"نستيها"هكذا قالت نور ابنتي ذات العامين وهي ترى والدها وجدتها يغادران المنزل،"نشتيها"بالعامية هي احبها.
لم تكن تدري اننا امضينا الليلة في المستشفى ولم نعد الا فجرا،لا تعرف معنى المرض ،معنى كبر السن او معنى الموت.
طفلتي تعرف من يحبها ،تعرف من يخرج حبة حلوى ليرى بسمتها ،تعرف نظرة الاعجاب في عيني جدتها وتمشي متمايلة ،مفتخرة ،تقترب منها وترمي نفسها في حضنها،وبحروف مكسرة،توصل الفكرة الى جدتها ،تخبرها بكل دلال انها تحبها،"نستيكي"(احبك).
هل نوصل افكارنا الى من نحب ،هل تعبر كلماتنا عن احاسيسنا ،ام ان الواقع مملوء بتفاهات تشغل تفكيرنا بكل مساوئ اقربائنا ،حتى لا نكاد نرى فيهم ميزة نغفر لاجلها اخطاءهم البسيطة،لا نتذكر اجمل اللحظات و احلى الضحكات ،فقط نتوقف عند كلمة او نظرة او تصرف قد يحمل بين ثناياه سبعين عذرا،التعب ،كثرة المشاكل،كبر السن،قلة الوعي،..اعذار لو التمسناها لكانت حياتنا ابسط واجمل.
كانت الاسرة كلمة مقدسة ،خويا ،ختي ،هكذا ينادون بعضهم البعض ،احترام ومودة،عندما ارى معاملة راقية ،وادبا تزينه مودة ادرك كم تهنا وضيعنا مفهوم الاسرة الكبيرة،حتى نتذكر امام سيارة الاسعاف بان هذه المرأة تجمع اسرة بكاملها،حكمة وتربية قويمة ،جعلتها تقف امام كل مشقات عالم سرق التسامح والمودة.
والدتك ،هكذا سالتني الطبيبة وهي تعلم سلفا بانها ليست والدتي وكانها رسمت بابتسامتها لي وانا اخبرها بانها حماتي اعجابها بلهفتي على هذه المرأة المسنة.لم تكن تدري بانني كنت اشعر بالذنب لانني شعرت بانني لم اوفها حقها،بانني تمنيت ان لا تغادر لاحادثها اكثر ،لنخرج اكثر ،لاهديها قارورة عطر، لنشاهد اخر الاخبار لوقت اطول،لكي اتعامل مع شخص مسن بصبر اكثر،بحب اكبر.عندما يتوقف جهاز قياس ضغط الدم عن تسجيل ضغط الدم لانه تعدى قياساته،نقيس مشاعرنا حين نتمنى ان لا ينقطع خيط الامل...
ولا ينقطع ،فرصة اخرى،بل فرصتين،درس اخر ، بل درسين ،اثنان في واحد ،هكذا يكتبون في الاعلانات التجارية ،ساكتب اعلانا تجاريا ،استغلوا الفرصة الاولى حياتكم و الفرصة الثانية حياة من تحبون لتخبروهم كم تحبونهم ،استغلوا كل لحظة لتقاسم فرحة ،لتبادل بسمة،لنسج ذكرى جميلة في اذهاننا،فرصة اخرى لنصلي بخشوع ،لنصوم غدا...غدا وليس بعده،لنقرأ القرآن حالا و ليس بعد قليل ،فكل شيء يحدث فجأة ،نمرض فجأة ،يموت من نحب فجأة،نموت نحن فجأة،فليكن يوم الفجأة على الاقل يوما للحساب و الندم على اخطائنا ،ولكن ليس يوما للوم انفسنا على عدم بذل المزيد من اجل من نحب، اجتهدوا لتسعدوهم،اخبروهم كما فعلت نور بانكم "تستيوهم"(تحبونهم).
التعليقات
يعجبني استخدامك للمصطلحات العامية مثل (نستيها) و (راني زعفان) في المقال السابق فهي تضفي مزيداً من السلاسة و القرب من الكاتب على الكلام .
بالتوفيق و في إنتظار كتاباتك القادمة .