الرشح ، نبعها وفير ، وقريب المأخذ ..فأغراها وصفه الجميل ، وتذكرت صدق كلامه في زمن الربيع ، فقررت أن تصحبه لتتأكد مرة اخرى من صدق كلامه ، وسارت خلفه بعد ان اشتعلت فيها الرغبة ونقص الحذر ، وحين وصلا الى الفضاء المعلوم ، مد (المحتال )يده الى صفحة الماء ، وأخبرها بصفائه ووفرته ودفئه ، فاقتربت منه ، وجرَّبت ما فيه، ووجدت في الخبر صدقا ، وحين لمس (الكذب) درجة ثقتها بسرديته ، أغراها بمزيد من معسول الكلام، وطلب منها بان تُنعش جسدها الفاتن ، و تغطسه داخل هذه البئر ، كي يداعب ماؤها -برقة ولطف -كل شبر من مساحة بشَرتها .. .. وليكسب ( الكذب ) ثقتها، ويحقق غرضه ، ابتعد َ زمنا عن انظارها ، وتركها تتجرد من ثيابها ، ثم انتظر حدوث غطسها ، وعاد بسرعة البرق ، فسرق ثيابها ، ولبسها ، وترك المسكينة عاريةً لا تستطيع الخروج من محيط البئر، ولا تجرؤ ان تشرح حالها ومآلها الى كل بني البشر.
ومنذ ذلك الحين تحرر (الكذب) ولم يعد يهاب الحقيقة ، وصار يطوف العالم مرتديا ثوبها ، يفعل بردائها ما يشاء ، فيكسِب وِدَّ من يشاء، و يُوغل الحقد في صدر من يشاء، ويفتعل الازمات ، ويخلق النكبات ، ويُشعل الحروب ، ويُقسِّي القلوب . بينما تقبع (الحقيقة)خجلى في أعماق بئر سحيق ، لا يعرف مكانها الا قلَّة مِن مُريديها ، اما الغالبية فلا تتفحص وجه من يلبس ثوبها ، ولا تُتعب حواسَّها في إجراء المقارنة بين قامتها ، وقامة من سرق ثوبها .. ،
👈والنتيجة ان الناس اليوم قد تصالحوا مع (الكذب )، و أجازوه ، وأباحوه ، واستعملوه . واما( الحقيقة العارية) فصارت عندهم منبوذة ومطرودة.
بقلم. ✍️محمد خلوقي
مراكش 12-06-2024