الكذب المُقَنَّعُ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الكذب المُقَنَّعُ

  نشر في 12 يونيو 2024 .

الكذبُ الُمُقنَّع ُ

✍️بقلم. محمد خلوقي

🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸🇵🇸

وضَعَ الكذب قناعا من أقنعته المُتعددة ، ولَبِس معه أبهى حُلَلِه ، وتزيَّن وتعطَّر ، وخرج قاصدا فضاءً مغايرا لفضاءاته المُخادعة ، مستهدفا كعادته فضاء (الحقيقة )، ومُخطِّطا استمالَتَها ، والظفرَ بقربها ، لم يكن ذلك من باب التقدير او المودة ، ولكنه بدافع الحقد والحسد ، لأن الحقيقة ، دوما ، تَصدُّه وتنتصر عليه ، وتكْشِف زيفَه ، وتُزيل أقنعَته أمام الكل ..

فأدرك الكذب أن لا سبيل الى خداع الحقيقة إلا باتقان التظاهر بحب الحق والخير ، وقول الصدق ، وعلى هذا الاساس بنى خطة الاغراء والاستدراج .

👈، فجاءها ربيعا ، وأخبرها بأن الطبيعة في هذا الوقت بالذات قد تسرْبَلَتْ ثوب النضَارة والجمال ، وأن الشمس من فرط إعجابها ببهاء الطبيعة وفتنتها لم تنقطع طوال هذا الفصل من إرسال أنوارها الذهبية ، احتفاءً واحتفالا بهذا الحضور المميز والساحر ، و أوحى لها بأن الارواح الجميلة و النفوس النقية والشفافة، هي الأجدرُ بأن تستمتعَ بهذا الجو النادر والعابر . وطلب منها بإلحاح أن يخرجا سويا في نزهة تجريبية لتعيش معه هذه المتعة ، فلم تتمالك (الحقيقة) نفسها أمام هذا الوصف الأخَّاذ ، والإغراء المثير ، وأرسلت من بين الشقوق ناظرها لتتأكد من سردية ( الكذب ) ، فوجدت جينات الصدق حاضرةً في قوله ،و أن منطوق كلامه يطابق حال الواقع الخارحي ، حينها أسرعت الى خدرها ، و توشحت قلادتها النادرة ، ولبست ثيابها المميزة ، و خرجت من مسكنها متأبطة رغبة الاستمتاع مع كثير من الحيطة والحذر ، وهكذا سارت وراء ( الداعي )مسافة قصيرة ، مستمتعة بجمال الطبيعة ، وصفاء جوها الربيعي ، لكن نظرات الناس اليها وهي تسير وراء هذا الغريب ، أيقظتها من نشوتها ، ونبَّهتها بانها تسير في غير مسلكها معية رفقةٍ لا تناسبها ، فرجعت الى مستقرها نادمة ، وتركت (الكذب ) على حاله واحتياله .

👈لكن هذا الاخير لم يقنط ولم يستسلم ، بل انتظر

قدوم الصيف ، ثم عاد الى ( الحقيقة ) بقناع جديد لعله يصل به الى مبتغاه ، فأخبرها بان جو الصيف جد ساخن ، والاجساد فيه لا تتحمل الحَرُور ، وتشتاق دوما الى الماء ، والطراوة ..واقترح عليها ان ترافقه الى مكان ممتع حيث الماء والخضرة ، ودلها على روضة حسناء ، فيها خمائل وظل ظليل ، وتنام في حضنها بئر فوهاء ، حفرتها مياه الرشح ، نبعها وفير ، وقريب المأخذ ..فأغراها وصفه الجميل ، وتذكرت صدق كلامه في زمن الربيع ، فقررت أن تصحبه لتتأكد مرة اخرى من صدق كلامه ، وسارت خلفه بعد ان اشتعلت فيها الرغبة ونقص الحذر ، وحين وصلا الى الفضاء المعلوم ، مد (المحتال )يده الى صفحة الماء ، وأخبرها بصفائه ووفرته ودفئه ، فاقتربت منه ، وجرَّبت ما فيه، ووجدت في الخبر صدقا ، وحين لمس (الكذب) درجة ثقتها بسرديته ، أغراها بمزيد من معسول الكلام، وطلب منها بان تُنعش جسدها الفاتن ، و تغطسه داخل هذه البئر ، كي يداعب ماؤها -برقة ولطف -كل شبر من مساحة بشَرتها .. .. وليكسب ( الكذب ) ثقتها، ويحقق غرضه ، ابتعد َ زمنا عن انظارها ، وتركها تتجرد من ثيابها ، ثم انتظر حدوث غطسها ، وعاد بسرعة البرق ، فسرق ثيابها ، ولبسها ، وترك المسكينة عاريةً لا تستطيع الخروج من محيط البئر، ولا تجرؤ ان تشرح حالها ومآلها الى كل بني البشر.

ومنذ ذلك الحين تحرر (الكذب) ولم يعد يهاب الحقيقة ، وصار يطوف العالم مرتديا ثوبها ، يفعل بردائها ما يشاء ، فيكسِب وِدَّ من يشاء، و يُوغل الحقد في صدر من يشاء، ويفتعل الازمات ، ويخلق النكبات ، ويُشعل الحروب ، ويُقسِّي القلوب . بينما تقبع (الحقيقة)خجلى في أعماق بئر سحيق ، لا يعرف مكانها الا قلَّة مِن مُريديها ، اما الغالبية فلا تتفحص وجه من يلبس ثوبها ، ولا تُتعب حواسَّها في إجراء المقارنة بين قامتها ، وقامة من سرق ثوبها .. ،

👈والنتيجة ان الناس اليوم قد تصالحوا مع (الكذب )، و أجازوه ، وأباحوه ، واستعملوه . واما( الحقيقة العارية) فصارت عندهم منبوذة ومطرودة.

بقلم. ✍️محمد خلوقي

مراكش 12-06-2024



   نشر في 12 يونيو 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا