أين مُقامي؟
أين مُقامي؟ سؤال يؤلم القلب ويمزقه!
إن إلهاما في داخلنا يدفعنا أحيانا إلى الطريق الذي يجب أن نسلكه، وها أنا.. ها أنا الآن أنظرُ من شق نافذةٍ للشوارعِ وهي تَضِيق.. تَضِيق.. تَضِيق فأبكي!
هل الظلام هو الغياب الكامل والمطلق للضوء أم أنه سبب لانبعاث النور من زاوية فيه؟
أم هو مجرد طيف يجول في الغرفة.. كادت تسقط الجدران...!
وهج زائف يخدعني، ألق عاصف يهدر وقتي، وأضواء غير حقيقية تمزق بصري وبصيرتي، ثم ينتهي بي الليل بالخلو الى هذا الظلام الكحيل القاتم مُحمّلق بعيني الى مجرة سوداء... سَئمتُ من كل هذا حقًا، سَئمتُ من عقارب اساعة في العمق البعيد من عقلي.. أصبح هروبي هو امساك هذا الهاتف اللعين طوال الوقت الذي ارتسمت هالاته على كفي يدي، والعجيب في الأمر أنه كلما فحصت نظري قالوا إنه لا زال قويا!
تبًا له.... سئمت من هذا المنوال اليومي، الذي يهرب اليه ملايين الاشخاص، فيعلقوا فيه... نضع الحُجج العظيمة لأنفسنا لكي نقنعها على وجوب ما نحن عليه..
اتخبّط هنا وهناك حسنا سأصنع فنجان قهوتي، سأنفض متكئي.. لن أقترب من هذا الهاتف اللعين، سأخلع ساعة الحائط.. أُعطلها.. أُعيدها، وأفتح التلفاز على قناة إخبارية.. وأرفع صوت التلفاز، لا أحد ينتبه لي!
صراع مستمر مع العدو الحاضر دوما "النفس"، أقولُ صراعا وأنا أعنيها حرفاً ومعنى؟! إن أشدّ ما يؤذي الإنسان هو صراعه مع نفسه.
وحدهم الأغبياء الجامدون هم من لا يتغيّرون، فالتجارب بصوابها وخطئها هي من يثري حياتنا بالمعرفة والخبرات، وتجعلها أكثر إثارة ومتعة ومرارةً أيضا.. للأسف الشديد، المُجتمع العربي كوّن قالبا مشوّها، وغير واضح المعالم لمفهوم الفضيلة.. نال قبول الكثيرين مثل العبد الفقير الذي يحدثكم الآن، ولم ينل أي قبول عند البعض القليل!
سيأتِي بعدَ الغمام المطَر، في هذهِ الدُنيا الخادعة، لن يمَلّ باحِثٌ عن 'الحيَاة' عن بحثِه،
قد تُقصيهِ مغرياتها إلى الطريق الخاطئ أحيانًا.. تُلقيه في جُبٍّ عميق.. هكذا هي الحياة، تجمعنا بمن يخذلنا رغم عظم رجاءنا فيه.. خذلان النفس، ويطيّب الرحمن خواطرنا بالهداية الى الطريق القويم، بعطاء يتجاوز كل الحدود المتوقعة! يهدينا إلى أمور ترتبط بأخلاقيات الفرد وقيمه ومبادئه أكثر مما ترتبط بأي أمر آخر ليرى مقامه هناك؟!
أسوق نفسي قهرا إلى التخمين! فرص مدسوسةَ، من أجلي، في جيوب العمر.. الإنسان يصنع عذاباتهِ بنفسه، ويخلقُ فنونًا كثيرة، مُسّلماتٍ لا حصر لها، تحجزهُ في مكانٍ ضيّق من حكايته، وحين يصبح الأمر أصعبَ من قدراتهِ، تجده يقاوم، لينسى.. أنه إنسان!
نحمل أنفسنا الأسف دون وعِي خالص، للأشياء التي ما عادت تتسّع لها مقاماتنا، ثم نعاقب أنفسنا في سّن الانتظار وكأنه واجب لرؤية النور يبزغ من العتمة تومضُ قليلاً في عقلهِ.. ثم تجتاحه، فكرة كبيرة، أنه يولد كاملاً إلا من الحكمة ومدخلاتِ التجربة الثرية.. ثم نجد أنفسنا نكذب في كل شيء وحتى في الحب والعطاء الذي نسكته قهرا وننكر عليه البزوغ، والارتعاد ونجرجره الى التواري عوضاً عن التجلي، ولا نلبث نجده ضحية في همهمة الشعراء.
اجتزت من العمر سنين طوال يماثل تتابعها ممرا طويلا قامت على جانبيه البهي من الزهور، والصبار أيضا يتخللها.. ولا تفتأ استدارة الأفق تحجب عنا الحقيقة، فنظل جاهلين اي الأنحاء نجوب، وأي الطرق نسير.. ولا نحفظ منها سوى كئيب الذكر إننا قطعنا من الايام مراحل وتقدمنا في السن.. نلهو في حدائقنا بمراقبة المد المنبسط من نهر الحياة فنرى المشهد كما رأيناه أول مرة، وإن تغيرت منه محتوياته وتجددت. فإذا ما بلغنا شلالات الحياة.. شلالات الجهاد والعناء والألم الذي صنعناه بأيدينا.. كان عملها في نفوسنا شديد الاثر.. وكلما ابتعدنا عنها زاد تعالي صخبها وهديرها وضجيجها.. حتى إذا اخذنا في الدنو لاح لنا من العمق البعيد في عقولنا " خلق الانسان للخلود ولم يخلق للفناء، فتخير مقامك عند الخلود" ليتجلى في أذهاننا معناه.. وتتضح لنا صورته. تمدنا بالنشاط والفطنة والحكمة لتسوقنا الى الأمام نحو غاية سامية.. انما تلك الشلالات أصلها ومصدرها.. ومنها منهلها الذي لا ينضب، إنها مُقامي؟!
ماهرباكير دلاش
-
Dallashوَإِنِّي أَتَجَاهَلُ وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ غَضِيضُ الْبَصَرِ وَلَسْتُ أَعْمَى وَإِنِّيْ حَلِيمٌ وَلَسْتُ بِحَالِمٍ حَصِيفُ الْكَلِمِ وَلَسْتُ أَسْمَى مَاهِر بَاكِير
التعليقات
رائع هو قلمك و قوي جدا
الإنسان يصنع عذاباتهِ بنفسه، ويخلقُ فنونًا كثيرة، مُسّلماتٍ لا حصر لها، تحجزهُ في مكانٍ ضيّق من حكايته، وحين يصبح الأمر أصعبَ من قدراتهِ، تجده يقاوم، لينسى.. أنه إنسان!
راقت جدا ♡♡♡، أشكرك على إمتاعنا كل مرة بحوارات تشبهنا ، دائما ما تعبر عن ما نعجز عن قوله
كل التوفيق بنصوص أخرى
جميل جدااا. دام نبض قلمك.